|
العنف والجريمة أساسها الاضطراب النفسي والابتعاد عن القيم
|
العنف والجريمة أساسها الاضطراب النفسي والابتعاد عن القيم
|
|
الإنسان كائن له غرائز وعقل، ولا مفر له من الغرائز بتعطيل دوره لأنه بذلك يعطل نصف كيانه وهو أمر غير ممكن بل ربما أدى إلى هلاكه، إذن لا بد له من مسايرة غرائزه لكن ضمن حدودها المعقولة، لا أن يسلسل لها القياد فبذلك أيضاً الهلاك فهو ذو أبعاد كثيرة مضرّة كما أن أهماله أيضاً مضر.
فالمطلوب كبح جماح الغرائز وضبطها ضمن حدود ولا يمكن ذلك إلا عبر امتثال أوامر الخالق العليم بخلقه سبحانه وتعالى، والتدين بدينه، عسى أن يهدينا سبل الرشاد، وأهم وجاء لضبط أشهر غريزتين، (البطن والجنس) اللتين منهما تنطلق قوة المادة، وتمثلان الشراهات المادية في قمتها هو الصيام، فبتلك الهزة العنيفة طيلة شهر كامل وحرمانه من أغلب الملذات من الطعام والشراب ولو بلقمة أو بجرعة يمكن رده إلى سواء الصراط، وتقحم في واقعه شعوراً آخر، يطارد الشعور العملي السابق.
ومن هنا حيث ليونة الغرائز وانقيادها لقوة الإرادة والعقل يمكن عد شهر رمضان أخصب أرضية وأفضل وقت علميات الإقناع الذاتية والجماعية عبر طرقها الدعائية والتبليغية في نشر تعاليم الإسلام السمحة والعقلانية إلى العالم أجمع وعلى العقلاء في العالم مراجعة ما لديهم وحسم مصيرهم ونيل السعادة الدائمة.
ولعل عزوف المسيحيين عن الكنائس وابتعادهم عن التعليم الدينية نتيجة فشل في تقديم البرامج الإلهية والعلاج النافع حيث استقلال الرهبان بأنفسهم واستغنائهم عن دينهم الواقع ووضعهم أسبوع التبليغ لا يكفي لهداية من مر عليه طوال سنة كاملة من الانغماس في الماديات. فهذا الفشل من المتدينين المسيحيين ونجاح الدعاية لغير العاملين في السلك الديني هو أيضاً أدى إلى تنميط الشباب في أوربا حياتهم وسلوكهم بحسب أبطال الأفلام.
فنتيجة أعمال العنف التي تجتاح المجتمع الإيطالي، توفي شاب عمره 19 عاماً، وأصيب آخرون ورجال شرطة بجروح خطرة، أثناء اشتباك بالعصي والهراوات والسكاكين بين مجموعات من الشباب داخل ملعب مدينة افالينو الجنوبية أثناء مباراة تنافسية بين فريقي نابولي وافالينو صاحبتها أعمال عنف على مدرجات الملعب الذي أغلقته السلطات بوجه المتفرجين لمدة ستة اشهر، كتدبير عقابي.
وعلى ضوء هذا الحادث الذي نزل كالصاعقة على المجتمع الإيطالي، وكانت سبقته سلسلة من الحوادث الإجرامية الخطرة، اتخذت السلطات الإيطالية الكثير من الإجراءات الوقائية.
وأصبح الشغب والعنف في الملاعب والساحات والنوادي الليلية والمراقص وأقبية المدارس والجامعات، من أهم المواضيع المثارة التي يلقي فيها الكثير من المربين والآباء اللوم على الثورة المعلوماتية التي باعدت، في رأيهم، البشر، وقوضت علاقاتهم. ويلقي الإيطاليون باللائمة على الأفلام السينمائية التي تعزز أفكار الجريمة وأساليبها المتطـورة وكذلك على الكومبيوتر الشخصي وأجهزة التلفزيون وألعاب الفيديو المنتشرة في كل مكان.
والملاحظ إن الكثير من المراهقين الإيطاليين يعملون على تقليد وتنميط تصرفاتهم بحسب سلوكيات أبطال الأفلام السينمائية. وتؤدي المثابرة على مشاهدة أفلام العنف إلى الهروب من الواقع وتبني حياة الخيال ومناخ العنف والجريمة. وعادت حديثاً إلى الواجهة جرائم العنف الآلي المستوحاة من فيلم "البرتقالة الآلية" للمخــرج الراحــل ستانلي كوبريك عام 1971، إذ عاثت في مدينة ميلانو عصابات من المراهقين تنتمي أكثريتهم إلى عائلات ثرية، تجــوب الشوارع بأزياء خاصة، وقبعات سود وتستخدم كلمات ومفردات غريبة خاصة باللصوص، وتهاجم البيوت والمحال، وتعتدي على الآخرين لتسرق ساعاتهم وأحذيتهم وملابسهم. وأول الضحايا المهاجرون.
وتقول المربية كاتيا كافيني من جامعة لاسابينسا إن "الاضطرابات النفسية لدى الشبيبة هي مشكلات كونية، ونسبة كبيرة منها تندرج في سياق العولمة المعقد، لأن وسائل الاتصال الراهنة بقوتها تهدم الكثير من المرجعيات الثقافية العريقة التي عاشت عليها المجتمعات البشرية". وتضيف: "يؤكد قولي ما ذهب إليه تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن انتشار ظاهرة العنف بين الشباب خلال عام 2000 حيث قدر عدد الشباب القتلى في العالم نحو 199 ألف شخص. النظام العالمي الجديد يكاد يخلو من أي نهج أخلاقي، والإخفاق في مجالات القيم الأخلاقية مستمر لأنه مبني على المنفعة والربح".
ويبدو الشاب الإيطالي الذي يستضعفه الكبار ويرون فيه تربة صالحة لزرع هواجسهم وخواطرهم والتعبير عن مكبوتاتهم عاجزاً أمام هذه الضغوط التي تصاحبها عملية غزو هائلة للعقول من قبل المشروع الثقافــي الجديــد المتمثــل بمنتجات التقنية المرئية التي غدت هي اللغة اليومية للجميع.
واخترقت هذه الثقافة الحدود والهويات التقليدية لتفرض حقولاً غير متجانسة بقوانينها وقيمها ومعادلاتها الفكرية والسلوكية، وهي قادرة على خلق الصعوبات التي يواجهها الشباب في اختيار البدائل، أو تقديم حلول ملائمة للمشكلات المطروحة، الأمر الذي يجعل كل واحد منهم لا يخشى شيئاً قدر خشيته من أن يكون وحيداً. يضاف إلى ذلك، تزايد الضغوط والمتغيرات التي تحيط بالشباب وتكون بمثابة مؤثرات بيئية خطرة لها مردود سلبي ينعكس على سلوكيات النشء، كقلة الوازع الديني وضعف النسق الأسري والترابط الاجتماعي، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والسياسية والعوامل البيولوجية، وكلها عوامل تتفاعل في ما بينها وتتداخل لتؤدي في النهاية إلى ظهور سلوك العنف عند الأفراد.
وتقول كافيني: "إضافة إلى الأسباب التي ذكرتها فإن مثل هذه الحالات يمكن تعليلها بالتركيبة النفسية التي اكتسبها الأفراد منذ السنوات المبكرة من حياتهم. معظم هؤلاء وجدوا الاهتمام المفرط من رعاية عائلية سرعان ما تنقطع لأسباب متعددة منها وجود أفراد جدد في العائلة أو سوء الأوضاع الاقتصادية أو تفكك الأسرة، فيلجأ الشاب إلى الهياج والعنف وعدم الاستجابة والإحباط والانطواء، حتى يجد نفسه في النهاية ضائعاً وعنيداً، فتصدر عنه تصرفات غير ملائمة للفت انتباه من حوله وإرضاء ذاته، لأنه يشعر بأنهم لا يستطيعون إدراك حاجاته الجديدة التي تولدت بفعل النمو الخاص به، مثل مطلبه بالاستقلال والشعور بالكرامة الشخصية وبالتميز.
وحين تواجه مثل هذه الحال بالاستغراب وعدم الاستجابة، يجد الفرد نفسه منساقاً نحو العزلة والتمركز حول الذات، يصاحب ذلك إحباط نفسـي خطيــر من شأنه توليد الحقد والكراهية بسبب الإحساس بعدم الرضا عن الحياة الواقعية، وشيئاً فشيئاً يتجه الشاب نحو حال مرضية بعد ان يجد جميع المسالك مقفلة للخروج، ليرتد نحو الداخل في محاولة لحماية نفسه من قسوة الخارج، ومن ظلم الآخرين. ويغذي هذا الواقع الإعلام المتحرر من أية قيود والذي يبث مئات الساعات يومياً من برامج الإثارة والكوارث والجرائم والجنس، تحمل تأثيرات عميقة في نفسيته. فالعنف من السلوكيات الإنسانية التي ترتبط بمتغيرات كثيرة منها السمات الشخصية، وهي ظاهرة عامة في كل المجتمعات الإنسانية باختلاف درجة حضارتها أو تقدمها أو تخلفها".
إذن على المفكرين استغلال هذه الفرصة الثمينة في هذا الشهر المبارك والأجواء الإيمانية المساعدة في عملية التبليغ والدعاية والترويج للدين الإسلامي ومذهب أهل البيت (ع) وإنقاذ العالم من براثن الجهل، والاستفادة من جميع الإمكانات لأجل ذلك.
|
|