شبكة النبأ: تطمح الجماعات والإنسان على وجه العموم إلى بناء المجتمع المتمدن القائم على احترام الحريات والقبول بالرأي الآخر والتعايش تحت مظلة العلم والسلم، ولا يبقى هذا الطموح ضمن دائرة التمنيات فحسب بل يتطلب جهودا حثيثة ومضنية تخضع لقانون التراكم الذي يقود بالنتيجة إلى تحقيق الأهداف التي يسعى إليها الفرد أو الجماعة.
ولغرض تحقيق بناء المجتمع المدني المتوازن يتطلب الأمر شروطا عملية ومعنوية متآزرة تتعاضد فيما بينها وصولا إلى الهدف المطلوب، وهنا يبرز لدينا شرط الوعي الذي يقف في مقدمة شروط بناء المجتمع المدني، إذ يرى المعنيون بأن الوعي يعتبر من أهم الدوافع التي تحث الانسان على تنظيم حياته وفقا لسلسلة من البنود الاجرائية والفكرية التي تشكل بمرور الوقت قاعدة أساسية تضمن للمجتمع نمطا متطورا من الحياة المدنية القائمة على التعاون والمساواة والتنوع وغيرها.
لذا فإن بلوغ الفرد او الجماعة مرتبة التمدّن تحتاج الى أسس تربوية سليمة تؤسس لبناء المجتمع مبتدئة بالطفل صعودا الى المراحل العمرية الاخرى حيث تشترك في هذا الجهد عموم المكونات الادارية والتوجيهية مثل مؤسسات المجتمع الأهلية كالعائلة والمنظمات المحلية والدولية المعنية بهذا الشأن، والرسمية منها كالمدارس والمنظمات التثقيفية التابعة للجهات التنفيذية.
ولا يُعفى الفرد من دوره الهام في هذا المجال، بمعنى على الفرد أن يطوّر قدراته الفكرية والعملية لكي يصبح عامل دفع لتطور الجماعة نحو المدنية، وبهذا ينبغي أن يسعى الفرد بجدية الى تطوير نفسه من النواحي الفكرية ولا يقتصر في ذلك على الجانب العملي فحسب، فالعمل من دون أن يرتكز الى قاعدة عملية لا يمكن أن يقود الانسان الى النجاح لذا عليه أن يبذل الجهد الكافي في مجال تثقيف الذات وتطويرها، وفي هذا المجال يقول أحد الكتاب، إنّ الإنسان المثقّف، هو إنسان اجتماعي، يعرف كيف يعيش مع المجتمع ويتعامل بإيجابية مع الآخرين، ولأهمية العلاقات الاجتماعية في الحياة، أكّدت المبادئ الاسلامية على توسيع وتعميق تلك الروابط وتنميتها بين الأقرباء والأصدقاء والجيران والناس الّذين نعيش معهم في حياتنا اليومية.
وهكذا تصب عملية التثقيف الذاتي في تطوير شخصية الانسان نفسه، بمعنى انه يكون اكثر قدرة على التعامل الصحيح والناجح مع المجتمع سواء تعلق ذلك بالعمل او بالعلاقات الاجتماعية بصورة عامة، وقد يرى بعضهم أن تطور الحياة في جوانب الاتصال وغيرها لم تعد تمنح الفرد المتسع الكافي من الوقت لكي يقيم علاقات انسانية ناجحة مع الآخرين، وربما يصح هذا الرأي الى درجة معينة، حيث كان الناس قبل تعقيدات الحياة المادية والعمل المتواصل، يجدون وقتاً كافياً للعلاقات الاجتماعية، وللضيافة وزيارة الأصدقاء والأقرباء، أمّا بعدما طرأ على الحياة من تعقيدات ومشاكل، فقد تضاءلت هذه العلاقات الحسنة، وخسر الانسان تلك الروح الاجتماعية البنّاءة... وهذا التأشير قائم على أرض الواقع بصورة دقيقة، ولا يمكن تجاوزه او القول بعدم صحته، ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن ان يكون سببا في فشل الانسان ببناء العلاقات الانسانية الدائمة لتكوين المجتمع المتمدن القادر على ممارسة حياته بصورة عصرية راقية ومتطورة.
إذاً مع الاعتراف بوجود التعقيدات الكبيرة لعالم اليوم، إلا أن هذا السبب لا ينبغي أن يكون مبررا لبقاء الانسان ضمن دائرة الذات والمنافع الفردية حصرا، لذا يجب أن تتوافر الارادة المطلوبة في تطوير الوعي الذاتي من أجل الإسهام بفاعلية في بناء المجتمع المدني الذي تسعى الجماعات والافراد نحو تحقيقه كونه ينطوي على حالات التعايش والتنوع والتفاعل المتبادل من دون أن يؤدي ذلك الى تضارب المصالح الفردية او الجماعية لاسيما داخل النسيج المجتمعي الواحد.
لذا فإن الخطوة الهامة في هذا المجال الحيوي، أي في بناء المجتمعات المدنية، هو أن يتوفر الفرد والجماعة على الوعي اللازم الذي يسهم بطرق فعالة في الوصول الى الهدف المهم ممثلا ببناء المجتمع المدني القائم على التوازن والتكافل والتنوع في عموم تفاعلات الحياة، وبهذا يكون الجميع مطالبين بتحصيل التوعية والتثقيف على نحو متواصل، على أننا يجب أن لا ننسى دور الجهات المعنية بتزويد الآخرين بما يحتاجونه في هذا المجال كالمؤسسات الدينية والثقافية وغيرها ممن تكون معنية بزيادة وعي الأفراد والجماعات على وجه العموم.