شبكة النبأ: نشأت الحياة البشرية وتأسست وتطاولت حتى وصلت الى ما وصلت إليه من تطور ورقي وذلك بتكاتف وتفاعل قطبين أساسين هما الرجل والمرأة، فهذان القطبان متداخلان في الأنشطة الفكرية والعملية على الرغم من حالات الاختلاف والتقاطع بينهما سواء من الناحية البايولوجية أو من ناحية المهام الملقاة على عاتق كل قطب منهما لادامة الحياة وتطويرها بما يحقق تواصلا مضطردا لمسيرة الانسان.
إن الاختلاف والتقاطع الذي يفصل بين الإثنين يتمثل بطبيعة الخلْق والتكوين الجسماني لكليهما على المستوى المادي، أما على المستوى الفكري فإن العاطفة غالبا ما تمثل نمطا شعوريا للمرأة يجعلها غاية في الرقة الأمر الذي يقل كثير في النمط التفكيري للرجل حيث العقل هو المتحكم به أكثر من عنصر العاطفة، وفي ضوء ذلك تراكمت خبرات الانسان وتخصص الرجل في مجالات عملية تناسب قواه وأدواره المطلوبة لتنشيط الحياة وادامتها، فيما تخصصت المرأة بأعمال تناسبها ايضا من الناحية البايولوجية والشعورية، وبرغم هذا الاختلاف بين مهمام الطرفين لكن التداخل في مهامهما كان ولا يزال وسيبقى رافدا ضروريا او حتما لمواصلة مسيرة الحياة، بكلمة أخرى أن الرجل والمرأة كلاهما يكمّل الآخر، وأن أوجه الاختلاف بينهما هي من قبيل الاختلاف بين الضوء والظلام والليل والنهار والابيض والاسود، إذ نلاحظ أن لاقيمة لأحد هذين الطرفين من دون وجود الطرف الآخر، فهل هناك فائدة للضوء الأبدي مثلا؟ وهل ثمة قيمة للظلام الدائم إذا هيمن على حياتنا؟ ولذلك يرى سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي أن المرأة تكمّل الرجل ويصحّ العكس أيضا، إذ يقول سماحته في كتابه القيّم الذي يحمل عنوان (حقوق المرأة في الاسلام):
(لاحظوا بدن الإنسان وهيكله تجدونه مديناً في حركته إلى العظام والعضلات. فلو أنّ جسم الإنسان كان كلّه عظماً لما تمكن أن يدير رأسه ولا أن يرفع يده ولا أن يمشي بل سيكون مضطراً لأن يبقى ممدداً طيلة الوقت في حالة واحدة.
كذلك إذا كان بدن الإنسان كلّه عضلات ولا عظم في جسمه، فإنّه أيضاً لا يقوى على الحركة بل سيظل كتلة ملقاة على الأرض لا يتمكن أن يجلس أو يسير لأنّ قوة العظم وشدته هي التي تحمل الإنسان وتجعله يقوى على القيام والقعود وحمل الأشياء و...
ومن ثم كان بدن الإنسان محتاجاً إلى العظم والعضل معاً ليكمل أحدهما الآخر في مهمة الحركة والقيام بأعباء الحياة.إنّ مَثل الرجل والمرأة في الحياة مَثل العظم والعضل في بدن الإنسان).
وهكذا يتطلب (جسد) الحياة تعاونا وتكاملا بين (العظم والعضل وهما ممثلان بالرجل والمرأة) وفي حال غياب أحدهما سوف يتعطل جسد الحياة قطعا، غير أن الامر الذي فرضته طبيعة الحياة نفسها على الانسان هو أن يتخصص بالادوار التي تناسب قدراته الجسدية والفكرية، بمعنى أن هنالك مهام لا ينبغي للرجل أن يقوم بها لأنها لا تناسب قدراته وينطبق الأمر ذاته على المرأة أيضا، فلا يجوز مثلا أن تزج المرأة نفسها في أعمال البناء الشاقة التي تتطلب مقدرة جسمانية كبيرة لا يستطيع وضعها الجسماني أن يوفرها من أجل تحمّل أعباء البناء الشاقة، واذا حدث ذلك وزجت المرأة نفسها في هذا المجال الشاق فإن ذلك يأتي من باب الشذوذ وليس القاعدة، لأن الاعمال الشاقة هي من حصة الرجل الذي يتوفر على قدرات عضلية كبيرة تجعله متمكنا وناجحا في اداء دوره في هذا المجال، ولكن هذا الاختلاف في الادوار لا يعني التقاطع بل الحياة تتطلب تداخل وتعاون كلا القطبين، وفي هذا الصدد يقول المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:
(إنّ الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها. فلو أنّ الحياة سُلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها، كذلك لا تستقيم الحياة لو كانت خلواً من العاطفة وكانت كلّها عقلاً).
ويضيف المرجع الشيرازي:
(ولكن ذلك لا يعني أنّ المرأة عاطفة بلا عقل، وأنّ الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أنّ المرأة كيان عاطفي تترجّح فيه كفة تأثير العاطفة خلافاً للرجل ـ في الغالب ـ فهو كيان يتغلب فيه العقل على العاطفة. ومن الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما كما تختلف واجبات العضل عن العظم. فاستقامة البدن بالعظام وحركته بالعضلات، ولو أردتَ أن تساوي بينهما فمعناه أنّك شللت البدن).
وبهذا يكون تبادل الادوار بين العقل والعاطفة بمثابة شلل للجسم البشري، وكذا الحال اذا ما تبادل الرجل والمرأة دوريهما (إلاّ إضطرارا وهي من الحالات الشاذة) فإن من شأن ذلك أن يقود الى شلل الحياة او تلكؤها في أفضل الحالات، ولعل ذلك يدخل في باب التنظيم الذي يُعدُّ عنصرا أساسيا في تطوير الحياة البشرية، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب:
(لو أردتَ أن تساوي بين المرأة والرجل في كلّ الأمور تكون كمَن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة أجهزة دقيقة. فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة على حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات استُفيد منها بالوجه الصحيح. وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فإذا استووا هلكوا) -1-.
وهكذا يمكن أن نقول باطمئنان إن الاختلاف بين أدوار الرجل والمرأة لن يشكل عقبة في مسيرة الحياة، بل التخصص وفقا للقدرات البايلوجية والشعورية لكل منهما هو الذي يُسهم بإدامة الحياة وتطويرها.
............................................................
هامش:
(1) أمالي الصدوق: 531 ح9 مجلس 68.