شبكة النبأ: "أيا ليت الشباب يعود يوما"، بهذا الشطر الشعري عقَب الشيخ فالح السوداني على نشرة الأخبار السياسية، التي اعتاد على سماعها صباح كل يوم في المقهى القريب من منزله.
ويرى السوداني وهو جد لتسعه أحفاد إن اغلب الشباب في الوقت الحالي يولون القضايا الجانبية قدر اكبر من الاهتمام على حساب القضايا المصيرية والوطنية على حد رأيه، حيث يقول، "أصبح اهتمام الكثير من الشباب هذه الأيام منصبا على المظاهر المادية، كالأزياء وتسريحات الشعر الغربية، أكثر من اهتمامهم بالثقافة والفكر والمعرفة".
ويؤكد السوداني، "في السابق كان طلبة الدراسة المتوسطة يتمتعون بالوعي أكثر بكثير مما نجده لدى بعض طلبة الكليات في الوقت الحالي".
ذروة النتاج الثقافي والفكري
ويسترسل السوداني في حديثه مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، "اذكر في فترة الستينات والسبعينات قبل أن يحكم النظام السابق قبضته على الحراك السياسي والاجتماعي، كان طلبه المراحل المتوسطة والإعدادية يتابعون شؤون البلاد عن كثب، ومختلف الأحداث التي تقع أول بأول، و كان حضورهم قوي على المشهد السياسي والاجتماعي، باعتبارهم جزء مهم من الرأي العام، فتراهم ينظمون المظاهرات ويقود الحملات الشعبية، لنقد أو دعم شؤون الدولة وقراراتها". موضحا، "على العكس من الوقت الحالي فلا نلحظ لتلك الشريحة المهمة دور يذكر".
من جهته يبدي الإعلامي لطيف القصاب والباحث في مركز المستقبل للدراسات تأييدا مطلقا لما ذهب إليه السوداني في القول، حيث يقول، "بات من المسلَمات إن جيل الشباب في فترة الخمسينيات أو الستينيات وحتى السبعينيات، يمثلون ذروة النتاج الثقافي والفكري في العراق".
ويجزم القصاب إن الأجيال السابقة قطعت أشواط كبيرة تفوقت عما تلاها، فيضيف، "إي مقارنة بين تلك الأجيال وما أعقبها لن يصب في مصلحة الجيل الحالي".
من جانب آخر يرى الدكتور احمد باهض تقي مدير مركز الفرات للدراسات والبحوث، في تلك الظاهرة الفراغ الثقافي، تنتشر في اغلب دول الوطن العربي.
فيقول، "الشباب نقاط قوة في مختلف المجتمعات، نظرا لكون تلك الشريحة الأكثر استعدادا للعطاء لما تتمتع به من مقومات، بالإضافة الى كونها تمتلك ذهنية أكثر انفتاحا، وهي أسرع في الانقياد مقارنة بالشرائح الأخرى، لكن نتيجة لطبيعة الأنظمة التي تتولى مقاليد السلطة في هذه الدول لم تجهد في استثمار تلك الطاقة بالشكل الأمثل".
ويشير تقي لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "الشباب يتحولون الى نقاط ضعف في المجتمعات وثقل على كاهل الدول عند غياب الوعي الاجتماعي والشعور بالمسؤولية".
ويضيف، "نلحظ إن الشباب العربي أصبح متأثرا بالمجتمعات الغربية وسلوكيات أفراده الشكلية فقط، بعيدا عن الجوهر الحقيقي للمنجز العلمي والثقافي في تلك البلدان المتقدمة".
الخوف من الانزلاق في مهاوي الشر
من جهتهم يعلل بعض المختصين في الشؤون الاجتماعية الانحسار السلبي للشباب في بعض القضايا الثانوية، بسبب المزاج العام في المجتمع بالإضافة الى الأوضاع السياسية والاجتماعية المؤثرة.
حيث يعزو علي الخفاجي وهو احد الشباب الناشطين في المجال الاجتماعي والثقافي في كربلاء، "إن ضعف تمثيل الشباب وقلّة مساهمتهم في معطيات الواقع السياسي الجديد في البلد نابع من أسباب عديدة أولها إن هذا الجيل لم يتخلص بعد من عقدة الخوف من الخوض في السياسة، والتي جعلها النظام السابق خطاً أحمر لا يُسمح بتجاوزه".
ويضيف الخفاجي، "هناك أسباب أخرى طفَت الى السطح بعد التغيير عام 2003 منها إن النظام السياسي، والقائم على المحاصصة من قِبل أحزاب عتيدة لم يستطع التغلغل في عقول وقلوب الشباب التي عادة ما تكون منفتحة وترفض الطائفية أو التحزّب و المحاصصة، لذلك ترى أغلبية الشباب تنظر بعين الريبة والاستياء للأداء السياسي الحالي".
أما الشاب جعفر الحلي فيعتقد في ابتعاد الشباب عن بعض الشؤون السياسية والاجتماعية مردودات ايجابية حسب رأيه فيقول، "الأسلم للشباب أن يجتنبوا الولوج في تلك القضايا، خصوصا في هذه الفترة، كون المشهد السياسي يكتنفه الكثير من الغموض، وملتبس أيضا، فيما تعتريه الكثير من التوجهات المتشددة التي كانت ولا تزال تنتهج العنف في أجندتها وأفكارها".
ويستشهد الحلي لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "للأسف لدي بعض الأصدقاء ممن سقطوا ضحايا العنف، بعد أن تأثروا بتلك الأفكار المتحجرة وغلبت عل على سلوكياتهم".
ويتابع،" أرى أنه متى ما اتخذت العملية السياسية في العراق منحى بعيداً عن التحزّب والمحاصصة فإن الشباب سيكونون أول مَن يأخذ بزمام الأمور في قيادة البلد".