شبكة النبأ: يكاد الوضع الاجتماعي والإنساني يتطابق بين العديد من الدول العربية، خصوصا التي عانت أو لا تزال تعاني من كبت الاستبداد والهيمنة والصراعات السياسية.
ودون أدنى شك أن تكون اضعف الحلقات في تلك الأوضاع هي المرأة والطفل على حد سواء، سيما أن مجتمعاتنا الشرقية بصورة عامة يسود قانون الأقوياء دائما، وهو قانون الرجل كونه بطبيعة الحال أفضل وضعا من المرأة في مختلف الأحوال.
حيث تصحو حليمة في الساعة الرابعة صباح كل يوم لاعداد الويكا التي تحملها في اوان معدنية الى مركزها المعتاد على الرصيف المقابل لمطار الخرطوم حيث تبيع هذا الطبق التقليدي الذي يدمنه السودانيون.
وترفض حليمة آدم وهي مهاجرة من بلدة كاس القريبة من مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور الافصاح عن اسم مرشحها المفضل الى الانتخابات الرئاسية لكنها بدت سعيدة لانها سجلت اسمها وحصلت على بطاقة اقتراع.
وهجر جزء من سكان بلدة كاس منذ بداية النزاع الذي اندلع في اقليم دارفور غرب السودان في 2003 ولكن حليمة رحلت مع زوجها لتعيش في حي فقير في ضواحي مدينة ام درمان المجاورة للخرطوم قبل الحرب. بحسب فرانس برس.
وتكتفي لدى سؤالها عمن ستنتخب بالقول "حانتخب اي زول" ثم تداري ابتسامتها بطرف ثوبها التقليدي الشفاف الملون الذي ترتديه النساء في مختلف انحاء السودان، ما عدا في الجنوب.
وحليمة البالغة من العمر 35 عاما، ام لسبعة ابناء وبنات اصغرهم عمره تسع سنوات يذهبون جميعا الى المدرسة. وهي، مثل نساء كثيرات في السودان، المعيلة الوحيدة لهذه العائلة الكبيرة.
ولدى سؤالها عن زوجها تكتفي بالقول "تركني ورحل"، وهي تواصل سكب الاطباق لزبائنها الذين كانوا جميعهم من الرجال. وقد تحلقوا حولها على مقاعد صغيرة في ظل شجرة نيم وهي شجرة وارفة تكثر في شوارع الخرطوم.
ويقبل كثيرون على شراء الويكا التي تعدها حليمة سواء ليأكلوها فورا على الرصيف او يحملوها لتناولها مع افراد اسرتهم. والويكا، وهي نوع من البامياء طبق اساسي على مائدة السودانيين لكن اعداده يحتاج لوقت طويل. ويصنع الطبق من البامياء المجففة التي يضاف اليها اللحم او السمك المجفف او اللبن الزبادي مع التقلية والمطيبات.
وتؤكل هذه الصلصة مع العصيدة المصنوعة من الذرة والدخن وهي نوع من الحبوب التي تنتشر زراعتها خصوصا في غرب السودان، او مع الكسرى وهي عبارة عن عجين خفيف رقيق مطبوخ مصنوع ايضا من الدخن او الذرة، شبيه بالعجين الذي تصنع منه القطايف في منطقة الشام وان كان اخف منه.
ويمكن رؤية بائعات الشاي والويكا على كل ناصية ورصيف تحت ظلال الاشجار في مختلف الفصول يقدمن الوجبات والمشروبات الساخنة للعابرين والذين يعملون بعيدا عن اسرهم باسعار بسيطة.
وهن بمعظمهن من غرب السودان وقليل منهن من النازحات من جنوب السودان واللواتي لم يعدن الى قراهن بعد توقيع اتفاق السلام الذي انهى الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب في 2005.
وليست اعالة الاطفال وحدها ما يدفع هؤلاء النساء للعمل، بل ان سلوى الطالبة الثانوية البالغة من العمر 18 عاما، تبيع الشاي والقهوة على الرصيف كل يوم جمعة للحصول على بعض المال الاضافي.
وتاتي سلوى من منطقة مايو جنوب الخرطوم، وهو حي يسكنه النازحون الذين شردتهم الحرب من جنوب البلاد او من الغرب. ولدى سؤالها ان كانت سجلت اسمها للانتخابات تكتفي بالقول "سجلوني في المدرسة لكني لا اعرف لماذا بالضبط"، لتعكس بذلك حالة الارباك لدى كثير من السودانيين الذين لم يدركوا ان عليهم ان يسجلوا اسماءهم للحصول على حق الاقتراع في الانتخابات التي بدأت الاحد في السودان.
اما سعاد البالغة من العمر 21 عاما فقد تعرفت على الرصيف حيث تبيع الشاي والقهوة منذ ثلاث سنوات، على زوجها الذي يعمل موظفا في المطار قبل سنة وانجبت منه ولدا.
ولكن هذا لم يثنها عن مواصلة عملها الذي يستغرق الكثير من وقتها وقد شغلها عن التسجيل للانتخابات التعددية الاولى في السودان منذ 24 عاما.