بتـــــاريخ : 7/29/2008 5:00:02 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1381 0


    ملف/ من داخل عيادتي (1)

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د. ليلى العويس | المصدر : saaid.net

    كلمات مفتاحية  :
    امراة

    ملف/ من داخل عيادتي (1)

    د. ليلى العويس

     
    من داخل العيادة النفسية
    د. ليلى العويس
    أخصائية اجتماعية وطبيبة نفسية

    (1)

    تكسرت النصال على
    جسدها النحيل!


    زارتني في عيادتي ذات مساء شابة في مقتبل العمر، سيطر عليها الشحوب وأعارها الدهر عصارة همومه وشروده الذهني، وكأن نصال الدنيا قد تكسرت بين ضلوعها.. يعلو جبينها الحزن الكئيب، وقد تمكن الانهيار من نفسها حتى جعلها جثة حية تمشي بين الناس، جاءت إليّ بعد أن غارت أسنان البلايا والمصائب في جسدها الرطب واخترقته حتى لامست النخاع.. في بداياتها استسلمت للواقع النفسي، وتعاملت معه كقدر محتوم.. لكنها لم تستطع أن تمتص طعنات الوجع، بعد أن تملكها الوهن، وصار ينخر في العظم وخزاً وإيلاماً.

    اشتكت من أعراض الفتور والآلام وعدم النوم والصداع وغير ذلك، لكنها كانت تدرك أن البداية انطلقت من الأثر النفسي والتراكمات والتبعات التي ترتبت على واقعها الذي لازمها أكثر من عشر سنوات.. من خلال حديثها وطريقة سردها أدركت تماماً أنها ضحية لظروف نفسية لم تجد خلالها مَنْ يقف بجانبها أو يشد أزرها، فسألتها بإلحاح شديد وطمأنتها على أن حالتها مقدور عليها وأن العلاج في متناول اليد فلا داعي إذاً للقلق واليأس فماذا قالت؟

    في الوقت الذي بدأ يزهر فيه عودي، وتبدو نضارتي ويتكون نضجي وأقبل على مرحلة الشباب، حدث خلاف بين والديّ فتم الطلاق بينهما، وتزوج أبي من فتاة في مثل سني، وتركاني في مفترق الطرق.. إما أن أعيش مع زوجة أبي التي جاءت على أنقاض أمي أو أعيش مع جدتي وجدي وكلاهما أمرُّ من الآخر، فاخترت جحيم زوجة الأب التي لم تطقني لحظة واحدة، بل كانت تفتعل المشكلات وتُظهر دموع التماسيح أمام أبي حتى حالت بيني وبينه وجعلته يضطهدني ويصدقها، ففقدت أبي بعدما فقدت حنان أمي التي تزوجت هي الأخرى وعاشت حياتها الخاصة، فعدت للسكن مع جدي محرومة من حنان الأبوين ومن عطفهما ومن الدعم المالي والمعنوي، تعثرت في دراستي حتى تركتها وصُدمت في حياتي العاطفية، حيث كنت أحلم بفتى الأحلام الذي يحملني إلى مرافئ الدفء والحنان، ويعوضني جفاف السنين، لكنني لاحظت أن أكثر من يقتربون مني هم من الذئاب البشرية، يحركهم الطمع في فريسة يعتقدون أنها سهلة، وأن افتقادها لوجود الأبوين سيسهل النيل منها.. فكانت محاولاتهم لا للزواج ولكن للاستدراج.. كتمت جراحي، وصمدت أمام محاولات النهش والنظرات الدونية والدنيئة، حتى وجدت نفسي أقرب للشبح مني إلى فتاة في سني، وزاد فوق كل ذلك الآلام التي لا تبارحني فضلاً عن الأرق والقلق والاكتئاب.. فهل يا تُرى بعد هذا يمكن أن أعود إنسانة ككل الفتيات بعد كل هذه المعاناة والحرمان؟

    لحظتها وجدت نفسي أمام مهمة صعبة، عليّ أن أقيّم حياة فتاة تركت الأيام بصماتها ليس على جسدها وحسب، بل على نفسها وعظمها ومن تسبب في ذلك ليس عدواً يمكن أن يُنسى بل هما الأبوان.
    فهل يمكن أن تنسى صنيعهما؟ لهذا كانت المهمة شاقة وصعبة.


    **
    مجلة بنات اليوم العدد (4)
     

     


     

    (2)

     
     
    * في صالة الانتظار أمام عيادتي، كانت تجلس (إيمان) منكمشة، وهي صغيرة الحجم، كانت شاردة
    بذهنها بعيداً، تدور بعينيها على كل من حولها، وبجوارها جلست أمها، وهي تحيطها بكلتا يديّها
    تحاول تغطية جسدها النحيل، وهي ترتجف وكأنها تقاوم زمهرير الشتاء القارص، جلست تبحلق بعيّنيها
    الغائرتين في سقف المكان بعد أن قامت أمها بتسجيل اسمها في كشف المرضى المنتظرين، تركز نظراتها على
    كل غاد ورائح في الصالة، وكأنها تبحث عن شخص اختفى عنها وسط الزحام.
     

    كان الارتباك يسيطر على إيمان، وكانت أمها تشفق عليها أيمت إشفاق، وعندما جاء دورها، دلفت إلى حجرة الطبيبة، بخطوات هادئة وعينين شاخصتين، ووجه شاحب، كأنها تغالب البكاء، ركزت نظراتها في وجهي، والخوف يسيطر عليها.

    * حييتها، وسألتها عن اسمها، فردت بصوت خافت: إيمان، وتحدثت إليها، مادحة إياها، متلمسة مشكلتها، ومستنطقة إياها من خلال الخوض في بعض الموضوعات التي تخصها.

    * أمها كانت تتدخل للإجابة عن بعض الأسئلة التي تسكت إيمان ولا تجيب عنها، وهذا أيضاً كاد أن يكشف لي (كاستشارية نفسية) بعض جوانب معاناة الفتاة الصغيرة، وهي في أساسها معاناة نفسية لكنّها أثّرت على صحتها البدنية.

    بدأت حالة (إيمان) منذ فترة طويلة، وتطوّرت حتى وصلت ذروتها، وهي صغيرة، لكنّها كبرت معها وتفاقمت وتزايد تأثيرها مع نمو إيمان وتطورها العمري.

    كانت الفتاة صريحة رغم خوفها وصغر سنها، وكذلك الأم لم تكن تخفي شيئاً رغم محاولتها التعتيم على بعض الجوانب، خوفاً من أن تكون سبباً فيما ما أصاب ابنتها.

    كانت إيمان ضحية، تناقض داخل البيت، فالأب قاسٍ وعنيف، وله سلوكيات مرفوضة دينياً واجتماعياً وخلقياً، والأم كانت على العكس من ذلك، لكنها كانت تداري مساوئ زوجها حفاظا على ترابط الأسرة وتماسكها.

    رأت (إيمان) وهي صغيرة، منظراً ما كان ينبغي أن تراه، ولم تكن ترد الإفصاح عنه بأي شيء من التفاصيل، وقد أثّر هذا المشهد في حياتها بقوة، بل استوطن نفسياتها.

    حاولت أن تتناسى الأمر، لكن ظل محفوراً بالذاكرة كالوشم الغائر في صفحة الوجه، وكثيراً ما كانت تشاهد أمها وهي تُضرب من أبيها لأبسط الأشياء، وتشفق على حالها وهي ترى السياط تنهال على جسدها، أو العقال يشوه وجهها، أحياناً كانت تعرف أن السبب لا يستحق، ولكن ليس بمقدورها التأثير على مجريات الأمور، وأحياناً أخرى، كان يداخلها الشك في ما يمكن أن تكون قد ارتكبته أمها من أخطاء، ونتيجة هذا التزاحم والتداخل والتناقض، تشبعت الصغيرة بروح الانفصام، وفقدت الثقة بمن حولها، وكان هذا الأمر واضحاً منذ الوهلة الأولى، أن تلك الصبية تحمل بقايا إنسان، لكن هذا الجسد النحيل كان يحترق، كثيراً لرؤية مثل تلك المشاهد.

    الخوف كان البداية الحقيقية للحالة النفسية التي عاشتها الصبية (الضحية) لم تكن تنج من ذلك الأسلوب، بل كانت تضرب لسبب بسيط، حيث انعدم أسلوب الحوار والتوجيه، وتبادل الآراء داخل الأسرة، وحل محل ذلك، العنف والضرب والإرهاب النفسي حتى وصلت (إيمان) إلى ما هي عليه.

    بعد تشخيص الحالة، ومعرفة الأسباب، لم تكن مسألة العلاج من الصعوبة بمكان، فقد باشرنا معها مراحل العلاج بشكل يبعث الطمأنينة في النفس، وبالفعل كانت الخطوات اللاحقة تسير على ذات الوتيرة، ولا أخفيكم فقد ساعدتنا والدتها كثيراً في الوصول إلى النتائج المطمئنة التي توصلنا إليها – بحمد الله – حتى تماثلت (إيمان) للشفاء التام الآن، وعادت كما كانت في بادئ الأمر فتاة صحيحة معافاة، من الناحية النفسية والبدنية.

    هكذا تدفع البراعم البريئة ثمن أخطاء الكبار من صحتها ومن عمرها ومن عقلها وبدنها، نتيجة سيادة أسلوب عقيم لإدارة شؤون الأسرة، ونتيجة غياب المفهوم الإنساني والإسلامي لصون العلاقات الأسرية، وانعدام التفاهم السليم بين أفراد الأسرة، وما حالة (إيمان) إلا صورة صغيرة لما يحدث لدى الكثيرات من أمثالها لذات الظروف وتحت ضغط نفس الأسباب.


    **
    مجلة بنات اليوم العدد (15)

     

     

    (3)

     
    حينما يأتي العنف من أحضان الأمان..
    وعادت « إيمان »..؟!



     



    أن تدخل عيادتي طفلة أو مراهقة أو أكبر من ذلك ليس شيئاً غريباً، ولكن استقبال فتاة في سن السادسة من عمرها لم يكن شيئاً معتاداً بالنسبة لي، وإن حدث ذلك في عيادتي أو في أي عيادة أخرى فإنه أمر غير مألوف، لكني أكبرت في تلك الأسرة اهتمامها بهذه الطفلة الصغيرة وعرضها على عيادة نفسية تخصصية، وهذا كان أمراً ضرورياً ومهماً للغاية.

    ذات مساء حضرت إلى عيادتي امرأة ومعها فتاتان وطفلة صغيرة، وجميعهن يلف وجوههن وجوم واندهاش وتخوف من مسمى (عيادة نفسية)، وتم تسجيل الطفلة بينما كانت أمها وأختاها مرافقات لها، بل يبدو لي أن اصطحاب أختيها كان من قبيل تطمينها وإزالة الخوف عن ذهنها وعقلها الصغير.

    وتحدثت أمها في البداية قائلة: أحلام ليست طبيعية يا دكتورة، فهي منذ مدة لا تأكل كما كانت في السابق، ولا تضحك مع أخواتها كما كانت تفعل من قبل، بل تصحو من نومها منزعجة في كثير من الأحيان، حتى إذا نامت تداهمها الكوابيس بشكل كثيف ومخيف، وركزت الأم في حديثها عن أعراض أحلام، دون أن تتطرق إلى الأسباب أو الأجواء التي تحيط بهذه البنت الصغيرة التي لا تعرف من أمور الحياة إلا ما تأخذه من أهلها وأخواتها الأكبر.

    بالفعل كانت حالة أحلام تستدعي عرضها على أخصائي نفسي، حيث تعرضت لصدمة نفسية عنيفة، أثرت على سلوكها، بل حدث لها نوع من الرهبة والخوف المستمر من كل ما حولها، وهذه الحالة من الخطورة بحيث يمكن أن تقود إلى مضاعفات لا يحمد عقباها؛ لأنها كانت في وضع سيئ بل وصلت إلى مرحلة متدهورة.

    بعد أن استمعت إلى حديث الأم المرير الذي يفيض حسرة وإشفاقاً على صغيرتها (أحلام) التفت إليها بحنان وضممتها إلي وحاولت أن أبني معها جسوراً من المودة والحب وقدمت لها بعض الهدايا، وطمأنتها بأنها بخير وليس بها ما يقلق، على أمل أن تزورني في اليوم التالي، وبالفعل أتت هذه المرة مع أمها فقط، حيث لم تكن بحاجة مرافقة أختيها كالمرة السابقة، وهذا أعطاني أملاً مشرعاً لإمكانية الوصول معها إلي نتيجة مبشرة، فمازحتها وآنستها بما يناسبها من الحوار والأمور التي تستهوي الأطفال، حتى اكتسبت صداقتها.

    تدريجياً دخلت معها في لب الموضوع، بماذا تفكر ومما تخاف؟ وماذا جرى لها قبل أن تحدث لها هذه الحالة؟ وكانت الحصيلة أن أحلام شاهدت ذات ليلة، وهي مستيقظة من النوم مفزوعة، أباها يضرب أمها ضرباً مبرحاً والأم تصرخ، ولم تصدق ناظريها واعتقدت أنها في منام، لكنها تأكدت من أنها لا تحلم، بل أمام حقيقة واقعية، الصدمة التي تعرضت لها (أحلام) تتمثل في أنها رأت من تحتمي به، في البيت الحاضن للأمان والحنان والرقة والرحمة والأبوة الحانية، مشهداً يتناقض تماماً مع تلك القيم ويتقاطع معها تماماً، فوجئت بأبيها حامي حمى الدار ينهال ضرباً على أمها منبع الحنان والعطف التي رضعت من ثدييها كل القيم والعواطف والمشاعر الطيبة التي تبني الأسرة وتقوي وشائج أفرادها.

    هكذا كانت الصدمة عنيفة، والنتائج أشد عنفاً، حيث تحولت الصغيرة بعد ذلك المشهد إلى طفلة عنيدة ومعقدة وعدوانية وخائفة طوال الوقت، فكيف لا تخاف وهي ترى العنف ينطلق من مأمنه من مصدر الأمان والسلام والحماية؟!!.

    تواصلت (أحلام) معنا في العيادة، لفترة ليست طويلة، تلقت فيها جرعات تصاعدية في اتجاه محاولة إعادة توازنها النفسي، وكانت مستجيبة لكل الجلسات، بل متفاعلة بعد أن اطمأنت وعرفت الكثير من الحقائق عن البشر الذين من طبعهم الخطأ، وأن الإنسان معرض لهذه الأشياء، وأنه يتوب إلى الله فيجد المغفرة والعفو، كما أن علاقة والديها بها اتسمت بشيء من الحب والتسامح والمعاملة الطيبة، وقد استفادت الأسرة بكاملها من هذه الحادثة واستطاعت أن تتعامل بمثالية عالية، خصوصاً الأبوين اللذين كانا يشعران بالذنب تجاه ما حدث، وبعد فترة قليلة عادت (أحلام) إلى طبيعتها، وكنت أسأل عنها بين الحين والآخر حتى اطمأننت عليها تماماً وصارت سليمة كما كانت من قبل.

    **
    مجلة بنات اليوم العدد (12)
     



    (4)


    سامية ضحية
    التخمينات !!



    لم تكن (سامية) مريضة نفسياً كما كان يعتقد أفراد أسرتها للوهلة الأولى، لكنها بسبب سوء التشخيص وكثرة الأدوية والمضادات التي تناولتها واستفحال الحمى عليها تأثر المخ بذلك، وأدى الأمر إلى نتائج سلبية جعلتها خائفة ومضطربة نفسياً، وفي وضع تم تصنيفها بموجبه، كحالة مرضية نفسياً، هكذا قالت والدة الطفلة سامية ذات الثلاثة عشر ربيعاً، والوجه الوضاء المتلألئ كأنه انتزع من جبين القمر، وذات الطرف الذابل، والعينين الغائرتين، والفم المتلعثم، دخلت إلي عيادتي هزيلة الجسد مكسورة النفس، خائرة الأطراف، غرس المرض أنيابه في جسمها الناعم النحيف، فغدت أشبه بشبح إنسان.

    بعد أن فت المرض والتدهور النفسي في عضد الطفلة البريئة (سامية) تم تحويلها إلى قسم الأمراض النفسية في المستشفى، فباشرت حالتها بنفسي، ووجدت جسداً نحيلاً وقوى خائرة وأسناناً تكاد تبرز من بين الفكين، من قلة تناول الطعام، ووجدتني أمام فتاة صغيرة تمتلئ براءة وحلماً وأملاً، ورجاءً.. لكن الخوف تملكها خلال المرحلة السابقة، وقد خطف منها ابتسامة البراءة ونور العينين، وجمال الطفولة، فعلمت من خلال سرد أمها لقصتها أنها تعرضت إلى حمى تم إهمالها، حيث عولجت بمسكنات ومهدئات، قبل أن يتم تشخيصها بشكل سليم، وعندما تأثر المخ والأعصاب بتلك الحمى التي كانت تسري في جميع أجزاء جسدها النحيل، وأنواع العلاج المختلفة وربما المتضاربة، عرضت على طبيب شرعي باعتبارها مريضة نفسياً، وخضعت لجلسات من العلاج بالقرآن، حيث تعرضت للضرب، ورُقِيَ لها في محاولة لإخراج الجن المزعوم منها دون أن تكون هناك نتائج مباشرة.. ونقلت من مستشفى إلى آخر، وتناولت كميات كبيرة من العلاج تراكم مفعولها وتداخل أثرها، وكل هذا ونفس سامية تضيق بالألم وجسدها يضيق بالأدوية المتضادة والتفاعلات المختلفة، والآثار الجانبية التي لا يشعر بها أحد غيرها.

    جُلَّ الذين من حولها من الأهل والأقارب وبعض من باشروا علاجها كانوا يعتقدون أنها تعرضت إلى مس أو شيء من هذا القبيل، خصوصاً عند اشتداد الحمى عليها، وفي لحظة كانت ترقد بمفردها سمعت مواء قط فنهضت تركض باكية تبحث عن أمها بصورة هستيرية مخيفة.

    كانت تعيش كابوساً مرعباً بسبب ارتفاع حرارة جسمها، ولكن حركة العينين والبكاء المتواصل وتوهم أن القط يطاردها تخيله أهلها نوعاً من المس أو الجنون، وكان ذلك سبب التخبط في أساليب العلاج، وتأخر تشخيص حالتها بطريقة علمية صحية كما ينبغي.

    صحيح أن المرحلة التي وصلت إليها (سامية) عند زيارتها لعيادتي كانت حالة نفسية.. لكنها لم تكن الأساس في المرض، ولم تكن الحالة التي ظهرت عليها منذ اللحظات الأولى، بل أصابها الخلل النفسي من جراء التعامل الغريب معها من قِبل الأهل ومن بعض الأطباء وشيوخ التداوي بالقرآن الذين لم يشخصوا حالتها جيداً، تفهمت حالتها جيداً بعد أن عرفت خلفيتها المرضية وظلت تتلقى العلاج البدني إلى جانب جلسات لعلاج الحالة النفسية، ولم أخف على (سامية) ما تعرضت له من مرض وضغوط وخطأ في التشخيص، وضرب وأثر ذلك على صحتها إنما قصصت عليها كل المراحل التي مرت بها وأقنعتها بأنها تتمتع بصحة جيدة، واستمرت تتابع العلاج معنا في عيادتنا بالمستشفى، واستجابت للعلاج بشكل جيد، وظلت حالتها تتحسن باستمرار، وخلال أيام قليلة استعادت (سامية) طبيعتها وغادرت المستشفى وهي في تمام الصحة والعافية.

    هذه الحالة لم تكن الوحيدة التي ترد إلى عيادتي ثم تتماثل إلى الشفاء في وقت وجيز، ولكنها من الحالات النادرة التي لم تكن في بدايتها نفسية، بل تحولت إلى ذلك بفعل عوامل اشتركت فيها عدة جهات؛ فاستجابت حالتها إلى هذا التحول مما جعلها تحل ضيفة لدينا طيلة فترة العلاج، لكن ما أعجبني في الصغيرة (سامية) أنها كانت واقعية، فبعد أن أدركت ملابسات ما جرى لها بوعي تام، لم تتأثر نفسياً بما مضى، بل صارت تعيش يومها دون أن تنشغل بما حدث لها، كما أنها استوعبت نصائحي وتقريري حولها جيداً، وهذا –بالطبع- ساعدها على تجاوز تلك المرحلة وجعلها تعيش حياتها الطبيعية بكل حيوية ومعنويات عالية، كأن شيئاً لم يحدث.

    **
    مجلة بنات اليوم العدد (11)
     

    ملف/ من داخل عيادتي (2)

    تحرير: حورية الدعوة
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

     

    كلمات مفتاحية  :
    امراة

    تعليقات الزوار ()