افتقدت حضنك الذي ترويه الحكايات والقصص، والذي حدثتني عنه الصديقات والقريبات.. ذلك الحضن الذي لمست حرارة دفئه من خلال قصص وبرامج الأطفال التي كنت أشاهدها بشغف عبر شاشة التلفاز، ولكني أبداً لم أعشها ولم ألمسها كواقع في حياتي.. هل كان حضنك بارداً.. دافئاً؟..
حقيقة لم أعرف مقدار حرارته، لأني لم ألمسه فكيف أعرفه؟! لكنه لو كان دافئاً لناداني إليه ولكان قلبي طار في أرجاء البيت وحط فيه، لخرج من أحلام يقظته التي غاب فيها مطولاً...
كم حلمت بأمهات صديقاتي أن يكن هن أمي.. كم تمنيت أن أكون ابنة لأم طفل كرتوني...
تمنيت أن أبكي في حجرك لا أن أبكي منك، أمي لماذا أنت قاسية علي؟ أين الحنان الذي يروى عن الأم؟ لماذا لم أجده عندك؟ والآن بعد أن كبرت ومضت السنون واعتدت أن لا أجد مكاناً في حجرك تلوميني على الجفاء الذي بيننا وتسأليني عن الحب، عن المشاعر!.. فاقد الشيء لا يعطيه، لك عندي حق البر الذي أمرني الله به والطاعة وهو ما أملك، ولكن عن المشاعر لا تسأليني فهي ما لا أملك..
لم أنهل منها حتى أمنحها فسامحيني أنت السبب...
للأسف كثرت في الآونة الأخيرة الخلافات والجفاء بين الفتاة وأمها وكبرت الفجوة بينهما وغالباً ما تتضح هذه المشكلة بين البنت الكبرى وأمها، وخضعت هذه الحالة لتفسيرات عدة إلا أن المشكلة ما زالت قائمة وتحصل في كثير من البيوت معاناة الفتيات تروينها عبر موقع لها أون لاين..
مشكلتي أمي!
تقول "ن.ع": مشكلتي هي أمي؛ إنها لا تطيق أن تراني سعيدة، عندما تتصل بي إحدى صديقاتي لطلبي تخبرها أني غير موجودة أو مشغولة، لا تريديني أن أهتم بمظهري، تنتقد كل تصرفاتي، ولا يعجبها أن يثني علي أحد، وترد عليه بأنه مخطئ في تقييمه لي.
أحاول أن أتقرب لها بمشاعري، لكنها تهرب مني، ودائماً تعيّرني بأني غير جميلة، وأني لم أتزوج إلى الآن وأني قد لا أتزوج.
أمي تهوى تشويه سمعتي!!
حائرة وهي تروي مشكلتها تقول"س.ن": تتعمد أمي أن تصفني بأسوأ الصفات أمام الناس، وتسعى إلى إحراجي، خاصة أمام من يحبني ويحترمني؛ فكثيراً ما تتحدث إلى صديقاتي عن عيوبي، وأحياناً عن أشياء غير موجودة بي، لكنها مقتنعة بأنها من صفاتي، وكثيراً ما آذتني الكلمات التي أسمعها من صديقاتي وهن يروين لي الشتائم والصفات التي تنعتني بها أمي، وكل ذلك قابلته بالصبر، لكن الذي لم أستطع تحمله أني اكتشفت بالصدفة أنها كانت تتعمد الخروج مع خطيبي من غير علمي للتحدث له عني ونعتي أمامه بكل ما يسيء إلي ويؤثر على علاقتنا.
كان جسدي مسرحاً لضرباتها!
"ع.ب" تحدثت بلسان أخوتها عن المعاناة التي عشنها تقول: كانت قاسية.. أشعر تجاهها بالخوف أكثر من الحب، هكذا حتى طغى الخوف على الحب تماماً، كان الضرب وبشدة وسيلتها الوحيدة للتربية والإقناع وكان وحده أسلوبها في الحوار، وكانت لديها قدرة عجيبة على تحويل أي أداة موجودة في البيت إلى أداة عقاب!
كبرنا وكبرت عقدنا معنا.. وعندما صرنا نستطيع أن نسألها عن سبب قسوتها كان ردها غير مقنع لنا، أجابتنا بأنها كانت تربينا وأنها كانت تريدنا أن نكون أحسن الناس، فهل هكذا يجب أن تكون التربية؟!
وهل كنا سنغدو فتيات سيئات لولا تلك الضربات، التي لا يزال الكثير منها محفوراً على أجسادنا حتى الآن، تاركاً ذكرى لم يستطع أن يمحوها الجسد حتى تنساها النفس.
أمي تغار مني وإن لم تصدقوني!
قالتها بحزن: نعم هكذا كان تحليل كل من يرى تصرفاتها معي.. رغم أنها أمي إلا أنها دائماً تقارن جمالها بجمالي، وتجلب لي صورها حتى أنها أرت خطيبي صورها وهي صغيرة لتريه الفرق بيني وبينها، وإن امتدحت إحداهن جمالي ذكرتها بما كانت عليه من الجمال الذي لم تنجب مثيلاً له، وكل ذلك كان بالنسبة لي أمراً عادياً، بل إني كنت أحرص على إشعارها بأني أتمنى أن أمتلك جمالاً كجمالها، ولكن المشكلة بدأت تكبر وتؤثر على علاقاتي مع أبي، فهي ترفض أن أتحدث إليه، أو أجلس معه، أو أرافقه في زيارة لأحد من أقربائنا، ويغضبها مدحه لي حتى أني وأبي صرنا نتجنب المزاح سوياً أمامها خوفاً على مشاعرها، ولكني لا أرى أن هذا الأمر طبيعي.
كان ذلك لأهرب منها
تتعجب "غ.م" من الأسلوب الذي كانت تنتهجه أمها معها ومع أخواتها تقول: اخترت الزواج من رجل مسن هرباً من أمي التي كانت تظلمنا.. تضربنا حتى تدمينا، ثم تطردنا خارج المنزل أنا وأخواتي ونحن فتيات مراهقات فأين نذهب؟!.. كنا نخاف على أنفسنا من الضياع.. لذلك قررت أن أتزوج بأول رجل يدق بابي هرباً من الحياة التي أعيشها ورغبة في المحافظة على نفسي وكذلك فعلت أخواتي، واضطررت للزواج برجل يكبرني بـ35 عاماً دون اقتناع به للتخلص من ظلم أمي..
لأني أشبه أبي.. فقط هذا ذنبي!!
تروي "ت.ع" مشكلتها التي عانت ومازالت تعاني منها الكثير تقول: شربت مشاكلهما مع الحليب، وأكلت الهم مع الوجبات التي كانا يقدمانها لي، لا أذكر كم من الليالي التي استيقظت فيها على صوت شجارهما وقد سكن الخوف ضلوعي.
السكينة.. المأوى.. الأمان.. كلمات مبهمة بالنسبة لي، لم أعرف معناها قط، كنت وأخوتي ننتظر مع كل مطلع شمس أن يأتينا قرار انفصالهما، ونعد أنفسنا للتكيف مع ظروف الحياة الجديدة، ولا أخفيكم أننا أحياناً كنا نتمنى أن يحصل ذلك لنرتاح من المشاجرات والحروب الدائرة في البيت، هذا عدا أنهما يحملانا السبب وراء اضطرارهما في الاستمرار في العيش سوياً.
ومشكلتي كانت بين أخوتي أصعب؛ لأني كنت أشبه أبي وهذا كان كفيلاً لأنال سخط أمي، التي كلما نظرت إلي يتجسد لها وجه أبي فيَّ فتزداد عصبيتها وتصرفاتها قسوة معي، بل إن شبهي به جعلها تشعر أن تصرفاتي كتصرفاته، وطباعي كطباعه وأهمس في أذنكم إذ أقول إني أتمنى أن يكون لدي شيء من طباع أبي الذي أحمل له كل تقدير وإعجاب.
الفتاة البكر
وتحكي "ح.ف" عن أسباب الخلاف بينها وبين أمها تقول: إنني أكبر أخوتي، وأنا الفتاة البكر، وحولي يتحلّق أخوتي الشباب والفتيات، يحبونني وأحبهم، تزوجت صغيرة وكان بيتي مفتوحاً لهم يأتوني كلما شاءوا بهمومهم وقصصهم، يفضون إلي بأسرارهم، نسهر سوياً نضحك نمزح وأسمع لشكواهم، وأسدي لهم النصيحة، فأنا أختهم الكبرى أحاول جهدي أن أساعدهم لا أنكر أنهم منحوني وربما أنا أخذت دور الأم الحنون التي تفتح قلبها وبيتها لهم، وفي أي وقت يشاءون، وربما استطعت أن أفهمهم أكثر من أمي نتيجة تقارب العمر بيني وبينهم، وقد يقضون وقتاً عندي أكثر مما يقضونه عندها.
هذه الأشياء كلها أزّمت العلاقة بيني وبينها، أنا لا أنكر أنها محقة في مشاعرها ولكني أيضاً أٌقوم بممارسة دور الأخت الكبرى الحنون على أخوتها.
صور هذا العنف
ما عرضناه في هذا التحقيق بعض المشاكل التي وردتنا، وأكثر ما لفت نظرنا هو شكوى الفتيات من العنف الممارس ضدهن، وممن؟!.. من تلك التي من المفترض أن تكون أرحم الناس بهن وأحن خلق الله عليهن..
ظاهرة العنف الأسري واقعة في كل المجتمعات سواء العربية أو الأجنبية، إلا أن الفرق بيننا وبينهم هو أن المجتمع الغربي يعترف بوجود هذه المشكلة، بعكس المجتمعات العربية التي تعتبرها من الخصوصيات، بل من الأمور المحظور تناولها حتى مع أقرب الناس، إذ أن مجتمعاتنا متداخلة ومترابطة، ومثل هذه المشكلات لا يمكن طرحها على بساط الحوار.
صور مؤلمة مصادرها إما من الأب أو الأم.. الاعتداء بالضرب بالخيزران والحزام أو بالعقال أو بسلك التلفون أو بالرفس بالرجل أو باللكمات أو الربط بالحبل على اليدين والرجلين والرمي في مخزن مخيف أو غرز الإبر على جسـم الطفل أو كسور في عظام الرأس والأنف والوجه وسائر الجسم أو آثار حروق في جسم الطفل من النار أو إطفاء السجائر أو المكوي أو آثار سلك كهربائي، أو قطع أو تشوه متعمد في لحمة الأذن أو التوبيخ والتهديد بألفاظ قاسية، أو إلقاء أنواع من المواد الحادة والصلبة على أجسادهم، وأمور أخرى كثيرة..
لماذا.. وما هو السبب؟!
يشير علماء الاجتماع إلى أن أسباب العنف الأسري نابعة من أثر عميق سواء حدث في الماضي أو الحاضر.
والأسباب ذات الجذور القديمة تكون نابعة من مشكلات سابقة أو عنف سابق سواء من قبل الآباء أو أحد أفراد العائلة، أما الأثر الحاضر فتكون جذوره مشكلة حالية، على سبيل المثال خلاف الأم مع زوجها، قد يدفعها إلى ممارسة العنف على أولادها، وبالتالي فإن الشخص الذي ينحدر من أسرة مارس أحد أفرادها العنف عليه، ففي أغلب الأحيان أنه سيمارس الدور نفسه، لذا من الضروري معرفة شكل علاقة الأم المعتدية على أولادها بوالدتها في صغرها، وفي الغالب تكون تعرضت هي نفسها للعنف، لذا فبالنسبة لها تعتقد أن ما تقوم به من عنف تجاه أولادها هو أمر عادي كونه مورس عليها ومن حقها اليوم أن تفعل الشيء نفسه رغم معاناتها منه سابقاً.
إن الوالدين الفاقدين للحنان والحب منذ الصغر غير قادرين على إمداد الحنان والرعاية لأطفالهما.
وفي بعض الحالات ينصب عنف الأم على ابنة محددة؛ نتيجة تدليل الأب أو الحماة لها أو تشبيهها بهم، وطبعاً هذا يكون مع تردي العلاقة مع الزوج أو الحماة، ومن جهة أخرى تحفز غيرة الأم من ابنتها ممارسة العنف ضدها، فهناك أم تغار من نجاح ابنتها وتفوقها بالدراسة، لذا تلجأ إلى أساليب كثيرة كي تعيق تفوقها، أو تغار من جمال ابنتها، فتفتعل معها المشكلات وتضربها لدرجة الأذى كي تشوّه جمالها.
كما يرى البعض أن المشكلة تكمن في عدم وعي الأمهات لمتطلبات المراحل العمرية للأبناء والتي تتغير باستمرار، وبمدى أهمية توفير العاطفة قبل المادة للأولاد. وهذه الحالة تدفع الفتيات خاصة إلى البحث عن بديل يمدها بالعاطفة والحنان الذي تحتاجه، مما يؤدي إلى غيرة الأم، من هنا يبدأ الشرخ في العلاقة بين الأم وابنتها.
وللحديث صلة