لغة الجسد
لنتذكر دائماً أن كل ما يقوم به الجسد من عمليات حيوية وما يقوم به الدماغ من عمليات فكرية ليست عمليات منفصلة، بل عملية واحدة منسجمة متصلة...
كل عمل حيوي في جسدك يؤثر على فكرك، وكل شيء نفسي في فكرك يؤثر على جسدك...
يمكن أن تقول أن الجسد هو الحالة الصلبة من الطاقة، والفكر هو الحالة السائلة من الطاقة نفسها...
فإذاً، لا تعتقد أن ما تؤديه بجسدك سيبقى أداءً جسدياً فحسب... لا بل يمكنه أيضاً أن يطوّرك فكرياً وروحياً... أو يدمّرك إذا أسأتَ استعماله.
لذلك كل عمل عبادة... والجسد بداية وفيه موت وولادة...
الجسد يفكر....
عندما تتعاطى الكحول أو المخدرات مثلاً، ماذا سيحصل للفكر؟؟ سيتأثر طبعاً، مع أن الكحول يؤخذ عن طريق الجسد لا عن طريق الفكر.
الفكر يتجسد....
عندما تفكر بالجنس مثلاً، وهذا يتم عن طريق الفكر... فماذا سيحدث للجسد؟؟ سيتأثر ويبدأ بالاستعداد!
كان هناك نظرية وضعها بعض العلماء في بداية القرن العشرين، وهي تبدو سخيفة جداً وغير منطقية، لكن بطريقة ما فيها شيء من الصحة:
في العادة نقول أن الإنسان يخاف، لذلك يهرب ويركض من الفزع.
وأنه يغضب، لذلك تحمرّ عيناه ويضرب عدوه.
لكن النظرية قالت العكس هو الصحيح:
الإنسان يركض هارباً، لذلك يشعر بالخوف!
ولأن عيناه تحمرّ ويضرب عدوه، تراه يشعر بالغضب!!
هذه النظرية تعاكس المألوف تماماً، وقد أثبتوا وجهة نظرهم بسؤال بسيط:
هل هناك أي حالة غضب حقيقي دون احمرار للعينين وتوتر في الجسد، والإنسان غاضب في الفكر فقط؟ لا تسمح لجسدك بتجسيد غضبك وستجد أنك لن تغضب أبداً...
في اليابان كان الناس يعلّمون أطفالهم طريقة بسيطة لتمالك الغضب:
عندما تشعر بالغضب في أي وقت لا تفعل أي شيء تجاه الغضب، بل فقط خذ أنفاساً عميقة من أعماق رئتيك... جرّبها وستجد أنه لم يعد للغضب أي سبيل إليك... لماذا؟؟؟
لأنك أخذتَ أنفاساً عميقة، لم يستطع الغضب أن يتجسد انفعالاً على جسدك ولا أن يرسم انطباعاً في فكرك... وذلك لسببين:
السبب الأول: أنك بدأت إرادياً بأخذ أنفاس عميقة... والغضب يحتاج إلى إيقاع ونمط محدد أو عشوائي من التنفس السطحي، أي يحتاج إلى بيئة معينة تساعده على أن يظهر للخارج وأنت لم تمكّنه من ذلك بتغيير أسلوب تنفّسك.
السبب الثاني: أن الفكر انتقل من الغضب إلى التنفس.. أي أصبح مركزاً الآن على التنفس ونسيَ الغضب، وتحوّل مسار طاقتك من الغضب إلى التنفس..
لهذا نجد أن اليابانيين من أكثر الناس تحكماً بأنفسهم... لأنهم يتدربون على ذلك منذ الطفولة، لكن هذا زال تدريجياً لأن اليابانيين أصبحوا أقل تمسكاً بهذه التقليد الثمين، وأثرت عليهم الحضارة الغربية.
حدث مرةً أن رجلاً يابانياً تعرض لحادث سيارة صدمته، فوقع على الأرض.. لكن هذا الرجل بعد سقوطه، نهض ثم شكر قائد السيارة وغادر!
في اليابان ليس من الصعب أن يحدث هذا... لقد فهم الرجل شعوره وحوّله من غضب ورغبة بالانتقام إلى شكر عميق وحب للسلام.... بمجرد أن أخذ أنفاساً عميقة، فتغيّرت نظرته للموقف وطريقة تعامله مع الحادث...
وأنت أيضاً تستطيع أن تفعل ذلك، حتى أنك تستطيع أن تشكر جارك على رمي نفاياته على باب دارك... وتقول للمعتدي قبل أن يعتدي... أهلاً بأخي وقاتلي...
العمليات الجسدية والنفسية ليست منفصلة عن بعضها... بل وحدة واحدة متكاملة ومتناسقة... تستطيع البدء من أي جهة لتغيير وتطوير الجهة الثانية...
لننتبه دائماً على أفكارنا وقراراتنا، ولنكن على وعي بحقيقة ذواتنا...
ولنتذكر دائماً أن الله لن يغيّرنا حتى نغيّر ما بأنفسنا... ونغيّر نظرتنا ونضع النور في كل الأمور.