الأصوات الانفجارية في قصيدة - رسائل وجد - للدكتور عمر هزاع
عمر هزاع والأصوات الانفجارية
تتكون الأصوات الانفجارية بأن يحبس مجرى الصوت الخارج من الرئتين حبسا تاما في موضع من المواضع وينتج عن هذا الحبس أو أو الوقف أن يضغط الهواء ثم يطلق سراح المجرى الهوائي فجأة فيندفع الهواء محدثا صوتا انفجاريا وهذه الأصوات باعتبار الحبس والوقف يمكن تسميتها بالوقفات ولكنها باعتبار الحبس أو الوقف يمكن تسميتها بالوقفات ولكنها باعتبار الانفجار تسمى الأصوات الانفجارية وبأخذ الخاصيتين في الحسبان يطلق عليها علماء الصوت ( الوقفات الانفجارية ) والمواضع التي يقف فيها مجرى الهواء وقفا تاما عند إحداث الأصوات الوقفات الانفجارية في اللغة العربية هي :
1 – الشفتان وذلك بأن تنطبقا تماما كما في حالة ( الباء )
2 – أصول الثنايا العليا ومقدمة اللثة وذلك بأن يلتقي بها طرف اللسان وذلك في حالة التاء والظاء والضاد
3- أقصى الحنك بأن يلتقي به أقصى اللسان كما في حالة ( الكاف )
4- أدنى الحلق بما في ذلك اللهاة بأن يلتقي به أقصى اللسان وذلك في ( القاف الفصيحة )
5- الحنجرة وذلك في همزة القطع
إذن فهي ثمانية أصوات ( الباء – التاء – الدال – الطاء – الضاد – الكاف – القاف – الهمزة )
أولا الباء : عند النطق بالباء يقف الهواء الصادر من الرئتين وقوفا تاما عند الشفتين إذ تنطبق هاتان الشفتان انطباقا كاملا ويضغط الهواء مدة قصيرة من الزمن ثم تنفرج الشفتان فيندفع الهواء فجأة من الفم محثا صوتا انفجاريا ويتذبذب الوتران الصوتيان في أثناء النطق
ثانيا التاء : يقف الهواء وقوفا تاما حال النطق بالتاء عند نقطة التقاء طرف اللسان بأصول الثنايا العليا ومقدم اللثة ويضغط الهواء مدة من الزمن ثم ينفصل اللسان فجأة تاركا نقطة الالتقاء فيحدث صوتا انفجاريا ولا تتذبذب الأوتار الصوتية حال النطق بالتاء
ثالثا الدال : وصوت الدال هو النظير المجهور للتاء وليس بينهما من فرق إلا أن الوترين الصوتيين يتذبذبان مع الدال أثناء النطق
رابعا الطاء : صوت الطاء هو النظير المفخم للتاء فشكل اللسان مع التاء غير شكل اللسان مع الطاء ففي حالة النطق بالطاء يرتفع مؤخر اللسان نحو أقصى الحنك ويتأخر قليلا نحو الجدار الخلفي للحلق ويرى البعض أنه في حال النطق بالطاء يكون اللسان مقعرا أي يرتفع أقصاه وطرفه ويكون الوسط مقعرا وهذا هو المقصود بالإطباق عند علماء اللغة العربية فهو صوت مطبق مفخم وليست كذلك التاء فهي صوت مرقق
خامسا الضاد : وهي النظير المجهور للطاء فلا فرق بينهما إلا أن الطاء صوت مهموس والضاد صوت مجهور – والفرق بين المهموس والمجهور أن المهموس لا يلامس أثناء خروجه الهواء الوتران الصوتيان والمجهور يلامس فيه الهواء الوتران الصوتيان – ولا فرق بين الضاد والدال إلا أن الضاد مطبق مفخم والدال لا إطباق فيه
سادسا الكاف : يتكون هذا الصوت برفع أقصى اللسان تجاه أقصى الحنك الأعلى والتصاقه به ليسد مجرى الهواء من الأنف ويضغط هذا الهواء لمدة قصيرة من الزمن ثم يطلق سراح المجرى الهوائي فيحدث انفجارا مفاجئا ولا يتذبذب الوتران الصوتيان حال النطق به فالكاف إذن صوت حنكي قَصِيّ وقة انفجارية مهموس
سابعا القاف : يتم نطق هذا الصوت برفع أقصى اللسان حتى يلتقي باللهاة ويلتصق بها فيقف الهواء مع عدم السماح له بالمرور من الأنف وبعد ضغط الهواء مدة من الزمن يطلق سراح مجرى الهواء بأن يخفض أقصى اللسان فجأة فيندفع الهواء محدثا صوتا انفجاريا ولا يتذبذب الوتران الصوتيان عند النطق به فالقاف صوت لهوي وقفة انفجارية مهموس
ثامنا الهمزة : تسد الفتحة الموجودة بين الوترين الصوتيين حال النطق بها بهمزة القطع وذلك بانطباق الوترين انطباقا تاما فلا يسمح للهواء بالمرور من الحنجرة ثم ينفرج الوتران فيخرج الهواء فجأة محدثا صوتا انفجاريا فالهمزة صوت حنجري وقفة انفجارية لا هو بالمهموس ولا هو بالمجهور
وبعيدا عن الخلاف بين علماء الصوت وتشعب آرائهم في تداخل الحروف مع تنوع اللهجات واللغات ودون الدخول في المطلحات التي يطول شرحها من حيث ( الكشكشة – الطوطوة – والتشتشة – الشنشنة – العنعنة – العجعجة – الطمطمة – اللخلخة – الأهأهة – الصوصوة – الزوزوة – الظوظوة – الصوصوة – الكوكوة – الجوجوة – الثوثوة – الفوفوة – اليجيجة ) وما إلى ذلك من مصطلحات صوتية قد تشتت المتلقي أكثر مما تفيده ...
فعلينا أن نعلم أن للأداء الصوت مصدران :
الأول : محاكاة لصوت الطبيعة
الثاني : كونه ممرا آمنا للحالة الشعورية التي يمكن أن يمر بها الناطق بالصوت ...
وفي قراءتي هذه سوف أعمد إلى المصدر الثاني وكيفية تطبيقه على الأبيات الربعة الأولى من قصيدة ( رسائل وجد ) للشاعر الدكتور ( عمر هزاع ) ...
أقول في مدخل ( علم النفس الصوتي ) الذي أسعى إلى تقعيده وأعكف عليه عكوف العابد الراهب حتى يخرج من تحت يدي محمودا يحقق منه الفائدة بمشيئة الله ... إن الممر الصوتي إنما هو أنبوب مرور الحدث الانفعالي للناطق بالصوت ...
ولأوضح الأمر بمثال : لو تخيلنا أننا أتينا بفتاة في سن المراهقة وشاب في ذات السن ولطمنا كلا منهما لطمة وجيعة وانطلق كل منهما للتعبير عن ألمه الناتج عن اللطمة نجد الفتاة سوف تحدث صوتا انفجاريا ممثلا في (الهمزة) الناتجة عن الأنين ومن ثم فقد استطاعت أن تجسد حالتها النفسية في صوت ضعيف ليعبر عن حالة الانهيار والاستسلام النفسي اللتان أصابتاها ولكن الشاب سيحدث صوتا آخر ممثلا في ( العين ) ليعلن عن حالة الثورة العارمة التي أصابته ولو قارنا بين الصوتين للتعبير عن حالة الألم وجربنا تخريج الصوتين بأنفسنا لوجدنا بونا شاسعا بينهما مع أن الحالة النفسية كانت واحدة وهي الرغبة في التعبير عن حالة السخط والألم الناجمة عن اللطمة التي لطمناها لكل منهما ...
ومن هنا كان المنطلق في دراسة الحالة النفسية للشاعر من خلال الجانب الصوتي وتفضيله حروفا بعينها دون الأخرى عند اختيار اللفظ وهذا المر تحدده عوامل كثيرة منها اتساع المعجم اللغوي للشاعر ومدى درايته بعلم الأصوات فلا تتسنى هذه الدراسة على كل الشعراء فما يصلح للتطبيق على شعر ( عمر هزاع ) لا يصلح للتطبيق على آخرين من الشعراء ومن هنا تأتي فطنة الناقد في الوقوف على إمكانات الشاعر وروافده المعرفية قبل إطلاق حكمه وتطبيق قواعده ونظرياته فربما يستنبط الناقد نظرية نقدية غاية في العبقرية ولكنه عند اختيار الشاعر المراد تطبيقها عليها لا تتلبس النظرية مركباته التعبيرية أو النفسية أو الفكرية فيكون الشاعر عامل من عوامل هدم النظرية على صحتها ...
وبتطبيق علم النفس الصوتي على الأبيات الأربعة الأولى من قصيدة ( رسائل وجد ) والتي يقول فيها الشاعر :
رَسائِـلُ وَجـدٍ مِـنْ بَرِيـدِ حَنِيـنـي
أُحَمِّلُهـا - فَـوقَ اشتِياقِـي - أَنِينـي
لَعَـلَّـكِ تَختـارِيـنَ أَلَّا تُحَطِّـمـي
هَشاشَـةَ حُلـمٍ فِـي جَماجِـمِ طِينـي
نجد الآتي :
أولا : تكررت الأصوات الانفجارية في هذه الأبيات الأربعة على النحو التالي :
1 – الباء : مرة واحدة
2- التاء : خمس مرات
3- الدال : مرتان
4- الطاء : مرتان
5- الكاف : مرة واحدة
6- القاف : مرة واحدة
7- الهمزة : أربع مرات
إذن تكررت الأصوات الانفجارية ستة عشر مرة في أربعة أبيات متتالية وكثرة الأصوات الانفجارية في المقطع الصوتي المحدود إنما تدل على حركة الغليان النفسي والتوتر المستمر الذي يعايشه الناطق بالصوت مع وجود ثورة كمينة تلُجّ في قاع البؤرة الشعورية على الرغم من أن الشاعر في حالة هادئة غزلية وكان المفترض أن يتخلى عن تلك الأصوات الانفجارية تماما بل لا يأتي منها إلا النادر القليل ... ولكن المركب النفسي للشاعر القائم على الغليان والثورة النفسية العارمة غلبته فجعلته حتى في لحظات الاستكانة والضعف يمرر تلك الشحنات في ممرات تتمثل في أصوات انفجارية شديدة وهذا مرجعه في ( علم النفس الصوتي ) إلى أن المركب النفسي لهذا الشاعر إنما هو مزيج من الثورة والإحساس المفرط بالذات مع شعور بأن الواقع الشعري الذي يتصادم معه - كما عبرت سابقا في دراسات عديدة - لم يعطه قد ما يستحق من وجهة نظره فتحول وجدانه إلى النزعة الثائرة المستعلية كنوع من الانتقام من الواقع الشعري وتأنيب هذا الواقع الذي لم يعطه ما يرى أنه يستحقه من تقدير وإجلال ... وأنا أقول أن الشاعر حقا يستحق الكثير من هذا الواقع ولكن الأفضل له ألا ينال ما يرى أنه يستحقه – وأنا أرى ذلك معه – لأنه لو نال ما يستحقه لتوقفت بؤرة الإبداع اللامتناهي عنده ... ومن ثم وجب أن يعيش مؤرقا من هذا الواقع حتى تظل بؤرة الإبداع في حالة من الغليان المستمر لتبدع لنا تلك المركبات الشعرية الخالدة
كان هذا جزءً من التفاعل الكيميائي بين الصوت والمركب النفسي في أربعة أبيات فقط من قصيدة ( رسائل وجد ) للشاعر عمر هزاع . هذه قراءة استغرقت ست ساعات من البحث في الجوانب الصوتية في أربعة أبيات من القصيدة وإنما أردت أن اخرج بهذا التحليل لإثبات شيء ؛ وهو أن النقد الحقيقي لا يستطيع أن يقف على كل مكامن الإبداع بكل تفاصيلها في المنتج الشعري الواحد ومن يدعي من النقاد أنه قادر على فعل ذلك فهو كذاب كذاب فالكائن الشعري المسمى بالقصيدة يوقف عليه سنين للوقوف على كل مكامنه
عبد الله جمعة
الإسكندرية
الثلاثاء 27 – 7 – 2010