تمثل إعاقة الأطفال مجموعة من التحديات للأسرة والمجتمع ، حيث يعمل المتخصصون في مجال الإعاقة والتأهيل على مواجهة هذه التحديات وتذليل العقبات حتى لا تتسبب الإعاقة في عزل الطفل عن مجتمعه ، لذلك اتجهت مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة في سياساتها الجديدة نحو مبدأ الوقاية من الإعاقة لما في ذلك من أثر في التقليل من حدة هذه الظاهرة ومنع أي تدهور في قدرات الطفل المعاق، واستثمار قدراته الموجودة منذ الولادة .
وقد تبنت جهات عديدة ومنها منظمة الصحة العالمية (1976) تعريفاً للوقاية بالإشارة إلى مجموعة من الإجراءات والخدمات المقصودة والمنظمة ، التي تهدف إلى الحيلولة دون أو الإقلال من حدوث الخلل أو القصور المؤدي إلى عجز في الوظائف الفسيولوجية أو السيكولوجية ، والحد من الآثار السلبية المترتبة على حالات العجز ، بهدف إتاحة الفرصة للفرد كي يحقق أقصى درجة ممكنة من التفاعل المستمر مع بيئته ، وتوفير الفرصة لأن يحقق حياة أقرب إلى حياة العاديين، وقد تكون تلك الإجراءات والخدمات ذات طابع طبي أو اجتماعي أو تأهيلي أو تربوي .
لماذا الوقاية؟
تنشد كل المجتمعات الإنسانية الصحة والنمو الطبيعي للأجيال القادمة ، وتدعم المنحى الوقائي والأنماط الحياتية الصحية ، ومن المعروف حالياً أنه أصبح بالإمكان تشخيص بعض حالات الإعاقة أثناء فترة الحمل.
وتشير خبرات ودراسات الدول المتقدمة أن الوقاية بمستوياتها المختلفة ذات جدوى اقتصادية وأن الوقاية الأولية على وجه التحديد هي الأكثر جدوى لا على المستوى الاقتصادي فقط وإنما على المستوى الإنساني أيضاً . وإن الجهود المبذولة للوقاية من الإعاقة يجب ألا تقتصر على مرحلة دون أخرى أو على شريحة اجتماعية دون غيرها، وإنما على مراحل الحمل والولادة والطفولة المبكرة وكذلك الفئات الأقل حظاً في المجتمع والتي تستحق أن تحظى باهتمام أكبر.
و تشمل الوقاية من العوامل العضوية المسببة للإعاقة إجراءات مثل التخطيط لمرحلة ما قبل الحمل ورعاية الأمهات الحوامل والرعاية أثناء الولادة ورعاية حديثي الولادة ، واللقاحات ، تشمل الوقاية من العوامل البيئية الاجتماعية إجراءات مثل الحد من الإصابات ، وتطوير مهارات الأمومة والأبوة الفعالة ، ومكافحة الفقر وسوء التغذية، وتعديل أنماط الحياة وتشجيع تبني السلوك الصحي .
مستويات الوقاية :
تصنف برامج الوقاية من الإعاقة إلى ثلاثة مستويات هي : الوقاية الأولية التي تهدف منع حدوث الأمراض أو الإصابات أو عوامل الخطر التي قد تسبب الإعاقة، أما في حال ظهور اعتلال ما فالوقاية من المستوى الثاني تصبح ضرورية حيث أن الهدف المنشود يصبح منع حالة الاعتلال من التفاقم والتحول إلى عجز . وتشمل الوقاية من المستوى الثالث التخفيف من تأثيرات حالة العجز أو الإعاقة على الفرد وعلى الأشخاص المهمين من حوله ، لكن هذا المستوى من الوقاية يتم تنفيذه بعد حدوث الإعاقة وتطورها .
وهذا يعني أن الكشف والتدخل المبكر هو نمط من أنماط الوقاية ، وكذلك الأمر بالنسبة للتربية الخاصة والتأهيل والإرشاد، والخدمات الداعمة على اختلاف أشكالها . وهكذا، فان الاستراتيجية الوقائية الشاملة لا يمكن تنفيذها في وضع واحد أو من قبل مؤسسة واحدة . بل هي مسؤولية جماعية تتطلب مشاركة مؤسسات متعددة كالأسرة والمدرسة والمؤسسات الصحية، ومراكز تنمية المجتمع .
لذلك يجب أن لا ينصب اهتمامنا على الوقاية من المستوى الثالث، كما هو الحال لدى الكثير من المجتمعات النامية التي غالباً ما تنشد المساعدة بعد حدوث المشكلة وتفاقمها رغم أن الجهود التصحيحية أو التعويضية تصبح أقل فاعلية وجدوى.
نشر الوعي الاجتماعي :
يمثل نشر الوعي الاجتماعي إحدى أهم أدوات الوقاية من الإعاقة في المجتمع وبخاصة على مستوى الوقاية الأولية. فعشرات الآلاف من حالات الإعاقة التي كان بمقدورنا أن نمنع حدوثها لا تزال تحدث سنوياً في الدول العربية وذلك نتيجة أن الناس في مجتمعاتنا لا يعرفون عن الإعاقة وعن سبل الوقاية منها ، أو أن معرفتهم لا تترجم إلى خطوات عملية. وفي كلتا الحالتين يمكن للبرامج التثقيفية والتوعوية أن تترك أثرا مهماً على قطاع بالغ الأهمية في مجتمعاتنا .
وتعتبر المدرسة هي أفضل موقع لنشر الوعي حول سبل الوقاية من الإعاقة بين الأجيال الحالية والأجيال المستقبلية أيضاً ، إضافة إلى دور الحضانات ورياض الأطفال و مراكز رعاية الأمومة والطفولة أيضاً . فهي تخدم أطفالاً في مرحلة عمرية بالغة الأهمية ، وهي تستطيع الإسهام في جهود الوقاية بشكل فعال عن طريق الكشف المبكر عن أية مشكلات لديهم وتطوير جوانب نموهم كافة ، وتزويدهم بالخبرات التعليمية المؤثرة ومراعاة سلامتهم .
أساليب نشر الوعي:
من أجل الوصول إلى المجتمع بمختلف شرائحه وفئاته وبأساليب وأشكال مختلفة يمكن اللجوء إلى وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمنطوقة، والملصقات في المدارس والجامعات وعيادات طب الأطفال والمستشفيات وأماكن التسوق . وتنظيم المحاضرات والندوات ، وعن طريق أشرطة الفيديو التعليمية وتقديم الاستشارات عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ، وبث الوعي في النشئ منذ الصغر عن طريق المناهج الدراسية .
ويمثل نشر الوعي الاجتماعي أيضاً أحد الأساليب المهمة لتحقيق الأهداف المنشودة من الوقاية الثانوية و الثلاثية. ولعل أكبر التحديات التي يواجهها الشخص المعاق وأسرته هي تلك المرتبطة باتجاهات المجتمع السلبية وغير الواقعية، ونشر الوعي الاجتماعي يشكل أهم أداة لتعديل هذه الاتجاهات علماً أن التوعية ضرورية شرائح المجتمع كافة، ولكن ثمة طرائق و أدوار مختلفة لكل شريحة .
وبوجه عام ، ينبغي التأكيد على أن تربية الأشخاص المعوقين وتأهيلهم مرآة تعكس احترام حقوق الإنسان وتساوي الفرص والعدالة الاجتماعية والمشاركة والاندماج في الحياة المجتمعية ، وثمة حاجة أيضاً إلى التركيز على دحض المعتقدات المستندة إلى الخرافة والجهل وتشجيع قبول الناس للتنوع والاختلاف ، و إزالة الحواجز المادية والنفسية، ومناهضة أشكال التحيز ضد الأفراد المعوقين .