|
نزول سوق الأسهم: دروس وعبر
الناقل :
heba
| العمر :43
| الكاتب الأصلى :
د. عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي
| المصدر :
www.saaid.net
نزول سوق الأسهم: دروس وعبر
|
د. عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي
|
إن الأحداث التي تمر بالمسلم ينبغي أن تدفعه للاعتبار والاتعاظ، لا أن يكون ممن لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون .
ومن الدروس المستفادة مما وقع من نزول كبير في سوق الأسهم السعودية:
أولاً: أن هذا من الابتلاء، ودليل على أن الدنيا دار كبد، وأنها ليست دار سعادة حقيقية. وأن السعادة الحقة في الآخرة التي لاخوف فيها ولاهم فيها ولايحزنون.
فأهل الجنة يقولون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)
المسلم العاقل ينبغي أن يعمل لهذه الدار التي هي دار النعيم المقيم. ولاتلهه العاجلة عن الدار الآخرة .
ثانياً: أن حب المال الزائد عن الحد الطبيعي يشقي الإنسان، بينما هو يبحث عن السعادة، لاسيما حين يصل الحد في الولع بالمال إلى عبادته، فحينئذ تكون التعاسة نتيجة حتمية لهذه العبودية المذلة. ومن صور عبودية المال منع الحقوق الواجبة فيه كالنفقة الواجبة ومنع الزكاة، والانشغال بأمر المال على حساب عبادة الله كالصلاة والذكر الواجب. قال صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار.." ومن الملاحظات التي سجلها بعض العاملين في القطاعات الخيرية، ملاحظة جديرة بالوقوف عندها، وهي أن ارتفاع أسعار الأسهم يرافقه قلة التبرعات للهيئات الخيرية، لانكباب الناس على البحث عن المكاسب الدنوية العاجلة، وإعراضهم عما يدخرونه لأنفسهم في الآخرة .
ومن صور العبودية أن يكون فقدان المال أوبعضه سبباً في الهلع والجزع إلى حد المرض أو الموت عياذاً بالله من ذلك .
وأسوأ من ذلك أن يدفع حب المال والأسى على فقده إلى الاعتداء على حياة الآخرين أو أموالهم، كما حصل من بعض المواطنين إثر الانخفاض
الكبير في أسعار الأسهم.
ثالثاً: أن الذي تساهل في المحرمات الصريحة كأسهم البنوك الربوية، أو المشتبهة كأسهم الشركات المختلطة هو من أعظم الناس مصيبة وخسارة، إذ إنه جمع بين معصيته لله تعالى، أو التساهل بالشبهات مع خسارة الدنيا؛ فنعوذ بالله من الخسران المبين .
رابعاً: أن الإنسان لايعلم الخير أين يكون مهما كان حاذقاً ذكياً، فكم من شخص خسر وهو من كبار المضاربين، فينبغي ألاّ يغتر الإنسان بنفسه، وألاّ يُعجب بماله، وأن يحرص على الصدقة والإنفاق ليكون ذلك ذخراً له عند الله، وسبباً لحفظ ماله من الآفات.
خامساً: أن كثيرين ممن ابتلوا بالولع بالأسهم وارتكبوا من الأخطاء الكثير في سبيلها، كالتفريط في عملهم الأساسي إن كان لديهم أعمال، كموظف ضعف أداؤه لعمله، أو مدرس أهمل التحضير لدروسه وتجديد معلوماته، أو نحو ذلك هم أكثر الناس شعوراً بالشقاء والألم لماحدث؛ لأنهم يُعاقبون على تفريطهم وأكلهم المال بالباطل. كما يشعرون -ولو أحياناً- بتأنيب الضمير على تفريطهم .
سادساً: أن الخير للوطن وللمصلحة العامة قد يكون في هذا التحول؛ إذ إن ترك الناس عموماً والتجار والصناع خصوصاً للإنتاج وإقامة المشاريع النافعة زراعياً وصناعياً وعمرانياً، وتحوّلهم للمضاربات الخيالية في سوق الأسهم يضر بمستقبل البلاد، ويعرّض اقتصاده لمشكلات كثيرة كنقص الوحدات السكنية، والارتفاع الشديد في أسعار المساكن، وارتفاع أسعار السلع المصنعة؛ نظراً لابتعاد الناس عن العمران، و فتح المصانع، وإقامة المعامل، وتحوّل رؤوس الأموال للمضاربات التي لامصلحة حقيقية للوطن فيها.
فتأثير سوق الأسهم على الإنتاج الوطني والاقتصاد كان أثرا سيئاً؛ لقد ضعفت حركة البناء والإعمار التي توفر السكن؛ مما ينذر بغلاء فاحش في المستقبل للوحدات السكنية والإيجار، وبدأنا نلمس شيئاً من ذلك بوضوح.
حركة الإنتاج الزراعي ضعفت، وبدأت المزارع تقف ولاتزداد عدداً ولاحجماً يوازي زيادة عدد السكان المضطردة؛ مما سيجعلنا دولة مستوردة بشكل أكبر لضرورات حياتنا.
المشاريع المنتجة والمصانع لم نعد نسمع عنها جديداً؟
فعسى أن يكون ما حدث في هذا السوق معيداً لتوازن الاقتصاد، واستقراره المعهود، والله عزوجل يقول: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لكم) فإن ساحة الأسهم سابحة في الفضاء بلا أساس اقتصادي ولا مقياس علمي، هي طائرة بدفع موجة هواء ساخنة, وعاصفة هوجاء داكنة, سرعان ما تهدأ وتميل إلى السكون؛ فأسعار الأسهم التي تطورت خلال عامين إلى عشرات الأضعاف انخفضت بوتيرة متسارعة.
وذلك لأن كثيراً منها يمثل مؤسسات وشركات خاسرة، لم تقدم للمساهمين أرباحاً على القيمة الدفترية للسهم لعدة أعوام! و بعضها لم يقدم أي ربح للمساهمين قط منذ نشوء تلك الأسهم حتى يومنا! ومع ذلك فإن أسهم هذه الشركات الخاسرة دخلت في السوق، وارتفعت ارتفاعاً خيالياً في بعض الأحيان، فواقع السوق يؤكد أنه مجرد مضاربات زادت كبار المضاربين غنى، وأفقرت المساكين وذوي الدخل المحدود الذين دخلوا السوق أملاً في الغنى.
سابعاً: أن كثيراً من الرجال والنساء قد فرّطوا في بيوتهم، وانشغلوا عن واجباتهم الأسرية بالأسهم إلى حد أن يصل الأمر إلى فوضى داخل الأسرة، وحدوث إشكالات كثيرة، ونزاعات خطيرة بين الزوج والزوجة بسبب الأسهم. فلعل هذا النزول يعيد إليهم شيئاً من توازنهم، ويدفعهم إلى العودة للعناية بمسؤولياتهم.
|
|