هل طريقة معاملة موظفي الجوازات في بلد تزوره لأول مرة تؤهلك للحكم على هذه البلد بأكملها؟ خاصة إذا كانت معاملة العاملين على خطوط الطيران الرسمية لهذه البلد تسير في الاتجاه ذاته؟ بت موقنا بأن الإجابة على هذا السؤال هي بالإيجاب! هذه كانت حصيلة رحلة عمل إلى العاصمة الروسية موسكو، التي ذهبت إليها في رحلة عمل على مر ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي، يومان ذهاب و إياب، ويوم لحضور فعاليات إعلان عن شيء سأحكي لكم عنه في يوم تال.
بدأت رحلتي مع طيران ارافـلوط بداية جيدة، بدون خطوط انتظار، حجز سابق أكده حاسوب شركة الطيران، ساعتان بالضبط قبل الإقلاع كان موعد فتح قاعة الانتظار في مطار دبي، لكن الطائرة تأخرت 50 دقيقة عن موعدها لتأخرها في الوصول، وكان العجب أنه رغم كون درجة الحرارة في موسكو 1 تحت الصفر في ذاك الوقت، لكني وجدت جل الراكبين يرتدون ملابس صيفية أو أخف، ورغم أن الطائرة دخلت في قلب عاصفة على مر نصف ساعة، اهتزت فيها الطائرة كما لو كان تريد رمينا من على المقاعد، لكن الرحلة مضت على ما يرام، وكان قيام الركاب بتغيير ملابسهم من صيفية إلى شتوية دليلا على اقترابنا من موسكو بعد طيران لمدة خمس ساعات ونصف. الطريف أن الروس يصفقون ما أن تلمس عجلات الطائرة مدرج الهبوط، فيما يبدو أنه تشجيع لقائد الطائرة.
ثم بدأت المعاناة، دخلت على مراقبة الجوازات، وما أن رأت الموظفة الشابة جواز سفري المصري الأخضر العملاق، حتى انفجرت في الضحك، ثم نادت على زميلتها وجعلتها ترى جواز سفري، حتى انطلقت الأخرى في نوبة ضحك، ثم جاءت مديرتهما، والتي انهمكت في فحص جواز سفر آخر يعود لمواطن أفريقي أسمر، وبعد أن كادت تفتك بجوازه، سمحت له بالدخول، وأما أنا فحصلت على رد آلي: من فضلك انتظر، فسألت الموظفة (بالانجليزية) هل من مشكلة، فوجدتها تكرر الرد ذاته كما لو كانت تعمل في المساء آلة ردود مسجلة.
بعدها، رحلت هذه الموظفة وزميلتها وأغلقت الممر، ووجدت نفسي وحيدا، ووجدت المديرة تذهب هنا وهناك وتدور وتجول، ثم جلست إلى مكتبها، وراقبتها ترفع جواز سفري وتضعه حتى كادت تفتك به، وتضعه في قلب جهاز أشعة وتطالع كل ختم فيه، ولا ألوم عليها أن فيزا التي حصلت عليها من قنصلية روسيا في دبي تبدو رخيصة جدا متدنية الجودة. بعد مرور نصف الساعة من الانتظار، بدأت تراودني أفكار مثل قضائي ليلتي في ضيافة المخابرات الروسية أو ما هو أسوأ، وبدأت أفكر في كل الدعايات الحكومية المصرية السابقة في مديح الرفاق الروس، وكيف أن السوفيت الروس نعم الأصدقاء لنا، وهو ما يبدو أن الأيام غيرته!
مقر المخابرات الروسية في موسكو: كي جي بي
ثم فجأة خرجت المديرة من مكتبها، وبدأت ترفع صوتها، لأكتشفها تنادي على تلك الموظفة وتأمرها بختم جواز سفري، وهو ما تم، ثم طلبت مني باللغة الروسية في البداية ثم لغة الإشارات بعدها، أن أذهب إلى ممر ما للخروج، وبعدما تنفست الصعداء، خرجت لأبحث عمن يحمل اسمي مكتوبا على لوحة، أو اسم الشركة التي مفروض بي زيارتها، فلم أجد أحدا، بل مطارا خاويا. (تبين فيما بعد أن شركتي نقلت موعد وصول طائرتي بدلا من الساعة 22 (أو العاشرة مساء) على أنه 2 مساء).
طبعا، وقعت فريسة سهلة لمافيا تاكسيات موسكو، وكنت قد قرأت عن وحشية تكاليف ركوب سيارات التاكسي في موسكو، ذلك أن اللغة الانجليزية تكاد تكون مختفية في علامات الاتجاهات في شوارع موسكو ما يجعل البصير أعمى في هذا البلد، وأما عن ركوب مترو الأنفاق، فهذه تحتاج لها خبيرا روسيا من سكان موسكو. لا أطيل عليكم، انتهت رحلة بالتاكسي – متوسط تكلفتها عادة 40 دولار (كما علمت من أهل موسكو بعدها) – بأن دفعت قرابة 120 دولار، بعدما انطلت علي حيلة رخيصة، إذ تبرع قائد تاكسي روسي بأن يأخذني إلى الفندق حيث يفترض بي النزول مقابل 17 يورو، وهو ما وجدته هدية من السماء إذ أن تقارير من سافروا من قبل إلى موسكو تحذر من غلاء موسكو كلها، التي كانت في فترة من الفترات أغلى عاصمة في العالم، حتى سبقتها طوكيو بفارق بسيط.
رغم أني قلت له هل تقصد: 17؟ واحد وبجانبه سبعة، فوافق الرجل وهز رأسه بالإيجاب، لكن بعدما وصلت أمام الفندق وأخرجت له المال، وجدت صاحبنا يفهم في اللغة الانجليزية والعملات وأسعار التحويل، وبدأ يرفع صوته ويديه، ويطالبني بدفع 120 يورو، وفق المكتوب على ملصق يبدو عليه أن رسمي يشير إلى أن هذا هو السعر الرسمي للتوصيل، ولما نظرت حولي فوجدتني وحيدا في ظلام ليل موسكو شديد البرودة، ولما لم يجدي فصالي معه عن النزول تحت 80 يورو، دفعتها فدية لحياتي! ويبدو أني حسنا فعلت، مما وجدته من الروس بعدها، ثم دخلت فندق هوليداي إن سوكلوينكي حيث يفترض بي المكوث خلال هذه الرحلة، فوجدته فخما شديدة النظافة والأناقة، وسعدت بالحديث مع موظف الاستقبال بيتر الانجليزي الذي يجيد كذلك الروسية، والذي عاملني بمنتهى الأدب وحسن الضيافة.
مشهد من خارج مدخل الفندق
وبهذا انتهت ليلتي الأولى في موسكو الباردة، والتي سعدت بأن وجدتني تكيفت بسرعة مع برودتها، بل أكاد أجزم أن برودة القاهرة في العواصف والنوات تكاد تكون مماثلة لبرودة موسكو في الأسبوع الماضي، لكن لهذه حديث آخر… وقبل أن تسأل، لا، ليس في العنوان من خطأ، انتظر معي وستعرف السبب!!