هذه المقالة لهي من أفضل ما كتبت في هذه المدونة المتواضعة، وعليه أستأذنكم في أن أترك هذه التدوينة لمدة أسبوع قبل معاودة الكتابة من جديد. هذه الكلمات تستحق أن تقرأها لمدة أسبوع كامل وأكثر، وأن تستوعب ما جاء فيها من حكمة، وأن تسمو فوق نزعات التفكير السطحي مثل من قالها ولماذا… يمضي ستيف جوبز ليقول:
“” وأما القصة الثالثة فعن الموت. حين كنت في السابعة عشرة من عمري، قرأت مقولة مفادها: ’إذا عشت كل يوم كما لو كان آخر يوم في حياتك، فسيأتي يوم تكون فيه على حق‘. تركت هذه المقولة أثرها الكبير على نفسي، ومن ساعتها، وعلى مر 33 سنة خلت، وأنا أنظر إلى نفسي في المرآة كل يوم وأسألها: لو كان اليوم آخر يوم في عمري – هل كنت لأود أن أفعل ما أنوي فعله في يومي هذا؟ وإذا كانت إجابتي هي ’لا‘ على مر عدة أيام، ساعتها كنت أدرك حاجتي لتغيير شيء ما.
عبر إبقائي لحقيقة – أني سأموت قريبا – حية في ذاكرتي، كان ذلك الأداة الأكثر أهمية لتساعدني على اتخاذ القرارات الكبيرة في حياتي، لأنه تقريبا يخفت كل شيء في مواجهة الموت – التوقعات، والكبرياء، والخوف من الحرج والفشل – تاركة الأشياء المهمة حقا لتظهر جلية. بأن تداوم على تذكير نفسك أنك ستموت لهو أفضل سبيل لأن تتفادى الوقوع في فخ مظنة أن لديك شيء لتخسره فتخاف عليه. أنت عار بالفعل، ولن تجد سببا مقنعا لكي لا تتبع قلبك.
منذ قرابة عام مضى (منذ وقت إلقاء المحاضرة ويقصد 2004) جاء تشخيص مرض أصابني على أنه السرطان. أجريت مسحا طبيا في 7:30 صباحا، والذي أوضح بشكل ظاهر إصابتي بورم خبيث في البنكرياس، وكنت ساعتها لا أعرف ما هو البنكرياس. أخبرني فريق الأطباء أن مرضي عضال لا شفاء منه، وأن أمامي من 3 إلى 6 أشهر لأعيشها. كانت نصيحة طبيبي أن أعود إلى بيتي وأرتب أموري، أو ما معناه أن أستعد لموتي. كانت هذه النصيحة تحمل في طياتها أن أخبر أبنائي في بضعة شهور – كل ما كنت أظن أن أمامي عشر سنوات لأخبرهم خلالها بما أردت قوله لهم، وأن أجهز كل شيء لعائلتي حتى يصبح رحيلي سهلا عليهم، وأن أودع الجميع.
عشت بهذا التقييم الطبي يومي كله، ثم في المساء ذهبت لأخذ عينة من هذا الورم لتحليلها، من خلال إدخال منظار من فمي وعبر حلقي إلى معدتي ومن ورائها أمعائي، ومن خلال إبرة اخترقت البنكرياس لأخذ خلايا من الورم الذي به. كنت بالطبع مخدرا لا أشعر بشيء، لكن زوجتي والتي كانت حاضرة تراقب هذا الإجراء الطبي أخبرتني إنه حين نظر الأطباء إلى هذه الخلايا المنتزعة مني تحت المنظار / ميكروسكوب – أخذ الأطباء بالبكاء فرحا لأن الورم كان من النوع شديد الندرة القابل للعلاج بالتدخل الجراحي. أجريت العملية الجراحية وأزلت الورم وأنا بخير الآن.
كانت هذه الواقعة أقرب لقاء لي مع الموت، وأرجو أن تبقى كذلك لعدة عقود مقبلة. لكوني خرجت حيا من هذه التجربة، أستطيع الآن أن أقول هذه النصيحة عن واقع خبرة – أكثر منها تشبيها مجازيا أو فكرة تحاول تخيلها.
لا يريد أحد أن يموت، حتى من يريدون الذهاب إلى الجنة، ورغم ذلك فإن الموت هو النهاية التي نشترك كلنا فيها. لا تجد من فر من هذه الخاتمة، وهكذا كيف يجب للأمر أن يكون. الموت هو ربما أفضل اختراع للحياة، فهو من وسائل الحياة للتغيير. إنه يمحو القديم ليفسح الطريق للجديد. في وقتنا هذا الجديد هو أنتم (يقصد طلاب الجامعة) لكن في يوم قريب ليس ببعيد ستصبحون تدريجيا القديم وتمحون من الطريق. آسف لكون كلامي درامي حزين، لكنه عين الحقيقة.
وقتك محدود، لذا لا تضيعه في أن تحيا حياة شخص آخر. لا تقع في فخ العيش وفق ما توصل إليه فكر الآخرين. لا تدع الضوضاء التي تحدثها آراء الآخرين تعلو فوق صوتك الداخلي. الأكثر أهمية من ذلك هو أن تكون من الشجاعة بحيث تتبع ما يمليه عليك قلبك وحدسك. هؤلاء الاثنان يعرفان بصدق ما تريد أن تكون عليه. كل ما عداهما ثانوي.
حين كنت صغيرا، كان هناك هذا الكتيب الرائع: كتالوج الأرض كلها The Whole Earth Catalog والذي كان من أمهات الكتب لجيلي من الشباب، ألفه ستيوارت براند في مكان ليس ببعيد من جامعتكم هذه، ووضع عليه لمساته الشعرية، في نهاية الستينات، قبل أن بزوغ نجم الحواسيب الشخصية والنشر المكتبي، أي كتبه باستخدام الآلات الكاتبة والمقصات وكاميرات بولارويد الفورية. لقد كان بمثابة توفير خدمات موقع جوجل من خلال الورق، أو 35 سنة قبل مجيء جوجل إلينا، كان كتابا مثاليا، مليئا بالأدوات الفنية والأفكار العظيمة.
وضع ستيوارت ورفاقه عدة إصدارات من هذا الكتالوج، وبعدما أخذ وقته وحان وقت النسخة الأخيرة، اجتهدوا في تصميم العدد الأخير، في منتصف السبعينيات، حين كنت في عمركم، وكان الغلاف الأخير للعدد الأخير يحمل صورة عرضت طريقا زراعيا جميلا وقت الصباح، من النوع الذي كنت لتحمل حقيبتك وتستوقف السيارات في الطريق لتأخذك إليه لو كنت من النوع المغامر. مع هذا المنظر الخلاب جاءت جملة تقول: ابق جائعا – ابق أحمق Stay Hungry – Stay Foolish لتكون هي جملة الوداع منهم لقرائهم. ابق جائعا. ابق أحمق. ولقد تمنيت لنفسي أن أكون كذلك. والآن، وبينما تتخرجون لتبدؤون، أتمنى لكم الشيء ذاته.
ابق جائعا. ابق أحمق.
أشكركم جميعا جزيل الشكر. “”
من وجهة نظري القاصرة، أرى ستيف يقصد بالجوع ذاك المعرفي، أي الجوع والنهم لتعلم وتجربة كل ما هو جديد، بينما الحماقة قصد بها أن تخالف توقعات التقليديين الخائفين من التغيير من حولك، وأن تفعل ما يمليه عليه قلبك…
أهدي هذه المقالة لكل من يرسل لي سائلا: عندي هذه الفكرة / المشروع / الخطة…، فهل أنفذها أم أستمع لنصائح من حولي بألا أفعل؟ إن الحياة قصيرة، وما هي إلا أيام وننتقل من وجه الأرض إلى باطنها، وسيرحل عنا كل من نصحونا بألا نغامر أو نجرب، وسنلحق بهم، وسيلفنا النسيان، ولن يبقى لنا سوى أنفسنا وقراراتنا. افعلها ونفذها وأطلقها، ومهما كانت العواقب، ابتسم فأنت تفعل شيئا تحبه وتهواه.
نعم، المخاطرة والمغامرة قد تعود بالنتائج الوخيمة، لكن ما الأفضل: أن تأتي أزمة اقتصادية وتتركك بلا وظيفة أو مصدر دخل، أم أن تكون أنت السبب في ذلك؟ أين في التاريخ من اختاروا اللعب في المضمون وعدم المغامرة والمخاطرة؟ هل يمكنك أن تبلغ الجانب الآخر من النهر، ما لم تترك الأرض وتقف على سطح القارب ليأخذك إلى شاطئ آخر لا تستطيع رؤيته؟
مرة أخرى، القرار قرارك، فلا تغامر ثم تلوم سواك إن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، لكن كذلك فكر ماذا لو لم تفعل؟