رغم أن لدي مواضيع أخرى أكثر أهمية أريد الحديث عنها، ورغم أني لا أحب أن أشكو همومي لقارئي، كما ويخبرني صديقي محمد بدوي دائما ألا أهتم بالتعليقات السلبية وألا أضيع عليها الوقت، لكن هذه المرة وجدت من يسألني عن ردي على تعليق مقيت، لم يهدف صاحبه من ورائه سوى إلى نفث سمومه فيمن حوله، معلق لم يكلف عقله التفكير أو التدبير، ولم يتكلف قراءة مقالات سابقة لي قبل أن يصدر حكمه علي بأني من المفسدين في الأرض. يقول صاحبنا في معرض تعليقه على مقالتي جائزة 500 دولار:
تقول: باقة أدوبي CS4 الانجليزي (والتي حصلت على نسخة كاملة منها من أجل مراجعتها أثناء عملي كمحرر صحفي) وأنا أسألك: هل حصلت عليها كهدية شخصية لك ام نسخة للمراجعة كمحرر تعمل في شركة؟
ثم كان أن رددت عليه بالقول:
أهلين باسل، عادة في عالم الصحافة، ترسل الشركات نسخا من منتجاتها إلى الصحفيين لتجربتها، والنسخة التي حصلت عليها هي النسخة الكاملة، لكنها ليس مثل تلك التي تشتريها من السوق، بل مجرد رقم تسجيل وأقراص مدمجة تقليدية. ولأن تجربة منتج مثل هذا تتطلب تسجيله، لا تطالب شركة أدوبي الصحفيين بإعادة هذه البرامج إليها مرة أخرى. هل أجبت عليك بشكل مستفيض؟ سأفترض أن سؤالك هو هل هذه الهدية للشركة أم للموظف، وقر عينا بأنها للموظف، وهذه من مزايا العمل كصحفي، كما ويمكنك الاتصال بشركات العلاقات العامة التي تمثل هذه الشركات وتتولى إرسال مثل هذه الهدايا.
ثم جاءت خاتمة العقد، التعليق الذي كشف الجميع على حقيقتهم:
كلا يا عزيزي أنا أعمل في أدوب وليس من سياستنا منح البرامج كهدايا للصحافيين وإنما للشركة الناشرة أما إذا افترضت انت وصديقك أو صديقتك في شركة العلاقات العامة غير ذلك فهذه مشكلتكم الأخلاقية.
الآن، نقف ونحلل، المشكلة أن باسل (أو أيا كان اسمه، فللأسف يمكن لأي شخص على انترنت أن ينتحل شخصية من يريد) ترك الموضوع كله ووقف عند نقطة معينة، وهي أن أدوبي (الشرق الأوسط) لا تعطي الصحفيين نسخا من برامجها، وهذا صحيح فعلا. باسل رفض أن يكون هناك من هو أعلم منه، ورفض أن يكون من صنف البشر – يغيب عن عِلمه أشياء، ورفض أن يلتمس لأخيه ألف عذر، ورفض قبول حقيقة أن فوق كل ذي علم عليم. قفز باسل إلى الظن السيئ، ورأي أن لدي مشكلة أخلاقية، وأن لدي صديق أو صديقة في شركة العلاقات العامة، يساعدونني على أن أستحل ما ليس لي بحق، وترك الباب مفتوحا أمام العقل ليظن الظنون بعدها.
غاب عن باسل أن شركة أدوبي أمريكا بدأت هذا البرنامج التعريفي الموجه للصحافيين حول العالم، وأني تقدمت – عبر شركة العلاقات العامة الممثلة لشركة أدوبي في الشرق الأوسط والتي ليس لي فيها أي أصدقاء – للقيد في هذا البرنامج منذ قرابة العام، وقبل بضعة شهور من طرح إصدارة CS4 للبيع، حتى حصلت على نسختي بعد طرح التطبيق في الأسواق بشهور.
هل أراد باسل أي خير من رسالته هذه؟ لقد اختفى باسل بعدها، ولم يرد على رسالتي على بريده، وحين راسلت شركة أدوبي الشرق الأوسط وحكيت لهم عما حدث، وصلني ردهم بعدها بساعتين، والذي بدأ بكلمة الاعتذار عما أصابني، تلاه التأكيد على أن أدوبي الشرق الأوسط لا يعمل فيها من يحمل اسم باسل. بالبحث أكثر عن باسل هذا عبر بريده الإلكتروني الذي استعمله، وجدته صاحب شركة استيراد ملصقات دعائية في دبي، ولم أجد ما يشير من قريب أو بعيد إلى عمله لدى أدوبي، لا في الماضي ولا في الحاضر، (ولعلي كان يجب علي أن أنتبه لهذا بعدما وقع صاحبنا في الخطأ الشائع واستعمل كلمة ادوب، فكلمة Adobe تـُنطق أدوبي، مع حرف ياء في نهايتها، وأما أدوب هذه، فلغة من لا يعرفون جيدا عن الشركة).
وأنا الآن أسأل بدوري، لو كنت امرؤ سوء، لماذا كل هذا التفكير والجهد من أجل شراء نسخة أصلية، لماذا لا أختصر المسافات وأستعمل نسخة مقرصنة، لماذا أعلن عن مسابقة لعمل برنامج مجاني، ونشر شيفرة مصدره، رغم توفر نسخة ديمو من آخر يحل مشكلتي، وكذلك برنامج كسر حمايته، كما أن لدي بفضل الله المال الذي يعينني على شراء التطبيق وحل مشكلتي الفردية، دون أن أجد اتهاما لي في أخلاقي. لقد فشلت تماما في فهم غرض باسل من تعليقه الباسل هذا! كنت لأحذف هذا التعليق السخيف، لولا أننا نفعل مثل هذا الباسل في بعض الأحيان والمواقف، نسارع لظن السوء بالناس، لكن خير لي ولك أن نظن الخير بغير أهله، على أمل أن ينال منهم الخجل والحياء يوما، فيتحولون بفضل الله إلى أهل للخير، لكن إن أنا أسأت الظن في أهل الخير، فانظر نتيجة ذلك.
وعليه، كنت أتردد من قبل هذا التعليق البغيض في حذف ما أراه سلبيا من تعليقات، حتى لا أجد اتهامات بهروبي من النقاش والمواجهة، أو أني أخفي أشياء غير سارة، أو كما قال أحدهم أن وضعي تاريخ لانتهاء المسابقة إنما هو لجعل البعض بعينهم يفوز وكأننا في مصلحة حكومية، أما الآن، فلا وقت عندي لمن يترك تعليقه ثم يختفي في ظلمة ليل بهيم، من يريد كشفي على حقيقتي فليفعل ذلك عبر نموذج المراسلة، وليس في سياق التعليقات. تعليق مثل هذا سيكون محله سلة المحذوفات.
وأما بخصوص باسل، إن كان هذا اسمه، فلقد وجدت رقم التعريف IP الخاص به من دولة الإمارات، ووجدت أني استعملت الرقم ذاته في الماضي، ما يعني أن الرجل ربما كان جارا لي، وربما تقابلنا وتبادلنا التحية وهو لا يعرفني، ولقد وجدت له على موقع امازون تعليقا يبحث على الفخر به، ما يجعلني أشك في أنه هو من ترك هذا التعليق، بل ربما كان شخصا انتحل اسمه.
الآن مع وقفة قصيرة لمحاولة نسيان هذا الموقف كله، ثم أعاود الحديث عن الحلة الجديدة للمدونة، وعن نسخة لولو من كتابي الأخير. انتظروني.