حين طلبت من زوار المدونة التحدث عن آمالهم في المستقبل، ظهرت أماني تتعلق بصناعة لعبة عربية، وهو ما دفعني لأن أدلو بدلوي في هذا الشأن بدوري، فأنا أزعم أن لدي من الخبرة ما يجعل لما سأقوله بعض الجدوى، فإن أصبت، فمن فضل الله، وإن أخطأت، فلعل الله يرسل لنا من يرشدنا للصواب.
غني عن التكرار أن صناعة أي لعبة فيديو، على أجهزة الكمبيوتر أو الكونصول، تحتاج ثروات كبيرة حتى تخرج في مستوى جودة مرتفع ومقبول. كما أن هذه الألعاب تقدمت في تقنيتها وتعقدت حلقاتها، فأصبحت تحتاج إلى الفريق الكبير من العمل الجماعي المتناغم. باختصار شديد، المتطلبات نادرة بشدة – إن لم تكن معدومة – في عالمنا العربي. أضف إلى ذلك نقص خدمات الدعم والتصنيع والتسويق والدعاية، ومقاومة القرصنة وإلى غير ذلك من اللوازم.
قبل أن أقتلك بممل كلامي، سأحكي قصة شركة ألعاب بوب كاب Pop Cap والتي أسسها ثلاثة من الشباب الأمريكي في عام 2000: جون فيشي (28 سنة) + برايان فييت (29 سنة) + جيسون كابلكا (36 سنة) وكان الثلاثة سبق لهم العمل في شركات تطوير ألعاب الفيديو.
ترك الثلاثة وظائفهم النهارية، وأنفقوا مائة دولار في تصميم بطاقات التعريف (بيزنس كارد)، واستعملوا كمبيوتراهم الشخصية، وأقنعوا صديقا لهم بأن يستضيف موقعهم على خوادم انترنت لديه بدون مقابل. كان هدفهم الأولي تصميم ألعاب يمكن بيعها لمواقع انترنت، لما لا وقد كانت تلك الفترة تشهد رواجا غير مسبوق لكل ما له علاقة بشبكة انترنت.
لكن هذا الرواج تلاشى في هنيهات معدودة، وانهارت غالبية شركات انترنت، ما جعل نموذج تحقيق الأرباح الذي اعتمدوا غير صالح في ذلك الوقت. تعلم الشركاء درسهم الأول بالطريقة الصعبة: يجب أن تكون شديدة المرونة لتتجاوز أمواج الحياة والصعاب العاتية.
في عام 2001، وبناء على تعليقات اللاعبين على لعبتهم الأولى: بيجولد Bejeweled، عمد الثلاثي إلى تصميم نسخة محسنة من اللعبة، والأهم: يمكن تنزيلها على الكمبيوتر الشخصي ولعبها هناك، دون الحاجة إلى دخول موقع انترنت بعينه. الخطوة الثانية كانت الاستعاضة عن مطالبة مواقع انترنت بمقابل مادي لقاء توفير اللعبة للتنزيل، بفكرة توفير نسخة خاصة مجانية من اللعبة دون مقابل مالي، لكن لقاء تحويل هذه المواقع للاعبين إلى موقع الشركة من أجل عروض خاصة لمن يشتري النسخة الكاملة من اللعبة.
حصدت لعبة Bejeweled العديد من الجوائز، وأحبها الكثيرون، وبالتالي جلبت الشهرة إلى بقية ألعاب الشركة. في البداية، تراوح الدخل الشهري من 5 إلى 10 آلاف دولار، ثم تعاظم من 30 إلى 100 آلاف شهريا، حتى جمعوا 10 مليون دولار في عام 2005، ما مكنهم من الانتقال من العمل في غرف نومهم، إلى المكاتب الفسيحة، في شركة توظف 118 موظفا، وأصبحت مكتبتهم تضم أكثر من 30 لعبة من تصميهم، مع فرع للشركة في ايرلندا مهمته ترجمة الألعاب إلى اللغات الأوروبية.
تميزت ألعاب الشركة بالبساطة الشديدة، فأنت بحاجة فقط لدقيقة واحدة كي تفهم الشروط والهدف العام، دون أية تعقيدات أو مضاعفات. هدف جميع الألعاب هو مساعدة اللاعبين على الاسترخاء والاستمتاع ببعض اللهو المطلوب، لتخفيف أعباء العمل والحياة، خاصة لمن يريدون تجديد نشاطهم خلال استراحة قصيرة، قبل العودة إلى مشاغل العمل مرة أخرى.
توسعت كذلك الشركة من التركيز على منصات الكمبيوتر إلى الهواتف النقالة والحواسيب الكفية، وحققت لعبتهم بيجولد مبيعات مبهجة على الهواتف النقالة حول العالم.
تتوقع شركة أبحاث أمريكية أن ينمو سوق الألعاب البسيطة ليبلغ 953 مليون دولار هذا العام، مقارنة بالعام السابق والذي حقق 713 مليون دولار من مبيعات هذه الألعاب. ترى الدراسة كذلك أن محبو هذه النوعية البسيطة من الألعاب تتراوح أعمار 89% منهم فوق سن 30 عاما، وأن 72% منهم من الإناث، وأن 53% منهم متزوجون ولديهم أولاد.
دراسة مبيعات هذه النوعية من الألعاب البسيطة كشف أن جمال الرسوميات لا يؤثر بشكل كبير على مبيعات أي لعبة، بل ما يؤثر بقوة هو آلية اللعب، والهدف والطريقة. بل إن بعض الخبراء يرى أن الرسوميات الجميلة بشدة، والصوتيات الاحترافية تتسبب في تواضع مبيعات تلك الألعاب.
تعاني الشركة من وباء المقلدين، فلعبتها زوما حققت شهرة كبيرة حين صدرت لأول مرة، لكن ما هي إلا فترة قصيرة وصدرت عشرات الألعاب التي قلدتها من حيث الفكرة وطريقة اللعب.
للحديث بقية – فانتظروني !