وعليه، في خلال يومين وجدت نفسي على متن طائرة متجهة إلى جزيرة هونج كونج، لتغطية فعاليات معرض هونج كونج للإلكترونيات، ومعرض ICT المرافق له. تهبط في مطار هونج كونج الجديد، فتجده شديد الشبه بمطار دبي، لكنه يتميز عنه بقطار أنفاق تركبه لتصل إلى بوابة الجوازات، لتقف في طابور طويل ممتد من المراجعين، أغلبهم من اليابانيين والسنغافوريين، حتى لتظن أن اليابان كلها جاءت إلى هونج كونج.
جاء دوري مع الموظفة ال ام وونج، والتي لم تسألني عن تفاصيل حياتي كلها مثلما فعل بعض المتكبرين، بل فقط تحققت من الاسم، ثم طبعت تأشيرة دخول لمدة 90 يوما. لا تملك سوى أن تلاحظ أن غالبية أهل الجزيرة يبتسمون، ويعلو وجوههم علامات التفكير العميق والجد، بل إني بدأت أشعر بإرهاق عضلات وجهي من كثرة ردي على ابتسامات الناس في هذا البلد!
العجب العجاب أن هونج كونج تنطق بالتحدي، فهذه الجزيرة الصغيرة تعج بالجبال الشاهقة، ويسكن أهلها الشريط الساحلي، في ناطحات تعلو السحاب، ولم أملك حين ركبت الترام الكهربي سوى ملاحظة أوجه الشبه الكثيرة ما بين مدينتي: الإسكندرية، وبين هونج كونج، من حيث طبيعة المباني وتصميم الشوارع، فكلا المدينتين رزخ تحت الاحتلال الإنجليزي لعقود من الزمان.
رغم سابقة الاحتلال، وضيق المكان، وصغر المساحة، تقف هونج كونج كبلد له عملته الخاصة (الدولار والذي يعادل درهمين/ريالين/ثلاثة جنيه مصري)، نصف إجمالي صادراتها من الإلكترونيات، تتفوق على تايوان وسنغافورة، بل وعلى الصين التابعة لها، ويقف خلف نجاحها الباهر، مركز هونج كونج لتنمية التجارة.
عندما تطلب من أحدهم بطاقة العمل الخاصة به، تجده يقدمها لك بكلتا يديه، ويحني لك رأسه شكرا لك، وحين تعطيه بطاقتك تجده يفعل المثل، فتجد نفسك مجبرا على إظهار الاهتمام بما سيقوله وبما أعطاه لك.
رغم كل هذا، تجد حين تسير في طرقات المدينة شحاذين، وتطاردك رسائل التحذير من بائعات الهوى، وحين تنتهي من حسابات تحويل العملات في عقلك، فستجد أن هونج كونج غالية أسعارها، قليلة الصحو من أيامها، ممطر جوها، مثل مدينتي، الإسكندرية!
لأن سمتها ضيق المكان، فستجد الإعلانات في كل مكان، وتشغل الممتد من المساحات، ولذا لا تعجب حين ترى أضواء عشرين أو ثلاثين إعلان نيون، تمتد بعرض الشارع حيث تمر، كما تكتسي جميع الحافلات (الأتوبيسات) بالإعلانات، من الخارج وكذلك في الداخل. هذا التنافس دفع المحلات للتفكير في وسائل عرض مبتكرة وثورية تجذب الأنظار.
تسير في الطرقات فتجد فجأة أناس يقفون في طابور ممتد، لا يحاول أحد منهم أن يظهر لك أنه أفضل وأغنى منك فيدخل في الدور من أوله، وبعدما تقاوم الرغبة الجارفة في الوقوف في نهاية الصف، فستجد في بداية الطابور علامة صغيرة ترمز إلى محل وقوف الحافلات. يتكرر الأمر في ربوع الجزيرة، حتى تعتاد عليه بعد فترة، رغم أن سائقي سيارات الأجرة لا يبدون ذات التمسك بالنظام!
نظام السيارات في هونج كونج يضع عجلة القيادة على يمين السيارة، ورغم معرفتي بهذا الأمر، لكني وجدت نفسي أكثر من مرة في عرض الطريق انظر إلى الجهة الأخرى الخالية، ويبدو أن أهل البلد اعتادوا على تصرفات الغرباء أمثالي! تلاحظ كذلك طرازات سيارات لم نعهدها في بلادنا، رغم أننا أسواق واسعة لذات مصنعي السيارات، ما يوجب عليهم “ترفيهنا” بسيارات لا نجدها في بلاد أخرى!
حقيقة بدأت أحب هونج كونج، إذ تذكرني بشدة بمدينتي، كما أن جدية أهلها (الذين تعاملت معهم في هذه النافذة الصغيرة من الزمن) تدفعك لعدم اللعب ولأن تجتهد.
إن كان لصوتي أهمية، فأنا أدعو المصيفين من العرب للتفكير في زيارة هونج كونج في إجازة الصيف المقبلة، فهي لا تختلف كثيرا عن مدينة لندن التي تكثر فيها الأصوات العربية صيفا، وأدعو إخواني من المصريين الذين يبحثون عن أي متنفس للخروج مما هم فيه، للتفكير في هونج كونج، فالمجال مفتوح وبشدة لمن يتقن الاثنين: الصينية والعربية.
نعم، هناك فجوة كبيرة تنتظر من يشغلها، فرغم تظاهر الصينيين بإتقان الإنجليزية، لكن حوار قصير معهم سيجعلك تلجأ للكلمات البسيطة والسهلة في اللغة الإنجليزية لتتحاور معهم، وبناء على كم العرب الذين قابلتهم في جنبات المعرض وشوارع المدينة، فهناك فرصة كبيرة لمن يتحدث الصينية ثم يقف حلقة وصل بين تجار الصين وتجار العرب، كما وأن قرابة 80 ألف من أهل وسكان البلد مسلمين، ما يفتح الباب أمام صناعة الطعام الحلال، ولو زاد عدد الزوار من المسلمين، لتغيرت أمور كثيرة!
إذا كنت في هونج كونج، ولا يزعجك لقائي، فاترك تعليقا وعنوان بريدك، وإذا كنت زرتها من قبل، فبما تنصحني بزيارته، ولا بأس من تعليقك على أكثر ما أعجبك في هذه المقالة حتى الآن!
للحديث بقية، وللصور مكان!