بتـــــاريخ : 1/4/2011 10:47:41 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1678 0


    رؤية دبي – الجزء الثالث

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :

    كتاب “رؤيتي” للشيخ محمد بن راشد حاكم دبي
    ما يعيبنا اليوم هو أن ذاكرتنا قصيرة المدى، لا تحفظ سوى كل أمر محُبط، والنذر اليسير من يخالف ذلك. تتحدث مع بعض من تظن بهم الحكمة فيحللون لك القضية بأن نجاح دبي يُختصر في كلمة واحدة: البترول. هؤلاء لا يريدون حقًا معرفة السبب الحقيقي وراء النجاح، لأن الحقيقة مؤلمة – للجميع.
    إذا عدنا للوراء مئة عام سنجد أن -ما اصطلح على تسميته دولة الإمارات اليوم- تكونت من تجمعات بشرية سكنت ساحل البحر (أو سمه الخليج)، ومن علوم الجغرافيا والتاريخ نعرف أن مثل هذه التجمعات لا بديل لها سوى امتهان التجارة وصيد الأسماك، إذ أن ندرة المياه والأمطار لا تسمح بالرعي أو بالزراعة إلا في أماكن محدودة وبكميات محدودة. في حالة دبي كان الحال صيد واستخراج اللؤلؤ.
    على مر السنين، ساهم حكام دبي في تشجيع التجارة معها ومنها، ففي عام 1902 صدر قرار بإلغاء الضرائب الجمركية على الواردات كلها، ما أدى لانتعاش التجارة مع دبي والتي تحولت إلى مركز لإعادة تصدير البضائع إلى الدول المجاورة، وانتقل الكثير من التجار للإقامة فيها. شمل الانتعاش التجاري تجارة اللؤلؤ، والتي نمت بشكل كبير، ما أكسب دبي مكانة مرموقة في تجارة اللؤلؤ، أدت لانتعاش اقتصادها. لكن وتيرة الاقتصاد لا تمضي واحدة، إذ ترك الكساد العالمي الكبير في فترة الثلاثينات من القرن الماضي آثاره على العالم كله، وترك بصماته القاسية على أهالي دبي والإمارات والمنطقة كلها.
    لا تأتي المصائب فرادى– ففي ذات فترة الثلاثينات، بدأ اليابانيون تصدير إنتاجهم من اللؤلؤ الصناعي – وعلى نطاق واسع- ما زاد من حدة وشدة الكساد. لصعوبة التفريق – دون استعمال أدوات خاصة – ما بين الطبيعي والصناعي، عمد الناس لشراء اللؤلؤ الصناعي الرخيص. لم تستطع صناعة استخراج اللؤلؤ مجاراة هذه الطعنات بسبب التكاليف المرتفعة جدًا لاستخراج اللؤلؤ الطبيعي، وأصبح واضحًا أن الأزمة لم تعد مؤقتة – بل تحولت لدائمة.
    فهم حكام دبي ضرورة البحث عن بدائل تجارية أخرى غير صيد اللؤلؤ، فحولوا سفن اللؤلؤ إلى سفن تجارية تجوب المدن بحثًا عن فرص تجارية، حتى استعادت دبي موقعها كميناء تجاري حيوي، بعد سنوات عجاف امتدت من بداية الكساد 1929 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945. خلال هذه السنوات لم تسفر محاولات التنقيب عن البترول في دبي عن أي بشائر، ما جعل دبي تعود للتركيز على نشاط إعادة تصدير البضائع، التي تدخلها معفاة وتخرج منها معفاة من الضرائب.
    هذه المرة كان الموعد مع الذهب، الذي نشطت تجارته في دبي، خاصة وأن دولاً كثيرة منعت استيراده بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كان لافتتاح أول مطار دولي في دبي في عام 1959 كبير الأثر على انتعاش التجارة، خاصة الذهب، ما جعل دبي مركزًا من أهم مراكز إعادة تصدير الذهب في العالم. هذا النجاح الكبير رده البعض إلى عصابات تهريب الذهب، لكن الذهب كان يدخل بصورة قانونية، ويخرج بصورة سليمة، وما يحدث بعد ذلك لا يمكن تحميل وزره على دبي.
    يخبرنا الشيخ محمد أن هذه الطريقة في التفكير في تنويع مصادر الدخل، وتشجيع التجارة، والعمل على تحقيق التنمية دون توقف، هي سبب النجاحات التي تعيشها دبي اليوم، وأن خيار دبي الوحيد للبقاء مزدهرة يكمن في عملية تنمية مستمرة تقوم على مبادئ التجارة الحرة والأسواق الحرة والسماء الحرة والإعفاءات الضريبية.
    مما ساعد على نمو التجارة في دبي الخور الطبيعي الذي يقسمها نصفين، بشكل ضمن للمراكب التجارية ملجأ آمناً من العواصف، لكن نمو التجارة استلزم الاعتماد على سفن أكبر لا تستطيع أن ترسو في الخور الضحل، ولحل هذه المشكلة وجب توسيع الخور وتعميقه، لكن من أين التمويل اللازم؟ أسس والد الشيخ محمد صندوقاً مالياً لتمويل توسعة الخور، ساهم فيه بنك محلي، والبقية جاءت عبر قرض من الكويت. توسعة الخور وبناء رصيفين على ضفتيه ساهم في نمو حركة التجارة، لكن الخور بدأ في الوصول إلى طاقته القصوى، ما أوجب معه البحث عن بديل.
    في عام 1963 تم تأسيس شركتين للتنقيب عن البترول، لكن العثور على البترول جاء في عام 1966 في صورة حقل بحري، ثم تبعه حقلان بعد 4 سنوات، وكانت أول شحنة بترول يتم تصديرها في عام 1969، والذي شهد كذلك البدء في تشييد ميناء راشد، ثم تبعتها مراحل توسعة كثيرة للميناء، انتهت بقرار إنشاء ميناء جبل علي، ثم مصنع الألمنيوم، ثم مركز دبي التجاري العالمي.
    في عام 1984 كان لدبي 200 بئر بترول، تنتج قرابة 400 ألف برميل بترول يومياً، لكن منذ هذا التاريخ وغزارة الإنتاج في تراجع. إن بترول دبي لا يكفي لتمويل كل المشاريع العملاقة التي يتم بنائها على أرض دبي. ما سر النجاح، النجاح الذي استمر منذ مطلع القرن الماضي، ولم يؤثر فيه كساد عالمي ولا حرب عالمية؟
    أعلم أني أطلت، لكن لهدف، أحاول منه الإجابة على من يلخص النجاح في كلمات قليلة، مثل بترول أو ذهب أو غير ذلك. نجاح دبي سببه العقول لا الموارد الغنية. نجاح دبي يكشف عورات الفاشلين والمتأخرين والمتخلفين. إن هذا النجاح يعني شيئاً واحدًا: أن من يدير ولم يحقق النجاح عليه أن يترك مكانه لمن يستطيع أن يأتي بهذا النجاح ويحققه، والأمثلة على هذه الحقيقة كثيرة ولا تعد.
    نجاح دبي اعتمد على توظيف ذكي لمهارات الناس، واستغلال أمثل للموارد الطبيعية، مع رؤية بعيدة ومتفائلة، والإيمان بأن الأمان في الاستقرار الاجتماعي، وتحقيق عيشة كريمة للمحكومين، وتوفير أمنهم وراحتهم، وحفزهم على صنع الثروة. دبي اليوم تعتزم التركيز على تجارة الخدمات، وأن تتحول من مركز تجاري إقليمي إلى مركز عالمي للمال وتقديم الخدمات والتجارة الإلكترونية.
    إن هذا الفصل لهو من أهم الفصول في كتاب الشيخ، لذا أطلت في تلخيصه، وأرجو أن تلتمسوا لي العذر، لكن الأمر يستحق.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()