طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان بإعطاء المصريين في الخارج: حق التصويت بل والترشيح في الانتخابات وأكثر من هذا تمثيلهم في البرلمان ـ أي مجلسي الشعب والشوري ومع احترامي للمجلس وأهدافه السامية النبيلة.. فإن ثمة أسبابا ـ نراها قوية ـ تدفعنا إلي الاعتراض علي هذا المطلب.. ليس بالطبع رفضا للحقوق, فنحن أشد حماسة لأن يحصل كل مواطن ـ أيا كان ـ علي كامل حقوقه ـ أيا كانت ـ لكن المسألة أكبر من ذلك, فإن حقوق الفرد مرتهنة بحقوق المجتمع.. والوطن كل متكامل تحكمه مجموعة من الحقوق والواجبات يعبر عنها الدستور وتترجمها قوانين محددة تنظم العلاقات بين الفرد والآخرين ـ بدءا من أسرته الي المجموع.. والي الدولة بمفهومها ـ وبهذا يتحدد ما عليك ان تفعله قبل ـ وهذا وازع وطني أخلاقي المطالبة بما تحصل عليه.
تلك هي القاعدة.. ومع ذلك فإنني مدرك ان كلماتي هذه ستضعني في عش الدبابير وستعرضني لهجمات قاسية من المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يضم خبراء وأساتذة أجلاء.. ومن المصريين في الخارج مع أنهم يعلمون مبدأ أساسيا في المجتمعات التي اختاروا ان يعيشوا فيها ويحملوا جنسيتها بعد ان أقسموا بالولاء لها.. خاصة الأوروبية والأمريكية.. وهو الذي يقول ان من لا يدفع الضرائب.. لا يحق له المطالبة بشيء!. والمعني انه اذا لم تفعل الواجب الذي عليك.. لا يصبح لك حق!!.
وإذا كان المصريون في الخارج يلحون في المطالبة بحق التصويت.. وكرروا هذا المطلب خلال الشهر الماضي عندما جاءت الي القاهرة وفود منهم مثل وفد التحالف المصري الأمريكي والتقوا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان وبشخصيات مختلفة, كما كان لنا حظ لقائهم.. فإننا قلنا و.. نقول لهم.. ان هذا شعور عظيم منهم لرغبة المشاركة في شئون وطنهم الأم.. ولكنهم اذا كانوا ينادون بذلك تأثرا بمواطنيهم الأمريكيين الذين يصوتون ـ خاصة في الانتخابات الرئاسية ـ وهم خارج البلاد.. فإن الرد يجيء بأن هذا صحيح غير انه ينبغي تطبيق الواجب المقابل للحق والذي يؤديه المواطن وهو دفع الضرائب حتي ولو كان يعمل ـ لسنوات طويلة ـ في أي بلد. وهذا قانون إلزامي.. يعد التهرب منه أو التحايل عليه.. ضربا من ضروب الخيانة.
وللتصحيح.. فان مقصدي ليس مجرد جباية أموال.. وإنما إذا أردنا تطبيق معايير حقوق الإنسان فيتحتم ان يكون ذلك من خلال نظرة كلية شاملة تراعي حقوق المواطن والوطن.. وفيما نتصدي له تحديدا ـ وهذا ما كان مأمولا من المجلس القومي لحقوق الإنسان لكنه للأسف تناول جزئية واحدة مع ان الأجدر والأكثر منطقية عدم البت في هذه وانما اغتنامها لتكون مدخلا لمناقشة قضية المصريين في الخارج برمتها.. وهي تستحق المناقشة وصولا الي صياغة إستراتيجية ثابتة للتعامل معهم.. فإنه برغم وجود عدد يصل الي ما بين ثمانية وعشرة ملايين في الخارج.. ورغم ان تجربة هجرة المصريين الي الخارج ـ سواء كانت مؤقتة أو دائمة ـ قد زادت علي مدي العقود الخمسة الماضية.. ورغم تجارب التعامل معهم من خلال أجهزة حكومية وصلت إلي حد إنشاء وزارة دولة ثم إلغائها.. فإننا حتي الآن نتخبط, فلا توجد استراتيجية ثابتة ولا توجد جهة واحدة مسئولة عن القضية!
ولعلني وبصراحة أقولها إن الحساسيات ـ ولا أريد القول: الصراعات ـ الشخصية تؤدي إلي تشويه الحقيقة وضياع المصلحة!
وتحديدا: ما هي الجهة المسئولة عن المصريين في الخارج؟
الإجابة: انه توجد وزارة الخارجية.. وبها مساعد للوزير مسئول عن المصريين في الخارج.. كما يوجد صندوق ـ أقر البرلمان إنشاءه ـ يختص بالتعامل مع الكوارث التي تقع للمصريين في الخارج.. وفي نفس الوقت توجد وزارة القوي العاملة والتي أضيفت إليها شئون الهجرة.. وتختص بتلقي وتسفير العمالة للخارج.. وتوجد وزارة الداخلية من خلال مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية.. وكذلك مصلحة الأحوال المدنية المختصة باستخراج الرقم القومي للمصريين هنا وفي أي مكان في العالم.. كما يوجد اتحاد للمصريين في الخارج.. لكنه مشلول!!
وهذه الجهات وغيرها تطبق قوانينها في تعاملاتها.. ولكن لا توجد استراتيجية محددة شاملة.. بل ولا يوجد احصاء محدد سليم عن عدد المصريين في الخارج ومناطق وجودهم ونوعية أعمالهم.. وعائلاتهم.. وما إلي ذلك من بيانات..
إنني أراهن انه لا توجد بيانات دقيقة رغم علمي انه توجد بعض الإحصاءات والأرقام في الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء.. لكنها محدودة وقد تحتاج الي تحديث.. والمشكلة انه لا يوجد الزام علي المصري بتسجيل بياناته ـ لا قبل سفره ولا بعده ـ في السفارة أو القنصلية ـ مع أهمية ذلك في الأحداث والمناسبات المختلفة.. مع العلم, أنه توجد نوعيات متعددة للموجودين في الخارج, فهناك, المبعوثون الذين يدرسون دراسات عليا سواء موفدين من الحكومة أو علي نفقتهم الخاصة, كما يوجد المعارون رسميا من الحكومة وهؤلاء خبراء ومدرسون ومن مهن مختلفة ـ وكذلك العاملون بعقود شخصية ـ وهذه الفئات السابقة ـ عدا الدراسات العليا ـ توجد غالبا في البلاد العربية ـ أما في البلاد الأخري خاصة الولايات المتحدة وكندا واستراليا واوروبا ـ فإنه يوجد اصحاب الدراسات العليا وعدد من أصحاب العقود الشخصية والذين هاجروا بصفة دائمة..
ولا أحد ـ كما ذكرنا ـ يعرف الأرقام تحديدا..
وغير الأرقام.. فإن ثمة سؤالين متداخلين: ما الذي يريده المصريون في الخارج من الوطن الأم وما الذي يريده الوطن الأم منهم؟.
وقبل هذا وذاك.. وهنا المشكلة الكبري فإنه لا توجد قنوات تواصل مفتوحة دائما ومستمرة بين مصر وكل هؤلاء.. واذا درسنا الكتلة الفاعلة فيهم ـ أعني الأجيال التالية من الأبناء والأحفاد ـ فإننا نجد المعلومات مفتقدة عن الوطن الأم لأنها لا تصل بآلية منظمة وتضيع في زحام تدفق المعلومات وتنوع اهتمامات الشباب..
ومن ثم ودون استطراد.. فإن المسألة, كما قلت, تحتم ان نهتم بها.. واقترح ان تتضافر الجهود للمطالبة بانشاء وزارة دولة للهجرة والمصريين في الخارج أو.. قطاع في وزارة الخارجية يتولي هذا الاختصاص برئاسة نائب للوزير ـ يكون تعيينه بقرار سياسي من رئيس الجمهورية وليس مجرد سفير بحكم الأقدمية يستمر فترة ثم ينقل او يسافر ـ ولكي تتاح الفرصة لاختيار سفير سابق أو شخصية معينة تتوافر فيها القدرات المطلوبة.. وتصبح هذه الجهة مسئولة مسئولية كاملة وتنسق مع الوزارات والجهات المعنية.. ويكون لها اشرافها ـ وليس تدخلها ـ علي اتحاد المصريين في الخارج الذي ينبغي اعادة تشكيله.. وعلي أساس وجود بيت لمصر في كل دولة بها مصريون يشكلون فيها ـ حسب قوانين الدولة ـ اتحادا أو جالية أو رابطة.. ويتحقق وجود قنوات وصل واتصال.. وخلال ذلك يجري بحث مطلب دفع الضرائب.. وعلي أي أساس؟.. وكيف تكون؟.. وما هو المقابل؟.. وذلك في اطار حقوق المصري في الخارج ـ وبينها التصويت والترشيح بضوابط محددة ـ وفي اطار الواجبات تجاه المجتمع الأم.. وبهذا كله ـ وليس بغيره ـ تكون منظومة حقوق الانسان.. للمواطن و.. للوطن.