بتـــــاريخ : 8/7/2008 7:18:13 AM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1536 0


    مَن المذنب؟

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : غادة إبراهيم الجرمي | المصدر : www.amrkhaled.net

    كلمات مفتاحية  :

    مَن المذنب؟...

    ((إليكم قصتي...بل مأساتي...

    عشتُ في بيت لطيف أنيق يحتوي أفخم الأثاث وأجمله...لدي شقيقة واحدة تكبرني بأربع سنوات...ليست المشكلة في بيتنا ولا في شقيقتي...إنما المشكلة في أمي وأبي...

    أبي ذلك الرجل المحترم الذائع الصيت...ربّاني كأحسن ما تكون التربية..لكن أي تربية؟.اشترى لي تلفازاً وجهاز حاسوب..وطبعاً أنترنت..ترك لي حريتي في كل شيء..نعم في كل شيء...أخرج متى أريد..وأعود متى أريد...لم يهتم بتنشئتي على الأخلاق الإسلامية....تركَنا على حريتنا.....وماذا كانت النتيجة؟..زوجة منفتحة على الدنيا تأخذها الأهواء وتلعب بها الشهوات..وأبناء فاسدو التربية لا يحملون أهدافاً...ربتني أمي على حب (الموضة) وآخـر ( الصرعات ) والأزياء...علمتني كيف تكون أذني موسيقية فأهدتني أشرطة الأغاني ...تركتني أتخذ أسوأ الصديقات ولم تقل لي مرة لا تفعلي هذا....

    إن قدوة الفتاة الأولى هي أمها...وأنا كانت أمي قدوتي...كنت أراقبها منذ صغري وهي تسرّح شعرها الأشقر ..وأراقبها باهتمام متزايد وهي تختار ثيابها وتتفنن في إبراز أناقتها....بصراحة كانت أمي رائعة...كان لديها خلفية عن الإسلام لكنها لم تكن ترى صورته بوضوح...لذا أخطأت في الفهم..فعاشت في الوهم....كل يوم تدخل المشاكل بيتنا...وصداع رأسي يزداد يوماً بعد يوم..يقول الطبيب أن سبب الصداع هو نقص في فيتامين B12 ...وأنا أقول أن سبب الصداع هو كثرة المشاكل التي تعصف ببيتنا...أختي الكبرى انضمت إلى القافلة...فأخذت تتسع دائرة اهتماماتها وأخذت تنفتح على الحضارة الفاسدة يوماً بعد يوم....كان موقفي متناقضاً...كنت أشعر أحياناً بالتعاسة تجتاحني...لكن رَكب (الموضة) يناديني فأسرع لألبّي النداء...أمي لم ترسم على شفتي كلمة "الله"...أبي لم يعلمني الصلاة...لم أسمع أمي ترتل القرآن...حتى في شهر رمضان...كان الصمت يخيم على البيت...وفي ليالي رمضان كنا نسهر حتى طلوع الفجر...لا للعبادة والقيام...بل لمشاهدة أفلام رمضان...ويا لها من أفلام....لقد ربّتني ثقافة التلفاز...نعم...إن التلفاز أخذني بين أحضانه منذ كنت طفلة...وأسبغ عليّ الحب والحنان...وأمدّني بثقافة تلفازية رائعة ستظل وصمة عار على جبيني...

    صفعتني أمي ذات مرة حين أسأت الأدب معها...لكنها لم تصفعني يوماً لأنني أسأت الأدب مع الله....أمي تتعذب يومياً من سوء معاملتنا لها..أنا وأختي –بصراحة- نسيء الأدب معها ولا نعير أوامرها اهتماماً...والدي لا يحترمها..أو على الأقل لا يظهر احترامه لها أمامنا....بصراحة..أبي لا يحترم أمي....لقد ترك عيون الرجال تختلس النظر إلى قوامها الرشيق وإلى شعرها المسترسل على كتفيها...لماذا لا يشعر بالغيرة؟...أليس مسلماً؟...أليس من أهم مبادئ الإسلام الفطرية هي الغيرة على محارمه؟...فلماذا لا يغار علينا؟...أيهون عليه أن نضيع؟...

    أمي التي احتوتني بذراعيها وأنا طفلة... أفنت شبابها وشعلة عمرها لأجلي أنا وشقيقتي...أيهون عليها أن نُلقَى في الجحيم؟...إنها تخاف عليَّ أن أخرج في حر الشمس...كي لا تتأثر بشرتي...فلماذا يهون عليها أن تلقي بنا – نحن فلذات كبدها- في نار الجحيم؟....

    وكبرت أختي "أمل" واستعدت لدخول الجامعة ...كنت أراقبها كل صباح وهي تستعد للذهاب إلى الجامعة...كانت تحرص على ارتداء أحدث الثياب والأحذية و تحرص على استخدام أجود أنواع ( الماكياج)...تساءلتُ مرة في نفسي: لماذا لا ترتدي أختي الحجاب؟...فجاء الجواب كصفعة قوية: لأن أمي أيضاً لا ترتديه...

    أذكر حينها أن دمعتين ساخنتين تقاطرتا على خدي....فمسحتهما بأسىً...لكن سرعان ما انهمرت الدموع وانهالت ...كنت أعرف مصير أمي وأبي وأختي...وللأسف..مصيري كذلك...

    لم أستطع النوم تلك الليلة...كان قلبي في صراع....كنت أعشق سماع الأغاني..وأعشق الموضة والثياب الجميلة ...لكنني في نفس الوقت أحتاج لشيء آخر...كنت أراقب" صفاء" زميلتي في الصف...أقول في نفسي: لماذا تبتسم طوال الوقت؟...إن وجهها صاف كقطرة الماء..كلامها حلو كالعسل...دائماً تمسك بمصحف أزرق صغير...ألا تعيش مأساة كمأساتي؟...أليس لديها أسرة كأسرتي؟..كانت الأيام تبتسم لصفاء...الرضا يملؤ نظراتها...والأمل يضيء جبينها..إنها تربية القرآن....نظرت إلى صديقاتي...رندا وسماح وندى....كلهن على شاكلتي...بل وأتعس حالاً مني..لكننا لم نظهر هذا الإحساس لبعضنا أبداً....إن كل شيء غامض وكئيب وسخيف...كنت أشعر بالسعادة كلما شاهدت فيلماً   أو سمعت أغنية ..لكنني دون أن أدري كنت أقتل روحي رويداً رويداً...لم أكن أدري أن روحي مريضة بحاجة إلى دواء شاف...بحاجة إلى لمسة حانية....كنت أعتقد أنني أشعر بالسعادة...لكنني في الحقيقة لم أكن كذلك....كنت أبكي كل يوم بغير سبب....

    سامحك الله يا أمي....أهان عليك أن تدعيني هكذا؟...أنا أتألم يا أمي....أنا بحاجة إلى شيء آخر...غير الثياب والأشرطة والأفلام....أنا بحاجة إلى الله....

    أدركت هذه الحقيقة متأخرة...حين كان الزمن قد دار وسرقت الأيام شقيقتي الكبرى....

    لقد ماتت "أمل".....

    رأيت أمي وهي تتلقى الخبر..كانت أعنف صدمة تلقتها أسرتي...رأيت أمي تصرخ بجنون..ورأيت أبي يقف بذهول ....وأنا لم أكن أدري ماذا أفعل.....أحقا ماتت "أمل"؟..

    أختي التي أحبها..ماتت؟...هل الموت قريب إلى هذا الحد؟...هل الموت مخيف بهذا الشكل؟...هل هو قاس إلى هذه الدرجة؟....

    استيقظت من أفكاري على صوت صراخ والدتي...فلم أتحمل سماع صرخاتها أكثر من هذا...انطلقت إلى غرفتي وأقفلت الباب وارتميت على فراشي غارقة في بحر من الدموع....

    مضى يومان على انتهاء العزاء والبيت يعيش حالة غريبة من الصمت والكآبة....

    كنت طوال هذه الأيام معتكفة في غرفتي مرخية لتفكيري العنان....أخذت أفكر بشكل صحيح ولأول مرة في حياتي....

    " أمل" ماتت...ولم تقدم لآخرتها شيئاً...أغمضت عيني وتخيلتها وهي واقفة والله تعالى يسألها....

    يا حبيبتي يا أختي...ماذا عساك تقولين وأنت غارقة في بحر الذنوب إلى أذنيك...واحسرتاه على شبابك الغض وجمالك الرقيق...ماذا ستقولين لخالقك يوم السؤال؟...رنَّ هذا السؤال في أذني: بل ماذا سأقول أنا؟....

    "يا خالقي الرحيم سامحني"...كلمات قلتها من أعماق قلبي...وانهالت دموعي ساخنة غزيرة...دفنت وجهي بين ذراعَيَّ وأخذت أبكي....

    رباه سامحني....رباه سامحني...لقد اكتشفت الحقيقة متأخرة...رباه سامحني....

    أخذت أبكي وأكرر هذه الكلمات ساعة كاملة....و اكتشفت شيئاً حينها....اكتشفت أنني أحب الله...أحبه حباً يملأ كياني ووجداني..لكأن هذا الحب كان موجوداً معي منذ جئت إلى هذه الدنيا..لكن الآن فقط رأيته وشعرت بدفئه...

    اكتشفت أن الله كان معي في كل لحظة من لحظات حياتي....اكتشفت أنه كان يحميني ويرعاني ويحرسني....اكتشفت كم كنت مخطئة بحقّه ...لقد أراد الله تعالى بي خيراً حين أخذ مني شقيقتي....أراد أن أكتشف هذه الحقائق كلها....كان بإمكاني اكتشافها منذ زمن...لكن القدر كان سريعاً...فماتت أختي بلمح البصر..وها أنا عدت إلى رحاب الله...

    هذه رسالة إلى كل الناس.... إلى كل فتاة وإلى كل أم وإلى كل أسرة..

    لكي لا تعيشوا مأساتي.... لكي لا تتخبطوا في الظلام : أَحِبُّوا الله...

    غادة إبراهيم الجرمي

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()