توجَّه شعب مصر يوم السبت 19/3/2011م للاستفتاء على رأيه في التعديلات الدستورية، وهذا الاستفتاء غريبٌ على شعب مصر لأنه يتم دون وجود رئيس للبلاد، ودون علمٍ مسبقٍ بالنتيجة فلا أحدَ يعلم النتيجة لا شرطة ولا حكومة ولا حتى القائمون على الاستفتاء، فالكل ينتظر الفرز وإعلان النتيجة.
والأغرب من كلِّ ما سبق أن الاستفتاء جاء بعد مناقشاتٍ ساخنة ومستفيضة بين أصحاب (نعم)، وأصحاب (لا) من خلال شاشات التليفزيون، وصفحات الجرائد والمجلات، كما دخلت أطياف بسبب هذا التعديلات إلى المعترك السياسي لأول مرة؛ حيث لم يسبق لها نهائيًّا أن شاركت في ذلك.
وجلس المراقبون ينظرون إلى أول حدث سياسي كبير يحدث في مصر بعد ثورة 25/1/2011م ماذا سيحدث فيه وكيف سيتم وما هو رأي الشعب، وخرجت تقارير المنظمات الحقوقية التي تراقب الاستفتاء دون الإشارة إلى أي تزوير، أو تسويد للبطاقات، أو منع المواطنين من دخول اللجان.
وأغرب الغرائب أنه ولأول مرة بمصر يكون لكلمة (نعم) مذاق خاص وحلاوة غريبة في نفوس أصحابها حتى وصل الأمر بالبعض أنه كان يبكي وهو يقول (نعم) التي لوَّثها الطاغية السابق ونظامه الفاسد. وتم الاستفتاء- بفضل الله وحده- وأعلنت النتيجة فكانت نسبة (نعم) 77.2% لذلك أردتُ كمصري أن أوجه رسائل لشرفاء مصر:
* إلى شرفاء مصر الذين قالوا (نعم).. لقد آمنتم بقضية هي أن (نعم) للتعديلات تؤدي إلى استقرار مصر، وتُعجِّل بعودة الجيش المصري العظيم إلى مواقعه، وتُعجِّل أيضًا بإلغاء قانون الطوارئ، ونزول الشرطة بالكامل للبلاد للحفاظ على الأمن، كما أنها تُسرع بعمل دستورٍ جديدٍ للبلاد من خلال مجلسي الشعب والشورى ورئيس للجمهورية والجميع منتخب انتخابًا حرًّا نزيهًا، والسبب في تلك النظرة أنكم اعتبرتم تلك التعديلات وسيلة وليست هدفًا؛ لذلك أقول لكم لقد أعطاكم الشعب ثقته وحملكم مسئولية ثقيلة وأمانة عظيمة، فعليكم أن تظلوا بهذا الفهم الواعي والإدراك السليم والقراءة الصحيحة للأحداث، فالطريق طويل وقد بدأتم السير فيه، فإياكم والفرقة لأن المتربصين بكم كثيرون وسيرصدون هذا التلاحم، ويحاولون شق الصف لضعف قوتكم والقضاء عليكم؛ حيث أصبحتم أمل هذا الشعب العظيم.
* إلى شرفاء مصر الذين قالوا (لا).. لقد آمنتم بقضية هي أن (لا) للتعديلات تؤدي إلى إيجاد دستور جديد ولا داعي لتلك الرقيعات، وتمنع تولي طاغية حكم مصر مرةً ثانية بناءً على الدستور القديم دستور 1971م، وتعطي فترةً للأحزاب لكي تلتحم بالشعب قبل انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ولكن أيها الشرفاء لقد عرضتم وجهة نظركم على الشعب وكنتم الأعلى صوتًا والأكثر كتابةً، ولكن الشعب اختار بحرية دون ضغط أو رشاوى انتخابية الوقوف بجوار الفريق الآخر فريق (نعم) للاستقرار؛ لذلك أقول لكم: الجميع يحب مصر ويرجون لها الخير، فعليكم أن تلتحموا مع الأغلبية التي وافقت على تعديل الدستور لنعمل جميعًا على بناء نظام ديمقراطي في مصر، تكون كل أحداثه عرسًا للديمقراطية نختلف فيه معًا، ونتجاذب الحوار ثم نخرج جميعًا أبناء بلدٍ واحدٍ اسمه مصر نبني فيه ونحارب بل نقاتل مَن يريد أن يهدم فيه ولو قليلاً.
* إلى القضاة شرفاء مصر.. لا أقول لكم لقد نجحتم، فأنتم- والحمد لله- في نظرنا ناجحون في أداء مهمتكم، وقد فعلتم ذلك أيام حكم الطغاة في انتخابات عام 2005م، ولكن أقول لكم أمامكم مشوار طويل ومهام متعددة تحتاج منكم إلى حكمة وبصيرة وبذل جهد وإنكار ذات وتفانٍ وصبر وتصدٍ لأية محاولةٍ باطلةٍ أو معوقةٍ لأي إصلاح حتى تقودوا مصر إلى برِّ الأمان وتحققوا لها الديمقراطية التي كنا نحلم بها لكي ينعم فيها أولادنا وأحفادنا.
* إلى جميع أفراد المؤسسة العسكرية الشرفاء.. لقد وعدتم شعب مصر، وها أنتم تنفذون ما وعدتم به، ونجح- والحمد الله وحده- أول استفتاء حقيقي حر نزيهة يتم على مستوى الأمة العربية والإسلامية، ولقد أعطيتم درسًا لأفراد وزارة الداخلية في كل مكان، أن من حمى الشعب واحترم إرادته، يحميه الشعب، ويضحي من أجل، فلم نجد أمام لجان الاستفتاء دبابات ولا عربات مصفحة ولا ضباط في ذي مدني ولا مخبرين مندسين بين الأفراد، فقد كان أفراد القوات المسلحة في اللجان لا يتعدى عدد أصابع اليد والواحدة، وفي أماكن كثيرة لا يوجد أي ضابط بل أفراد من صف ضباط أو عساكر، ومع ذلك كان الكل يعتبر نفسه خادمًا لهم، وينفذ أوامرهم عن بسرعةٍ وعن حب واحترام بل وفخر وعزة. فهنيئًا لكم أفراد القوات المسلحة، وهنيئًا لشعب مصر بكم.
* إلى كل شعب مصر الشرفاء.. الحمد لله أشعر أن الله سبحانه وتعالى أنجح تلك الثورة ليحقق هذه الآية: ﴿ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 99) فعملوا على أن تكون مصر بلدًا أمانًا لكم ولغيركم.
أيها الشعب العظيم إني أتساءل متعجبًا ممن يظن أن هؤلاء الملايين التي خرجت طوعًا وحبًّا في الإدلاء بأصواتهم وأداء الواجب الوطني أنه يمكن أن تنخدع بالشعارات، أو تُشترى بالمال الذي سرقه منهم رجال أعمال الحزب الوطني الذين لم يُحاكموا بعد.
أيها الشعب العظيم أُذكركم بقول الله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 129)، وقد أهلك الله عدوكم الذي أذلكم سنواتٍ طوال، وهو سبحانه وتعالى ينظر إليكم ماذا ستعملون بعد أن مكنكم في الأرض، فالحمد لله قد بدأتم مشوار التمكين بهذا الاستفتاء الجميل فلتكملوا المشوار، ولا تنسوا أن لكم أعداء بالخارج والداخل يتربصون بكم كشعبٍ؛ لأنهم يعلمون أن نهوضكم نهوضٌ للأمة العربية والإسلامية، فكونوا حائطًا تتكسر عليه مؤامراتهم، وأعلنوها أنكم بناء هذا الوطن.
وهذا من أجمل ما أُهدي لي عن طريق الإميل:
مَن قال (لا) هم إخوتـــي أما أنا قولي (نعــــم)
وأهمُّ شيء عندنـــــا بالله دومًا نعتصـــــم
ونعيش أجواءَ النزاهـــة نستفيدُ ونغتنــــــم
أيًّا تكونُ هي النتيجــــةُ كلُّنا بها يلتــــــزم
والحبُّ يجمعُ شملنــــا والعدلُ مرفوع العلــــم
يا مصرُ دومًا للأمــــام بشعبِك الحرِّ الأشَــــم
-----------
*