لؤي عمران
كانت سعادتي لاتوصف لما سمعت إن شباب الجامعات خرجوا إيد في إيد مع أساتذتهم و إخوانهم من أعضاء هيئة التدريس للمطالبة بتطهير الجامعة، من الرموز التي فرضها عليهم النظام السابق و جهازه الأمني عنوة في كافة المناصب القيادية بدأَ من عمداء الكليات، و المطالبة بإجراء إنتخابات فورية على مقاعد تلك المناصب.
كان في سبيبين ورا فرحتي. الأول، وهو الأهم، هو إني كنت أتمنى إن الجامعات يكون ليها السبق و بالتالي الريادة في هذا الدرب ، و ده لكونها تحتوي على نخبة و خيرة العقول المصرية، و بالتالي يفضل أن تكون هي من يضرب المثل الأعلى الذي يقتدى به، في كل ما يلي من عمليات التطهير لمؤسسات مصر ما بعد الثورة، و أيضاً لأنها في أمس الحاجة لتنقية مناخها السياسي في أسرع وقت ممكن، حتى يتهيأ شبابها و مثقفيها ليقودو حملة تنوير الشعب الذي يعاني قرابة نصفه من الأمية، وهو واجب الجامعيين بكل فصائلهم و مستواياتهم كخط الدفاع الأول و الدرع العقلي البشري، الذي يستطيع أن يحمي باقي الشعب من التضليل في تلك المرحلة الحرجة بكل ما تلزمنا به من قرارات مصيرية، قد لا يملك ضحايا النظام السابق من بسطاء الشعب الأميين القدرة على البت فيها، فيقعو فريسة لكل أفاق و متسلق. السبب التاني، وهو شخصي، هو أني كنت قد أطلقت على أولى مقالاتي بعد يوم 25 يناير عنوان "إحنا بتوع التحرير" ثم إكتشفت إنه تحول إلى شعار يرفعه طلبة الجامعات بجانب مطالبهم، و يا له من شرف يتمناه أي كاتب بقدري المتواضع... و لكن بعد تتطور أحداث كلية الإعلام جامعة القاهرة نقدر نقول يا فرحة ما تمت خادها الغراب و طار!
المتابع للأحداث دي حيلاقي نموذج مصغر للحياة السياسية في مصر ما قبل الثورة و أثناءها، لدرجة إني و أنا بأتفرج على الفيلم ده كنت أكاد أتوقع إللي جاي و ده مش لأني عبقري، و لكن لأنه مكرر بكل عناصره. فنلاقي السيد رئيس الجامعة و كأنه مستنسخ من السيد رئيس الجمهورية السابق، تأخذه العزة بالأثم الفرعوني إياه، و يتمادى فى ماراثون العند مع الشعب الذي يلعب دوره الطلبة و أعضاء هيئة التدريس، و يفرض عليهم العميد الذي لا يرغبون غاليبيتهم العظمى في إستمراره، كما كان الحال مع كل وزير يبغضه الشعب فتتحول هذا الرفض الشعبي إلى مادة لاصقة "شديدة اللزوجة" تضمن إلتحامه بالكرسي أطول فترة ممكنة. بل و يتمادى "الريس" فى عناده مع إستمرار الإعتصام إلى درجة أنه يرفض إستقالة العميد المرة تلو الأخرى، و هذا طبعاً بمبدأ إنهم "ما يخدوش على كده" و "لحسن يفتكرو إنه بيشتغل عندهم" و "هي الروس إتساوت و لا إيه"؟! و يستمر الإعتصام مع إستمرار الريس في تجاهل الحل السياسي المبني على الحوار، و مع مرور الوقت، بكل ما يسببه من تقلصات لعضلات وجه الريس، يلجأ سيادته إلى الحل الأمني. و بدخول الجيش كعنصر أمني، سواء بناء على طلب الريس أو متبرعاً، يبقى كده كل عناصر الصورة إكتملت و "بينا عـ التحرير" !!
أعتقد إن دي أول مرة يدخل فيها الجيش المصري الحرم الجامعي، و إن كنت قد أصبت يبقى نعمل من تاريخ هذا الحدث الجلل مناسبة قومية نسميها "اليوم العسكري الجامعي المصري"، و بكده يبقى سجلنا للتاريخ إن لينا السبق في تقديم المفهوم الجديد ده للبشرية، و خلي العالم يشوف مصر و يتعلم كل جديد كل الوقت!
الملفت للنظر أيضاً إن الحوار المتبادل بين عناصر هذه المسرحية المكررة المقررة، يذكرنا بلغة الخطاب السياسي في مصر قبل الثورة. الريس لا يعلق إلا متأخراً و عندما يفعل يتعمد تجاهل جوهر المشاكل، و يركز على التحذير من العواقب و طبعاً لا ينسى الكلام بإسهاب عن "الفوضى"! الوزير و الذي يلعب دوره العميد في تلك الحالة، يقول لك أنا مستعد أمشي و آدي إستقالتي لو عايزين بس البلد (إللي بتتمثل في شخص الريس بالنسبة له) عايزاني و أنا مش ممكن أتنازل عن واجبي الوطني، علشان "قلة مندسة بياكلو كنتاكي"!!. أما على الجانب الآخر نلاقي الشعب مش راضي يتنازل، و مع مرور الوقت تعلو أصوات قلة مندسة "بجد" بين صفوفه من المنتفعين المحسوبين عليه من القليل من أعضاء هيئة التدريس و الكثير من العاملين و الأكثر من العمال البسطاء و إللي هم كلهم بيلعبو دور الحزب الوطني و فلوله، و يقولو "ما تسبناش يا ريس" و "ما نقدرش على بعدك أبداَ"، و ناقص يتجمعوا عند جامع مصطفى محمود و يتوجهو إلى التحرير علشان يأدبو العملاء إللي هناك، و بالفعل يبدأ الإحتكاك و التهديد و أعمال البلطجة، فيبقى ضروري يحصل تدخل أمني لحسن الدنيا حتولع!! و بالفعل يدخل الجيش بدعوى إخراج عميد الكلية لضمان سلامته!! مع إن ده أصلاً هو إللي "الشعب الجامعي" طالبه و لو كان خرج لوحده, ما كانش حد حيمنعه بس يمكن هو كان يفضل يخرج بالزفة الميري دي و كل واحد و ذوقه!
و يدخل الجيش الحرم الجامعي برجله اليمين و الشمال كمان لأنه مش بس بينقذ العميد من براثن البلطجية من الشعب الجامعي الغوغائي، و لكنه بينقذ الجامعة من هذه المؤامرة و يفديها بروحه، و يفض الإعتصام بالقوة بالإستعانة بالفرقة الكهربائية المدرعة، و خطوة عزيزة و خدو راحتكو و إنتو مش ضيوف طبعاً و تحيا جمهورية مصر الجامعية!