قوَّضت الاحتجاجات الشعبية فكرة أن "الإرهاب الجهادي" هو البديل الوحيد للأنظمة الراهنة، وهو السبيل الوحيد لمواجهة تلك الأنظمة.
في الوقت الذي تتحدى فيه الانتفاضات النظام القديم في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هنالك ثمة تنظيم بالكاد لعب أي دور يُذكر حتى الآن في كل ما يجري، وذلك على الرغم من زعمه على مرِّ السنوات الماضية أنه يشكِّل طليعة القوى الداعية لإسقاط الأنظمة الاستبدادية: إنه تنظيم القاعدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: تُرى، هل لا يزال تنظيم القاعدة هذا ذي صلة بكل ما يحدث؟ وهل تشكِّل هذه الانتفاضات خطرا عليه، أم هي فرصة لتعزيز دوره؟
يعتقد الخبراء أن القاعدة أثبتت، على المدى القصير، أن ردود فعلها تأتي بطيئة، وهي أيضا تكافح لترك أثر ما على الساحة، لطالما ضعفت مكانتها وجرى تقويض إيديولوجيتها.
يقول نايجل إنكستر، النائب السابق لرئيس الاستخبارات البريطانية، والذي يعمل حاليا لصالح المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "لقد سعى أيمن الظواهري (الرجل الثاني في تنظيم القاعدة) على مرِِّ السنوات الثلاثين الماضية للإطاحة بالنظام المصري عن طريق العنف. وقد تمكَّنت مجموعة من ناشطي الطبقة الاجتماعية الوسطى، مسلَّحة بهواتف خليوية فقط، من تحقيق ذلك الهدف في أقل من شهر واحد."
ويضيف إنكستر: "وبالكاد يُنظر إلى ذلك على أنه تأييد مدوٍّ للمثل الذي ضربه الجهاديون لإنجاز مثل هذا العمل."
"إرهاب جهادي"
يركِّز الإسلاميون في ليبيا جهودهم على مواجهة العقيد معمَّر القذافي.
وبالتأكيد، فقد قوَّضت الاحتجاجات الشعبية فكرة أن "الإرهاب الجهادي" هو البديل الوحيد للأنظمة الراهنة، وهو السبيل الوحيد لمواجهة تلك الأنظمة.
فالمسؤولون الغربيون يراقبون بشكل لصيق ما يجري في اليمن، إذ يقول نعمان بن عثمان، وهو ناشط سياسي ليبي وجهادي سابق يقول إنه عرف زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن في أفغانستان، لكنه يعمل الآن في مؤسسة "كويليام" للأبحاث المتعلقة بمناهضة التطرف:
"ما نشهده الآن هو بالكامل ضد أساليبهم أو فهمهم لكيفية إجراء التغيير".
وعلى الرغم من أن القائد العسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) كان قد تحدث عن وجود "ومضات" للقاعدة في ليبيا، إلاَّ أن المسؤولين الأوروبيين يقولون إنهم لا يرون ثمة إشارات تدل على وجود قوي للتنظيم في تلك البلاد.
مواجهة العقيد
وبينما يُنظر إلى بعض الإسلاميين، وغالبا الأعضاء السابقين منهم في ما يُسمَّى بـ "المجموعة الإسلامية الليبية المقاتلة"، على أنهم يركِّزون جهودهم على مواجهة العقيد معمَّر القذافي في الداخل، وليس كأعضاء في تنظيم القاعدة يقاسمونه طموحاته على نطاق واسع.
ويروي بن عثمان أيضا كيف أنه شاهد شخصيا جهاديين في ليبيا يقول إنه يعرفهم، وقد بدأوا يغيِّرون طريقة تصرُّفهم وكلامهم خلال الشهرين الماضيين.
ويضيف: "إن الطريقة التي يبدأون بها الإدلاء ببيانات وتصريحات، أو أسلوب فهمهم للصراعات، هما أمران يصعب على الخيال تصديقهما. فالتفسير الوحيد الذي يمكنني تقديمه هو أن ذلك يحدث لأنهم قد تأثروا بموجة الديمقراطية، سواء أحبوا ذلك أم لم يحبوه."
فقد كافحت القاعدة لكي تصدر ردا على الوضع الذي يتبدل بشكل سريع. ومثل الكثيرين، فقد بدت وكأنها مذهولة من سرعة التغيير."
ففي عددها الأخير، تناقش مجلة "إنسباير"، والتي تتبع أسلوبا صارما في الإنتاج والتحرير، إن ما تعتبره "تسونامي التغيير" في المنطقة سوف يمد القاعدة بمزيد من الحرية التي ستساعدها على التحرك بسهولة ويسر أكثر.
وهنالك أيضا مخاوف من أن القاعدة سوف تتمكن من استغلال الفوضى في بعض الأماكن.
انعكاسات أمنية
وحول ذلك يقول إنكستر: "وعلى وجه الخصوص، أمام اليمن إمكانية أن تتطور إلى دولة فيها مساحات أكبر لا تخضع لحكم جهة بعينها، وسوف يكون لذلك انعكاسات أمنية سلبية جد كبيرة."
يصرُّ اليمنيون على رحيل رأيسهم، رغم ما قد يسببه ذلك من مخاوف بشأن "الحرب على الإرهاب".
وخلال فترة العام والنصف الماضية، تصدرت اليمن قائمة المناطق التي ينتاب المسؤولين الغربيين العاملين في مجال مكافحة الإرهاب القلق بشأنها.
فيرى المسؤولون الغربيون أن فرع "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" سيكون بشكل رئيسي مجرََّد خطر إقليمي بالنسبة لليمن نفسها وللسعودية، لو لم يكن الأمر يعود لوجود مجموعة صغيرة ومتماسكة من الأفراد، بمن فيهم أنور العولقي المطلوب من قبل الولايات المتحدة.
فهذه المجموعة لديها القدرة على الوصول إلى الشباب، وإلى الجماهير الغربية من خلال استخدام وسائل الإعلام، بالإضافة إلى عدد من خبراء صناعة القنابل الذين تمكنوا من صناعة الأجهزة التي استُخدمت على متن الطائرة التي كانت متجهة إلى ديترويت، وفي محابر طابعة على متن رحلات طائرات شحن، كانت على مستوى من الدقة والتعقيد، لم تُرَ من قبل.
وبينما عملت الولايات المتحدة بشكل وثيق مع حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، فإن الأخير لم يكن دوما هو الشريك الأكثر فاعلية في مواجهة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وليس ذلك بسبب حاجته لأن يتعامل مع كافة التحديات الداخلية الأخرى التي كان النظام يواجهها.
وحدات الأمن
وقد تم التركيز في اليمن بشكل محوري على وحدات الأمن الوطني الأساسية ووحدات مكافحة الإرهاب، والتي جرى تدريبها على أيدي الأمريكيين ويرأسها أقارب الرئيس علي عبد الله صالح.
وتهدف هذه الخطوة للمساعدة في محاولة الحفاظ على حكم الرئيس، وهو تطوُّر جعل الصراع ضد فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية أمرا مغيَّبا بالكامل في الوقت الراهن، الشيء الذي يهدد بزيادة المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في المنطقة.
وتبدو الولايات المتحدة الآن وكأنها قد تراجعت عن دعمها للرئيس اليمني، لكنها تعرف أيضا أن فرص أي حكومة مستقبلية بأن تكون أكثر استعدادا وقدرة على المساعدة في جهود مكافحة الإرهاب ستكون أقل من فرص حكومة علي عبد الله صالح.
ويدرس مسؤولو الاستخبارات الغربية بشكل وثيق الآن المدة الزمنية التي يمكن أن تصمد فيها المشاريع البنية التحتية التي بنتها حكوماتهم في اليمن، آخذين في الاعتبار تغيير النخبة الحاكمة، حيث أن بعض أولئك الذين يناورون على السلطة لهم تاريخ من كونهم مقرَّبين من الجهاديين.
لقد كانت الأنظمة الشمولية في كل من مصر واليمن، وبدرجة أقل إلى حد ما ليبيا، شريكة مع الاستخبارات الغربية في الحرب على القاعدة.
وبينما يأمل بعض المحللين بأن تتيح عملية نقل السلطة إلى نخبة جديدة عبر استنساخ العلاقات القديمة، فإن بن عثمان يعتقد أن رحيل هذه الحكومات يجب أن يفتح الطريق أمام بناء علاقة جديدة تكون قابلة للدوام والاستمرارية بشكل أكثر، وتكون قادرة على مواجهة ليس الإرهاب فقط، بل التطرف أيضا، وذلك بناء على القيم الديمقراطية.
قد تكون القاعدة لا تزال قادرة على إيجاد فضاءات لكي تجدد فيها نفسها وتواصل صراعها.
خوف من الفشل
والقلق الوحيد الذي ينتاب بن عثمان على المدى البعيد هو الفشل بالوصول إلى تغيير حقيقي وديمقراطي، واستبدال طبقة النخبة الحالية بآخرين من خارجها، الأمر الذي سيفتح مجالا للقاعدة لكي تستغله.
وبشان ذلك يقول بن عثمان: "سيكون هنالك ثمة فرصة هائلة أمام القاعدة لكي تعبِّر عن وجهة نظرها، إذ تقول: هذا ما كنا نحاول معكم أن تعرفوه. فهذا شيء غير مفيد، إذ لم تحققوا شيئا، أكثر من كونكم قد غيَّرتم الوجوه فقط."
ويضيف: "إن كان هذا هو السيناريو، فإن الشباب، وهم يشكِّلون الغالبية العظمى والقوة المحرِّكة وراء الانتفاضات العربية، سيكونون أكثر عرضة لرسالة القاعدة."
وبكلمات أخرى، يمكننا القول إنه حتى وإن بدت القاعدة في الوقت الراهن مردودة على أعقابها، فقد تكون لا تزال قادرة على إيجاد فضاءات فيزيائية وأيديولوجية لكي تجدد فيها نفسها وتواصل صراعها.