إحدى الظواهر التى يرصدها د. أبوسيف ظاهرة تصميم مقدمى البرامج الحوارية بالقنوات المختلفة على سؤال الضيوف الإسلاميين حول موقفهم من ترشح المرأة والقبطى لرئاسة الجمهورية، وهنا اقترحت عليه أن يلتزم المتحدثون الإسلاميون بالإجابة التى أطلقها المرشد العام للإخوان، ومعناها أن من حق أى أحد أن يترشح، والمهم من سننتخب باعتبارها إجابة تتسم بالذكاء السياسى، ولا تفتح باب الصدامات غير المطلوبة، ومع ذلك فقد رأى أن منع الإسلاميين من إبداء رأيهم الصريح فيه نوع من الإقصاء غير الديمقراطى. على أى حال إننى أفسح الحيز لأستاذ الكلى ورئيس الجمعية الشرعية بالمرج لتسجيل ملاحظاته على دعوتى للحوار، على أن نعود للموضوع فى مقالات تالية فى محاولة لتقريب المواقف وحماية الثورة من الشقاق الهدام.
يقول د. خالد أبوسيف بالنص:
فى مواجهة التوجه الإسلامى يوجد توجه آخر بتيارات مختلفة تقف فى الطرف المقابل للتوجه السابق، يريد تنحية الدين عن الحياة تحت عناوين براقة، مثل إقامة الدولة المدنية وكأنها على النقيض من الدولة ذات المرجعية الإسلامية، التى يسمونها الدولة الدينية.
واسمح لى هنا أن أبدى ملاحظاتى على هذا التوجه:
أولاً: إنه لا يوجد فى الإسلام ما يعرف بالدولة الدينية التى يتحدث فيها الحاكم باسم الله (وكان هذا فى أوروبا فى العصور الوسطى تحت سيطرة الكنيسة وانتزع قسراً ليلصق بالإسلام)، ففى الإسلام الدولة مدنية بمرجعية إسلامية، وهذا يعنى الحقوق المتساوية والعادلة لجميع مواطنى الدول بكل تنوعاتهم، والمرجعية الإسلامية هى من تكفل هذه الحقوق، وهى من تحافظ على هوية الوطن بغالبيته المسلمة، وفى الوقت نفسه تكفل للديانات الأخرى الحكم بما فى شريعتهم الخاصة.
ثانياً: يستعمل أصحاب هذا التوجه فى كثير من الأحوال مصطلحات اشتقوها بأنفسهم ولأنفسهم، وهى فى كثير من الأحوال فضفاضة قد لا يتفقون حتى فيما بينهم على تعريفها، ومن ضمن هذه المصطلحات مصطلح النخبة، ولا أدرى من انتخبهم حتى يعطوا أنفسهم الحق فى هذه التسمية، ثم يبنوا عليها تصورات غير صحيحة ويعطوا أنفسهم الحق فى فرض وصايتهم على الناس، وكذلك تقرير مصير الأمة من وجهة نظرهم، وإذا خالفهم الناس فى ذلك صاروا فى نظرهم فاقدى الأهلية وغير مؤهلين للحياة الديمقراطية من استفتاءات أو انتخابات، وهى نفس ادعاءات النظام السابق، مع أن هذه الجموع الحاشدة هى التى قامت بثورة ٢٥ يناير العظيمة والتى أذهلت الدنيا.
ثالثاً: طلبهم الدائم وبإلحاح من أصحاب التوجهات الدينية بتقديم التنازلات تحت مسمى الضمانات، وهم يشككون فى أنه لا يوجد نظام إسلامى ديمقراطى حتى لو اقتنع القائمون عليه بالديمقراطية، بل هم يحكمون على النوايا، فأسمع دائماً منهم: إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم، فستكون دولة دينية وليست مدنية، وسنعود إلى الخلف قروناً كثيرة.
وهذا تفتيش فى النوايا لا يُقبل، فليس لإنسان حكم إلا على ما وقع ورآه بعينه، وأظن أننا منذ أكثر من نصف قرن ونحن نحكم بكل الشعارات التى ينادون بها من اشتراكية إلى رأسمالية إلى ديمقراطية إلى علمانية، ونرى إلى أى درك أسفل قد وصلنا، وليس للتيارات الإسلامية أى دور فى هذا التدهور الذى وصلنا له، فلم يكونوا فى سدة الحكم فى أى وقت، فبأى عقل يتهم التيار الإسلامى؟؟ ونحن نرى من أفسد ومن خرب.
رابعاً: الملحوظة شديدة الأهمية أنهم ينتشرون فى كل وسائل الإعلام، مقروءة ومرئية، انتشار النار فى الهشيم، ويتكلمون ويتناقشون فيما بينهم وكأنهم ممثلون لهذا الشعب الرائع، مع أنهم فى رأيى مثل نقطة الزيت فوق برميل الماء.
وأستطيع أن أجزم بأن هذا الوجود المكثف لهم والعبارات الطنانة الرنانة التى تملأ فضاء مصر كله الآن تستفز الشعب كله إلى درجة رفضهم تماماً.
وهذا ما حدث فى الاستفتاء الأخير، فقد رفض الشعب الوصاية واللهجة العلوية التى يتحدثون بها، وأن رأيهم هو الصواب ولا صواب غيره، وهذا الضد تماماً للديمقراطية التى ينادون بها ليل نهار.
فهم متعصبون لرأيهم أشد التعصب، وكأنه الرأى الوحيد المتاح، وكل من عارضهم خان القضية وخان الثورة وخان دم الشهداء، أى أن نسبة التطرف فى الرأى عندهم تفوق كثيراً نسبة التطرف عند أصحاب التوجه الإسلامى.
وإذا حدث أى خطأ فردى من أى فصيل إسلامى ألصقوه بالإسلام ككل، وذلك لتخويف الناس ممن يطالبون بالمرجعية الإسلامية للحكم.
ولذلك أرى أن الدعوة إلى الحوار أخطأت عن غير قصد العنوان المرسلة إليه، وكان يجب أن تتوجه إلى هؤلاء لا إلى أولئك.
وفق الله الجميع إلى ما فيه الخير والله من وراء القصد.