تقسم المبيلات أنواعاً عديدة، بعضها قل استعماله أو بطل، وبعضها الآخر لايزال يستعمل بكثرة في مجالات عديدة من الطب الباطني، بعد أن أدخلت على تركيبه تعديلات كيمياوية علاجية جعلته ذا قيمة علاجية كبيرة.
وفيما يلي أهم هذه المبيلات:
المدرات الزئبقية: ساد استعمالها مدة طويلة من الزمن، وكانت تستعمل بكثرة في الماضي، ولكن أهمل استعمالها في الوقت الحاضر لسببين: الأول لأنه يجب إعطاؤها زرقاً، مما يزعج المريض الذي يتناول المبيلات يومياً. والثاني لأن لها تأثيراً ساماً في الكليتين.
مثبطات خميرة الانهدراز كاربونيك: تعمل هذه المدرات في مستوى الأنبوب الداني، فتمنع أو تقلل عودة امتصاص الصوديوم وذلك بتثبيطها تكوين جذر البيكربونات داخل الخلية الأنبوبية، وداخل لمعة الأنبوب الكلوي على السواء، مما يعيق عودة امتصاص الصوديوم ونفوذه إلى داخل الخلية الكلوية (الشكل 5).
|
الشكل -5) مخطط عملية التثبيط داخل الأنبوب الكلوي)
|
تستعمل هذه المركبات في حالتين أساسيتين: الزَرَقْ العيني أي ارتفاع التوتر داخل العين و القصور التنفسي مع قلب رئوي، إذ يؤدي إعطاؤها إلى حماض استقلابي ينبه المركز التنفسي الموجود في البصلة السيسيائية مما يحسن وظيفة التنفس. وتجدر الإشارة إلى أن استعمال جميع المدرات يسبب درجة من القُلاء الاستقلابي metabolic alkalosis عدا هذه المجموعة من المبيلات التي تمثلها مركبات الاسيتوزولاميد.
المدرات الحلولية: تستعمل هذه المبيلات في المشافي في حالات سريرية اعتيادية وإسعافية خاصة. وهي تتركب من مواد خاصة ترشح من الكبب الكلوي، ولكن لايعاد امتصاصها من الأنابيب، ولما كانت لها قدرة حلولية كبيرة، فإنها تحبس معها كمية من الماء الراشح ضمن لمعة الأنابيب، كما أنها تعيق عودة امتصاص الصوديوم بتأثيرها في الممال الحلولي بين لمعة الأنبوب والخلية الأنبوبية. ومن أهم هذه المواد: المانيتول، والسوربيتول، ومركبات البولة.
المحمضات: هي مركبات كلور الأمونيوم، وقد أهمل استعمالها حالياً لأن تأثيرها المدر خفيف، ولأن لها تأثيرات جانبية عديدة سيئة.
المبيلات الكْزانْتنية: وهي تزيد من الصبيب الدموي الكلوي، والرشح الكبي، وبالتالي تزيد من طرح الصوديوم، وقد أهمل استعمالها مبيلات في الوقت الحاضر، وبقي استطبابها الأساسي الآفات التنفسية الحادة والمزمنة، لأن لها تأثيراً منبهاً لمركز التنفس في البصلة السيسائية، كما أن لها تأثيراً منبهاً موسعاً للأوعية و
القصبات. ومن أهم مركباتها: الأمينوفللين والإيتافللين.
المبيلات التيازيدية: تُعَدُّ هذه المركبات من أهم المبيلات وأكثرها استعمالاً حتى وقتنا الحاضر. وآلية عملها ماتزال غير واضحة تماماً، ولكن من المرجح أنها تمنع عودة امتصاص الصوديوم في الجزء القشري الخاص من الأنبوب الكلوي (الشكل 6).
وبذلك فإن المبيلات التيازيدية بمنعها امتصاص الصوديوم في هذا الجزء من الأنبوب تزيد من كمية الماء الحر المطروحة مع البول، وفي الوقت نفسه فإن كمية االصوديوم المطروحة حين تصل قرب الأنبوب القاصي تسهل طرح الهدروجين والبوتاسيوم وتبادلهما بتأثير هرمون
الألدوسترون.
تتمتع المبيلات التيازيدية بتأثير لطيف ومديد قد يستمر 24-28 ساعة.
تفقد المبيلات التيازيدية تأثيرها الدوائي في المصابين بالقصور الكلوي المتقدم. وإن زيادة جرعة هذه المبيلات لايزيد تأثيرها الدوائي. ومن أهم مركبات هذه المجموعة الكلورتيازيد وهدروكلور تيازيد وبولي تيازيد.
مدرات العروة: أهم أصنافها الفلوريسمايد وحمض الإيتاكرينيك. وينحصر مكان عملها على طول الشعبة الصاعدة لعروة هنلة ومن هنا جاء اسمها، فهي تمنع عودة امتصاص الصوديوم في هذا الجزء من الأنبوب، وتزيد بذلك من طرح الصوديوم وبالتالي طرح الماء مع البول، كما أنها تسهل التبادل الشاردي بين الصوديوم من جهة والبوتاسيوم والهدروجين من جهة أخرى.
إذا أعطيت هذه المركبات بجرعات كبيرة فبإمكانها إنقاص عودة امتصاص الصودويم من الأنبوب الداني، مما يؤدي إلى إدرار بولي شديد قد يصل إلى 5-10 ليترات /24 ساعة، مع طرح كميات كبيرة من الصوديوم والبوتاسيوم والكلسيوم.
تمتاز هذه المبيلات بسرعة تأثيرها بعكس التيازيدات، إذ يبدأ عملها في مدة 5-20 دقيقة وفق طريقة الإعطاء، ولكن هذا التأثير لايدوم طويلاً، إذ تنطرح بسرعة لذا فإن تأثيرها الدوائي لايدوم أكثر من 4-6 ساعات. وهي على نقيض المبيلات التيازيدية أيضاً، فإن زيادة الجرعة منها تؤدي إلى زيادة التأثير الدوائي، كما أنها تحتفظ بتأثيرها حتى في حالات القصور الكلوي المزمن المتقدم، ولكن يجب زيادة الجرعة، ولابد من الإشارة إلى أن الجرعات الكبيرة جداًَ تعرض لإصابة سمعية دهليزية.
المبيلات الحابسة للبوتاسيوم: تعمل هذه المبيلات في مستوى الأنبوب القاصي وتمثلها ثلاثة مركبات مختلفة هي: السبيرونولاكتون الذي يعاكس الألدوسترون، ومركبات الأميلوريد ameloride، ومركبات التريامترين triamtrene.
ومع أن هذه المركبات الثلاثة لها آليات مختلفة فإنها جميعها تستطيع تثبيط عودة امتصاص الصوديوم من الأنبوب القاصي، كما أنها تمنع التبادل بين الصوديوم من جهة والهدروجين والبوتاسيوم من جهة أخرى، ولذلك فهي قد تعرّض المريض لارتفاع البوتاسيوم وللحماض الاستقلابي إذا أسيء استعمالها. إذا أعطيت مركبات السبيرونولاكتون وريدياً كان تأثيرها سريعاً، أما إذا أعطيت عن طريق الفم فيتطلب بدء التأثير مدة 24 إلى 48 ساعة، وإن فعلها الطارح للملح يبقى مدة 48 ساعة إلى 72 ساعة حتى بعد إيقاف تناولها.
لاتوصف هذه المركبات وحدها في أغلب الأحيان بل تعطى عادة مع المبيلات التيازيدية أو مبيلات العروة، فالأولى حابسة للبوتاسيوم والهدروجين، والثانية طارحة لهما، وبمشاركتهما يمكن الحصول على تأثير مدر أقوى، والاحتفاظ بسلامة الوسط الداخلي وعدم ظهور اضطراب شاردي كبير في المرض.
استطبابات المعالجة بالمبيلات:
تستعمل المبيلات لمعالجة آفات متنوعة أهمها:
الوذمات وحالات احتباس الصوديوم: وتعد أهم استطباب لاستعمالها. تنتج الوذمات من أسباب متعددة منها:
قصورات القلب: ويفضل فيها الابتعاد عن المبيلات القوية وإعطاء المبيلات التيازيدية اللطيفة، مُشركة مع مركبات السبيرونولاكتون التي تعاكس هرمون الألدوسترون، إذ إن هذا الأخير يفرزه هؤلاء المرضى بكميات كبيرة. كما أن المدرات القوية كمدرات العروة تسبب نقص حجم
الدم وتعرض المريض إلى مضاعفات.
وذمة
الرئة الحادة أو قصور القلب الحاد: يلجأ هنا إلى المدرات القوية كمبيلات العروة زرقاً في الوريد، لأن تأثيرها يبدأ بسرعة، فتحسن حالة المريض في وقت قصير. تعطى المبيلات هنا مع العلاجات الأخرى.
تشمع الكبد: ولاسيما حين يرافقه حَبَن (احتباس السوائل في البطن ووذمات شديدة ascites
) ويرافق التشمع نقص بوتاسيوم الدم وزيادة الألدوسترون الكبيرة التي تعود إلى سببين: فرط الإفراز، ونقص التقويض الكبدي. لذا من المفضل هنا استعمال مركبات السبيرونولاكتون التي يمكن إعطاؤها مع مدرات قوية أخرى إذا لزم الأمر.
المتلازمة الكلائية (نِفْروز): يرافقها في العادة فرط إفراز الألدوسترون مع نقص في الحلولية المصورية (البلازمية). وأفضل المبيلات استعمالاً هنا هي مركبات الألدوسترون وحدها أو مشركة مع غيرها من المبيلات التيازيدية أو مبيلات العروة.
ارتفاع الضغط الشرياني: يسبب استعمال المبيلات المديد نقصاً طفيفاً ومديداً في حجم الدم، مما يؤدي إلى هبوط
الضغط الشرياني ، ويفضل عادة معايرة الصوديوم والبوتاسيوم في
الدم والبول قبل بدء المعالجة. ففي حالات نقص بوتاسيوم
الدم وزيادة
الألدوسترون تعطى مركبات السبيرونولاكتون. أما في حالات ارتفاع
الضغط الشرياني البدئي أو الأساسي فمن الأصلح الحصول على توازن سلبي بالملح بالاعتماد على المبيلات التيازيدية وحدها أو مشركة مع المبيلات الحابسة للبوتاسيوم.
البيلة التفهة: تستعمل فيها المبيلات التيازيدية مديدة التأثير مشركة مع المبيلات الحابسة للبوتاسيوم. وآلية تأثيرها لاتزال مجهولة، ويعتقد أن هذه المركبات تنقص الحلولية المصورية (البلازمية) فتخفف حسَّ العطش، كما أنها تؤدي إلى نقص مديد في حجم الدم، مما يحرض زيادة عودة امتصاص الصوديوم في الأنبوب الداني وآلية التوازن الكبي الأنبوبي.
القصور الكلوي: تبلغ تصفية الكرياتنين عند الرجل الطبيعي 100-140مل/د وعند المرأة 85-115مل/د، وحين تهبط التصفية إلى ما دون الـ 30مل/د فإن المبيلات التيازيدية تفقد تأثيرها العلاجي، كما تصبح المبيلات الحابسة للبوتاسيوم مضاد استطباب وتبقى مبيلات العروة محتفظة بتأثيرها الدوائي.
ويجب عدم اللجوء إلى المبيلات في مرضى القصور الكلوي المزمن إلا إذا رافق هذا القصور وذمة رئة أو قصور قلب أو وذمات أو ارتفاع
الضغط الشرياني.
استطبابات أخرى: هناك إصابات أخرى تعطى فيها المبيلات في حالات خاصة كالانسمام الحملي الذي تعطى فيه إذا تصاحب مع وذمات شديدة أو ترافق مع ضغط شرياني شديد الارتفاع. ومنها حالات فرط كلس
الدم الحاد، والإصابة بالحصيات الكلوية الكلسية الناجمة عن فرط كلس البول من منشأ أنبوبي كلوي، ومنها الانسمام ببعض المواد الدوائية كالديجتال والبربتورات والأسبرين وغيرها ومنها أيضاً الوذمات الدماغية واستسقاءات
الدماغ.
التأثيرات الجانبية: تسبب المبيلات أحياناً بعض التأثيرات الجانبية منها: اضطراب الماء والشوارد، كنقص حجم
الدم الحاد أو المزمن، ونقص الصوديوم المزمن مع زيادة حجم الدم، والقُلاء الاستقلابي، ونقص بوتاسيوم
الدم أو فرطه. ومنها أيضاً ظهور اضطرابات استقلابية تتجلى بنقص تحمل السكر أو بظهور اضطراب في الدسم. كما قد تكون هذه المبيلات سبباً في حدوث التهاب الكلية الخلالي، وزيادة التأثير السمي لبعض الأدوية. كما أن لأنواع منها تأثيرات سمعية وغدية وتحسسية أحياناً.