بعد نهاية مباراة الرجاء البيضاوي والجيش الملكي، تلقيت مكالمة هاتفية من مسؤول بالمستشفى الجامعي لابن رشد، انتقلت رفقة زميل صحفي إلى قسم المستعجلات، ليتبين أن المباراة لم تنته في الملعب بمجرد إطلاق
الحكم جيد صافرة النهاية، بل كان لها شوط إضافي في مستودع الأموات.
كان سائق سيارة الإسعاف غارقا في صدمته، وهو يلعن حرب الملاعب التي تنافس حرب الطرقات في قتل
الأرواح، بينما وقف فريق من الشرطة العلمية على بعد أمتار من المشرحة وهو يرد على تعليمات الطالكي ولكي.
كان جسد عبد العزيز ملفوفا في الدماء، فقد لفظ الشاب أنفاسه قبل أن تعبر سيارة الإسعاف بوابة قسم
المستعجلات، ولم يعد داع لاستنفار الجهاز الطبي الذي كان في حالة تأهب لاستقبال ضحايا موقعة الرجاويين والعسكريين.
قال مسؤول طبي وهو يضرب كفا بكف، حرام أوقفوا هذه اللعبة المميتة، ورمى في وجه فضولنا الصحفي ببيانات يستفاد منها أن الضحية من مواليد مدينة تاونات، وأنه يعمل مياوما في حي البرنوصي وأنه متيم
بالجيش لأنه يحمل كشكولا بألوان العسكر.
وخوفا من تكييف ثأري لحادث الاعتداء الجسدي المميت، وتحويله إلى نزاع "إيديولوجي" بين رجاويين
وعسكريين، تدخلت المقاربة الأمنية وصدر بيان يفيد أن النازلة مجرد شأن رجاوي، وأن الضحية والجناة يوحدهم اللون الأخضر، وأن الدافع وراء الجريمة ليس النعرات الكروية بل مجرد نوايا سرقة من طرف
جانحين ألقي القبض على عنصرين منهم والباقي تحت مجهر البوليس.
في صباح اليوم الموالي، حل والد وشقيقا الضحية بالدار البيضاء، ألقوا النظرة الأخيرة على جثة عزيز،
وشيعوه بدموع ساخنة منفلتة من بين أخاديد رسمتها قساوة الزمن على الوجوه القمحية، تعاطف الجميع مع
القضية ووضع مجلس المدينة سيارة إسعاف رهن إشارة الأسرة المكلومة التي نقلت الجثمان إلى إقليم تاونات مسقط الرأس والجثة أيضا.
كان الشقيق الأكبر للراحل يردد عبارة، "ها لي فار أش عطاوك"، بينما اكتفى والده بتقبل التعازي من رجال الأمن ومن محبين رجاويين ظلا إلى جانب المكلومين، أما الهاتف المحمول فظل يرن دون أن يقدر على الرد.
نفهم جيدا دواعي تكييف الواقعة، من وجهة النظر الأمنية، لأنها تسعى إلى نزع فتيل الصراع بين الرجاويين
والعسكريين، والحيلولة دون ظهور أعراض الثأر الدامي وظهور أصوات تذكر بقانون القصاص وهي تردد العين بالعين والرأس بالرأس.
لكن ما نستغرب له هو نفي الصفة العسكرية عن الضحية من طرف بعض المنابر التي حين تعجز عن
اصطياد الخبر، تبادر إلى نفي سبق الآخرين، وهي مدرسة جديدة في الإعلام الرياضي تعلم تلاميذها كيف ينهشون أعراض الناس، وكيف يرددون بكورال جماعي محفوظة بائدة، تقول أنا في الصف أنا في الخلف،
أنا يمناك أنا يسراك، سارع إلى آخر الأنشودة التي حفظناها في الفصول الإبتدائية دون أن نفهم مغزاها.
في الوقت الذي كان فيه ابن تاونات يموت تحت الأقدام، كان ابن شانغاي ممدا في شارع بئر أنزران بعد أن
داهمه مجموعة من المشجعين الرجاويين الذين قد غادروا الملعب وهم يتغنون بالنتيجة ويبحثون عن مصيدة، سقط رجل صيني في كمين فئة من المشاغبين، أشبعوه ركلا، ولم تنفع المعلومات التي يملكها الصيني عن
لعبة الكارطي في فك الحصار المضروب عليه والذي انتهى بتجريده من هاتف نقال تبين أنه صيني يشبه صاحبة الغارق في بركة دماء.
بين شارع بئر أنزران وشارع يعقوب المنصور جرت دماء غزيرة، وتبين أن شغب الملاعب آفة حقيقية لا تنتهي بمغادرة الجماهير للمدرجات بل تمتد إلى كل شوارع المدينة، لأن كل الطرق تؤدي إلى قسم
المستعجلات، التي لم تكتف باستقبال المتفرجين مساء الأحد، بل كان من زبنائها رجال أمن عمومي من البلير والصقور وأمن الخصوصي أيضا.
قانون الشغب في لامورغ، هكذا قال مرافقي وهو يتساءل عن جدوى اعتقال قانون قادر على ردع الغارات
التي تقوم بها كتائب المتطرفين، التي تحول الملاعب إلى منطقة متنازع حولها، وإلى فضاء لنيران معادية وأخرى صديقة.