أبو كمال (البوكمال)
مدينة سورية حدودية تقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات شرقي سورية على مسافة 8كم من الحدود السورية - العراقية. وقد نسبت المدينة إلى عشيرة «أبو كمال» أو البوكمال وهي بطن من قبيلة العقيدات التي تستوطن وادي الفرات. وتعدّ المدينة مركز منطقة حديثة العهد تتبع محافظة دير الزور. ولموقعها أثر كبير في تطورها العمراني والاقتصادي، فهي تمدّ سكان البوادي والريف المجاورين بالخدمات المختلفة.
أقيمت مدينة البوكمال فوق أرض سهلية شاركت في اختيارها مجموعة من العوامل منها أن الجرف الصخري لأطراف هضبة بادية الشام المطلة على وادي الفرات من الغرب يؤلف حاجزاً بين الوادي والبادية على ارتفاع 20-50م فوق مستوى السهل، فلا يمكن اجتيازه إلا من أفواه الأودية السيلية المنحدرة من البادية، وينخفض ارتفاع الجرف عند المدينة فلا يزيد على عشرة أمتار، وهذا ما جعل الموقع مفتوحاً على البادية وسهل الاتصال بها، كما سهل الاتصال بالأراضي العراقية. ومنها أيضاً صعوبة المرور إلى العراق بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر الفرات لانحدار الحافة الصخرية الشديد، واقترابها من مجرى النهر في موقع الباغوز (المضيق). وقد تسبب ضيق السهل الزراعي (لا يزيد عرضه على 500م) في جعل نواة المدينة القديمة تقترب من مجرى النهر الذي كان يستخدم للنقل المائي في الأيام الغابرة. وكان هذا الموقع ممراً إجبارياً للقوافل التجارية البرية القديمة بين بلاد الرافدين والشام.
تتصل المدينة ببيئتين جغرافيتين مختلفتين، فهي تتصل من الغرب والجنوب ببادية الشام [ر]، وتتصل من الشمال والشرق بسهول الجزيرة والفرات اللحقية الخصبة التي تزداد اتساعاً بسبب ابتعاد الحافة الصخرية عن مجرى النهر، وقد أفسح ذلك في المجال لانتشار عدد من القرى تربطها بالمدينة طرق اسفلتية ومعبدة. وتمر بالمدينة طريق دولية توازي مجرى الفرات تصلها بدير الزور في الشمال وبالحدود العراقية في الشرق، ويربطها بالضفة اليسرى للنهر جسران اسمنتيان.
يرجع إعمار المدينة إلى منتصف القرن التاسع عشر، فقد أنشئت لتكون قائمقامية عثمانية. وكانت تخدم المنطقة، قبل التنبه إلى أهمية موقع البوكمال، بعض المراكز البشرية السابقة كالعشارة في سورية والقائم في العراق. وقد أقيم التجمع السكني الأول للبوكمال - بادئ بدء - بالقرب من مجرى النهر في موقع النحّامة، ولكن خطر الفيضانات حفز القائمقام العثماني آنذاك إلى محاولة نقلها إلى تل أبي سيباط المجاور، وتولى خَلَفُه إقامة ثكنة «القشلة» في موقعها الحالي لسكن الحامية العسكرية المكلفة إخضاع القبائل وتوفير الأمن للقوافل وجباية الضرائب من سكان المنطقة ولاسيما عشيرة البوكمال التي تستوطنها. وتبع ذلك إقامة الأبنية السكنية التي زادت من اتساع المدينة وامتدادها.
تتصف شوارع المدينة بالاستقامة، وتوازي الشارع الرئيس من الجانبين وتتعامد معه فتأخذ بذلك طابعاً شطرنجياً. وكانت معظم بيوت المدينة مبنية من الطين وسقوفها مستوية من جذوع الحور الفراتي المغطى بطبقة من الطين، وقد رافق نموذج البناء هذا توسع المدينة وتطورها مع استخدام الحجارة في إقامة الجدران. ويتألف بيت السكن عادة من غرفتين أو ثلاث غرف ورواق وباحة سماوية. وقد أخذت المدينة تتطور سريعاً وتبدل صورتها من سبعينات القرن العشرين فهدم قسم كبير من بيوتها الطينية وأقيمت بدلاً منها أبنية اسمنتية من طابق واحد في الغالب، بحيث يتخذ السطح ملجأ ومتنفساً في ليالي الصيف الحارة. واتسعت المدينة أفقياً على محور شمالي غربي جنوبي شرقي مواز للطريق البرية الدولية من الجانبين، كما اتسعت غرباً باتجاه البادية للاستفادة من الارتفاع النسبي الذي توفره الهضبة الشامية وتأتي منها نسمات غربية تلطف الجو في الصيف. وأقيمت فيها أحياء حديثة ولاسيما من جهة الشمال حتى اتصلت بقرية السكرية التي غدت حياً من أحيائها بحسب المخطط التنظيمي الجديد (1986) الذي حدد مساحتها بنحو 2000هكتار.
تضاعف عدد سكان المدينة في العشرين سنة الأخيرة وهم من العرب المسلمين جلهم من عشيرة «أبو كمال» وفروعها وبعض أفخاذ العقيدات. وكان عدد سكان البوكمال في عام 1961 نحو 8226 نسمة، وفي إحصاء عام 1970 ارتفع العدد إلى 12811 نسمة، وبلغ عددهم عام 1997 نحو 39079 نسمة. وتعاني المدينة من مشكلات الهجرة الدائمة والمؤقتة إلى الداخل السوري وإلى دول الخليج، ويقابل ذلك هجرة أهل الريف إليها وما يتبع ذلك من مشكلات معيشية وسكنية.
تشغل مدينة البوكمال مكانة تجارية مهمة لانفرادها في المنطقة ومتاخمتها الحدود مع العراق، ولموقعها الوسط بين البادية والريف الفراتي. ويتوسط المدينة سوق رئيسة وأسواق أخرى مقببة توازيها تعج بالنشاط والحركة، وتغص بأهل الريف والبادية الذين يغدون إليها صباحاً لبيع منتجاتهم الزراعية والحيوانية من خضار وصوف وسمن وغيرها، ويغادرونها ظهراً محملين بما يشترونه من أدوات ومؤن وأقمشة وغيرها.
وتنشط الزراعة في ريف المدينة على ضيق رقعتها الزراعية (121 هكتاراً) وقلة اليد العاملة التي تميل إلى ممارسة الأعمال الأكثر ربحاً. وتعتمد الزراعة على الري عن طريق الضخ، والملكية الزراعية فيها صغيرة وتضم بساتين للأشجار المثمرة وفي مقدمتها الرمان والمشمش والنخيل، كما تزرع الخضراوات بين الأشجار، إلا أن إنتاج المدينة لا يكفي لسد حاجاتها وتستورد المدينة ما يلزمها من مناطق الفرات والجزيرة الأخرى.
وتنتشر في المدينة بعض الصناعات الريفية التقليدية كصناعة البسط والأثاث الخشبي ومواد البناء، وفيها عدد من «الورش» الميكانيكية لصيانة الآلات الزراعية والسيارات وإصلاحها.
تعدُّ البوكمال مركزاً ثقافياً يوفر الخدمات التربوية للمنطقة المحيطة بها وفيها ثلاث مدارس إعدادية وثانوية عامة إضافة إلى ثانوية صناعية وأخرى للفنون النسوية ومسجد يعود إلى العهد العثماني. وتوفر المدينة لسكانها وسكان الريف المجاور خدمات صحية، ففيها مستشفى صغير للإسعاف والخدمات السريعة وتعمل الدولة على إقامة مستشفى كبير يوفر الرعاية الصحية اللازمة للسكان.
داود جميان