المكان: أكاديمية الشرطة القاهرة الجديدة
الزمان ١٥ أغسطس ٢٠١١
لم يختلف المشهد هذه المرة عما كان عليه يوم ٣ أغسطس، عندما بدأت محاكمة الرئيس السابق لأول مرة، في ساحة أكاديمية الشرطة الواسعة أحتلت قوات الشرطة والأمن المركزي وبالطبع الجيش المشهد، الاختلاف أن قوات الأمن المركزي كان عددها أمس أقل كثيرا عن المرة الأولى، في المرة الأولى كانت هناك أعداد غفيرة من قوات الأمن المركزي الذي جلست تحت "تندة" وكان كثير من الضباط والعساكر ينامون من أثر حرارة الجو.
بالأمس وصلت أكاديمية الشرطة وتوجهت إلى الشباك الجانبي لألتقط تصريح دخول القاعة الذي أبلغني زميل لي أنه تم استخراجه منذ يوم المحاكمة الأولى بعد أن قدمت طلبا بذلك، ولكن للأسف لم أجده فآثرت الوقوف قليلا أرقب ما يحدث أمام بوابة الدخول للقاعة!
كان هناك إعلان واضح من المستشار أحمد رفعت أنه يسمح بدخول المحامين بموجب كارنيه نقابة المحامين بالإضافة إلى توكيل عن أسر الشهداء أو المصابين، بينما كان الواقع أن قوات الشرطة تسمح لأي شخص يحمل كارنية نقابة المحامين بالدخول بموجب كارنيه النقابة فقط ، وعندما اقتربت من أحد لواءات الشرطة لأسئلة عن سبب مخالفة قوات الشرطة المسئولة عن السماح بالدخول للقاعة لبيان رئيس المحكمة قال لي إنه هناك أوامر شفهية جاءت للسماح للمحامين بالدخول وعندما سألته عن الفوضى المتوقعة من هذا الأمر "وماذا لو جاءت نقابة المحامين كاملة لدخول الجلسة" لم يجب ولم يجب أيضا عندما سألته عن اسمه.
من جانب آخر كان عدد أسر الشهداء قليلا مقارنة بمرات سابقة، وسألت والدة الشهيد خالد عاصم لماذا لم تدخل قاعة المحكمة قالت لي إنها لم تمكن من ذلك، بالرغم من أنها قدمت طلب بذلك في وزارة العدل!! وقيل لها أنها سوف تجد التصريح موجودا عند قاعة المحكمة صباح اليوم وتكرر الأمر مع والد الشهيد حسين جمعة.
كانت الساعة تقترب من العاشرة وكان المشهد كالتالي: قوات الأمن المركزي تقيم حواجز ومساحة فارغة تفرق بين مؤيدي مبارك والمؤيدين للمحاكمة الذين بينهم أهالي الشهداء، بعد قليل لاحظت حركة غريبة في جانب أسر الشهداء حيث كان رجل وشابان يقومون بنقل طوب وحجارة ويضعونها في كومات ويحرسها شاب ثالث، لم أر هذه الوجوه من قبل سواء في التحرير وسط تجمعات أهالي الشهداء أو أمام محاكمات العادلي وعندما سألت أحد هؤلاء لماذا يقوم بذلك قال لي "لنكون مستعدين" عندما يضربوا نضرب!!! وقتها جاءت سيدة كنت رأيتها في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل وسألتني يومها هل أنت مع مبارك؟ وعندما قلت لها لأ قالت لي إذاً أنت عميلة!!!"
سألت أحد عساكر الشرطة "لماذا تتركونهم يجمعون الطوب أمامكم؟ " قال لي العسكري أنهم ليس لديهم أوامر بمنع أحد!!
ذهبت إلى اثنين من ضباط الشرطة ذوي الرتب الكبيرة ونقلت لهم المشهد وطلبت منهم أن يسيروا معي بضع خطوات ليروا الأمر بأنفسهم، فقالوا لي إنه عندما يبدأ الضرب سوف يقبضون علي من يقوم بذلك!!!! وعندما سألتهم لماذا لا يقومون بمنع نقل الطوب من الأساس؟ طلب مني أحدهما أن أهدأ وسألني لماذا أنا "متعصبة" هكذا؟ وأحالني إلى اللواء خالد مكاوي الذي كان يقف علي بضع خطوات أخرى وأبلغني أنه المسئول الأول عن تأمين المكان، وعندما ذهبت إليه قال لي إنه ليس علي أن "أقلق" فهناك عناصر من المباحث في كلا الجانبين وأن مهمة المباحث مختلفة عن مهمة من يلقي القبض علي المتسببين في الشغب؟ وعندما قلت له لماذا لا تقبضون علي من يجهز للمعركة باحضار الطوب قال لي إن مهمتي أنتهت بإبلاغه، وتركني.
أبلغت الخبر إلى "بوابة الأهرام" والذي نشر في تمام الساعة ١٠:٢٩ عن أن معركة وشيكة تكاد أن تبدأ وأن الشرطة تقف موقف المتفرج.
لم يمضى وقت طويل حتي لاحظت أحد ضابط الشرطة يقود مجموعة من عساكر الأمن المركزي إلى ناحية مجموعة أهالي الشهداء، أثار المنظر انتباهي وشكي، فبدأت أتحرك إلى منطقة ما خلف شاشة العرض الكبيرة وما هي إلا ثوان وبدأ القاء الطوب من الجانبين!
حاولت قوات الأمن مرة أخرى التدخل عن طريق نشر القوات بين المنطقة الفاصلة، لكن دون محاولة القبض علي أي من الجانبين بل إن الشرطة كانت ترى الأفراد الذي يحملون الطوب ولا تفعل أي شئ، كان لكن بقت علامات استفهام للمشهد لم تحل!! لماذا لم تتدخل الشرطة منذ البداية لمنع بعض العناصر المثيرة للفتن في الجانبين؟ هل عجزت هذه الحشود الهائلة من قوات الشرطة والأمن المركزي والشرطة العسكرية من منع مجموعة أفراد من إلقاء الحجارة؟ أم أنه كان مقصودا أن يبدو المشهد بهذه الصورة لتظهر صورة غير متحضرة عن الشعب المصري؟
السؤال الأخير هو هل تحويل المشهد أمام أكاديمية إلى هذه الصورة العشوائية من التراشق بالطوب وتحويله داخل قاعة المحكمة إلي التراشق بالأيدي بين محامين سمح لهم الدخول إلى القاعة دون وجود توكيل لهم للتحدث عن أهالي المصابين والشهداء، هل كان أمرا متعمدا؟
أما المشهد الأخير بعد أن أعلن المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة بالتأجيل هو إنصراف جميع مؤيدي الرئيس السابق، فجأة أختفوا جميعا من المشهد، بينما تغادر سيارة الأهرام ساحة المحكمة لم يكن هناك أي فرد من المجموعة المؤيدة للرئيس السابق!