القصور الدوراني الحاد (الصدمة القلبية المنشأ)
ACUTE CIRCULATORY FAILURE
CARDIOGENIC SHOCK
ـ مقدمة:
الصدمة هي مصطلح غير محدّد بدقة يستخدم لوصف المتلازمة السريرية التي تتطور عند وجود اضطراب حرج في التروية النسجية ناجم عن شكلٍ ما من أشكال القصور الدوراني الحاد.
توجد أسباب متعددة للصدمة، على أية حال، ستوصف هنا المظاهر الهامة لقصور القلب الحاد أو الصدمة القلبية المنشأ يُقدّم تصوير القلب بالصدى مساعدةً كبيرةً عندما يكون التشخيص مشكوكاً فيه. وبعض الأمثلة عن الأسباب الشائعة للقصور الدوراني الحاد موضحة في الشكل 20.
الشكل 20 (اضغط على الشكل للتكبير): بعض الأمثلة عن الأسباب الشائعة للقصور الدوراني الحاد (الصدمة القلبية المنشأ).
1 .احتشاء العضلة القلبية Myocardial infarction:
تنجم الصدمة في احتشاء العضلة القلبية الحاد عادةً (أكثر من 70% من الحالات) عن اضطراب وظيفة البطين الأيسر. على كل حال فإنها قد تنجم أيضاً عن احتشاء البطين الأيمن أو عن العديد من الاختلاطات الميكانيكية الناجمة عنه (عن الاحتشاء) بما فيها السطام التاموري (الناجم عن احتشاء وتمزق الجدار الحر) أو العيب الحاجزي البطيني المكتسب (الناجم عن احتشاء وتمزق الجدار بين البطينين) أو القلس التاجي الحاد (الناجم عن احتشاء وتمزق العضلات الحليمية).
يسبب الاضطراب الشديد الذي يصيب انقباض العضلة القلبية (أي الوظيفة الانقباضية) انخفاضاً في نتاج القلب والضغط الدموي وبالتالي انخفاضاً في ضغط الارواء الإكليلي. يسبب اضطراب الوظيفة الانبساطية ارتفاعاً في ضغط نهاية الانبساط الخاص بالبطين الأيسر واحتقاناً رئوياً ووذمة رئة مما يؤدي إلى نقص الأكسجة الذي بدوره يفاقم الإقفار القلبي. تتشارك هذه العوامل مع بعضها لتحدث سلسلة أو حلقة معيبة للصدمة القلبية المنشأ (انظر الشكل 21).
الشكل 21: التسلسل المعيب لأحداث الصدمة القلبية المنشأ.
يسبب اضطراب الوظيفة الانقباضية نقصاً في نتاج القلب والارواء الإكليلي، بينما يؤدي اضطراب الوظيفة الانبساطية إلى نقص الأكسجة الدموية، تتشارك هذه العوامل في مفاقمة الاقفار القلبي وبالتالي إحداث المزيد من اضطراب الوظيفة البطينية.
يتظاهر انخفاض نتاج القلب بهبوط التوتر الشرياني والتخليط الذهني وشح البول وبالأطراف الباردة والرطبة، بينما تتظاهر وذمة الرئة بضيق النفس ونقص الأكسجة الدموية والزراق والخراخر الفرقعية الشهيقية في قاعدتي الرئتين.
قد تظهر صورة الصدر الشعاعية (انظر الشكل 22) علامات الاحتقان الرئوي حتى ولو كان الفحص السريري طبيعياً. يمكن استخدام قثطرة سوان – غانز عند الضرورة لقياس الضغط الاسفيني للشريان الرئوي (PAW). يمكن الاعتماد على تلك الموجودات لتصنيف مرضى الاحتشاء القلبي الحاد ضمن أربع مجموعات من الناحية الهيموديناميكية (انظر الجدول 9).
الشكل 22: المظاهر الشعاعية لقصور القلب.
A: صورة صدر شعاعية لمريض وذمة الرئة.
B: المظاهر التخطيطية التمثيلية للعلامات الشعاعية الخاصة بقصور القلب.
C: ضخامة قاعدة الرئة تظهر خطوط كيرلي B (الخطوط الحاجزية) (السهم).
الجدول 9: تصنيف مرضى احتشاء العضلة القلبية الحاد.
نتاج القلب طبيعي، ولا توجد وذمة رئة:
· الأمور طبيعية والانذار جيد ولا حاجة لمعالجة قصور القلب.
نتاج القلب طبيعي، وتوجد وذمة رئة:
· تنجم هذه الحالة عادة عن اضطراب متوسط الشدة في وظيفة البطين الأيسر، يجب معالجتها بالمدرات وبموسعات الأوعية.
نتاج القلب منخفض، ولا توجد وذمة رئة:
· تنجم هذه الحالة غالباً عن احتشاء البطين الأيمن المترافق مع نقص الحجم التالي لنقص الوارد الفموي من السوائل والإقياء والاستخدام غير الملائم للمدرات. يسهل كثيراً تدبير هؤلاء المرضى بإدخال قثطرة سوان – غانز وتسريب السوائل الوريدية لرفع الضغط الاسفيني للشريان الرئوي (PAW) إلى حدود 14-16 ملمز.
نتاج القلب منخفض، وتوجد وذمة رئة:
· تنجم هذه الحالة عادة عن أذية واسعة أصابت البطين الأيسر، إنذارها سيئ جداً، وقد يستفيد المريض من العلاج بالمدرات وموسعات الأوعية ومقويات القلوصية.
يمكن للنسيج العضلي القلبي العيوش المحيط ببؤرة الاحتشاء الحاد أن يتقلص بشكل ضعيف لعدة أيام ثم يعود لحالته الطبيعية، تعرف هذه الظاهرة بالصعق القلبي Myocardial Stunning، وهي تعني أنه في هذه الحالة من الجدير معالجة قصور القلب الحاد بشكل فعال على أمل وتوقع بأن وظيفة العضلة القلبية الكلية سوف تتحسن.
2. الانصمام الرئوي الكتلي الحاد Acute massive pulmonary embolism:
قد تنجم هذه الحالة عن الخثار الوريدي في الساق أو الحوض، وهي تتظاهر عادة بوهط دوراني مفاجئ.
قد يفيد كثيراً تصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية والمريض في السرير، حيث يظهر عادة بطيناً أيسراً صغيراً وقوياً مع بطين أيمن متوسع، كذلك من الممكن أحياناً أن تظهر الخثرة عند مخرج البطين الأيمن أو في الشريان الرئوي الرئيسي. يمكن عادة الحصول على التشخيص النوعي بواسطة التصوير الطبقي الحلزوني للصدر مع حقن المادة الظليلة، وهو مفضل على تصوير الشرايين الرئوية الذي قد يكون خطراً.
تعالج هذه الحالة بالأوكسجين بمعدل جريان مرتفع وبالمميعات (الهيبارين). يعد إعطاء حالات الخثرة إجراءً قيماً عند مرضى منتخبين، وقد يستطب استئصال الصمة جراحياً في حالات نادرة.
3. السطام التاموري Pericardial tamponade:
تنجم هذه الحالة عن تجمع السائل أو الدم ضمن الكيس التاموري ليضغط على القلب، قد يكون الانصباب ضئيلاً وقد يقل أحياناً عن 100 مل. ينجم التدهور المفاجئ عادة عن النزف ضمن الحيز التاموري.
قد ينجم السطام التاموري عن أي شكل من أشكال التهاب التامور، وهو غالباً يشير لوجود مرض خبيث. تشمل الأسباب الأخرى الرض وتمزق الجدار الحر للعضلة القلبية بعد احتشاءها الحاد.
ولقد ذكرت المظاهر السريرية الهامة لهذه الحالة في الجدول 10.
الجدول 10: المظاهر السريرية للسطام التاموري.
· الزلةالتنفسية.
· الوهط الدوراني.
· تسرع القلب.
· انخفاض التوتر الشرياني.
· الارتفاع الكبير في الضغط الوريدي.
· خفوت أصوات القلب مع ظهور صوت ثالث باكر.
· النبض التناقضي (انخفاض شديد في الضغط الشرياني خلال الشهيق بينما قد يكون النبض غير مجسوس).
· علامة كوسماول (ارتفاع تناقضي في الضغط الوريدي الوداجي خلال الشهيق).
قد يظهر تخطيط القلب الكهربائي علامات المرض المستبطن مثل التهاب التامور أو احتشاء العضلة القلبية الحاد. عندما يكون الانصباب غزيراً تكون المركبات على التخطيط صغيرة وقد يَظهر تناوب كهربائي (تبدل محور القلب بين ضربة وأخرى ناجم عن تحرك القلب ضمن الجوف التاموري الممتلئ بالسائل). قد تظهر صورة الصدر ضخامة شاملة في ظل القلب ولكنها قد تبدو طبيعية.
يعد تصوير القلب بالصدى الذي يمكن إجراؤه والمريض في سريره الطريقة الأفضل لإثبات التشخيص بالإضافة إلى أنه يساعد في تحديد الموضع الأمثل لرشف سائل الانصباب.
إن كشف حالة السطام التاموري بسرعة أمر مهم لأن المريض يتحسن عادة بشكل دراماتيكي بعد إجراء بزل التامور عبر الجلد أو بعد النزح الجراحي.
4. الداء القلبي الدسامي Valvular heart disease:
قد ينجم القصور البطيني الأيسر الحاد عن القلس الأبهري المفاجئ أو القلس التاجي الحاد أو عن اضطراب حاد في وظيفة الدسامات الصنعية. ذكرت بعض الأسباب الشائعة لهذه المشاكل في الجدول 11.
الجدول 11: أسباب القصور الدسامي الحاد.
القلس الأبهري:
· تسلخ الأبهر.
· التهاب الشغاف الخمجي.
· تمزق جيب فالسفا.
القلس التاجي:
· تمزق العضلات الحليمية نتيجة احتشاء العضلة القلبية الحاد.
· تمزق الحبال الوترية نتيجة التنكس المخاطومي أو نتيجة رض كليل على الصدر.
· التهاب الشغاف الخمجي.
قصور الدسام الصنعي:
· الدسامات الميكانيكية: الانكسار، الخثار، الانعلاق، التفزر (تحرره من مكان تثبيته).
· الدسامات الحيوية: التنكس المترافق مع تمزق شرف الدسام.
قد يكون التشخيص السريري لاضطراب الوظيفة الدسامية الحاد صعباً أحياناً. غالباً ما تكون النفخات غير مسموعة بشكل واضح وذلك عادة بسبب تسرع القلب وانخفاض نتاجه. يمكن تأكيد التشخيص في معظم الحالات بالاعتماد على تصوير القلب بالصدى عبر جدار الصدر، ولكن قد يستطب أحياناً اللجوء لتصوير القلب بالصدى عبر المري لكشف قلس الدسام التاجي الصنعي.
عادة يحتاج المرضى المصابون بالقصور الدسامي الحاد للجراحة القلبية ويجب تحويلهم إلى مركز قلبي من أجل تقييم حالاتهم بشكل إلحاحي.
قد يسبب تسلخ الأبهر الصدمة بإحداثه للقلس الأبهري أو التسلخ الإكليلي أو السطام التاموري أو ضياع الدم.
صورة الصدر الشعاعية في قصور القلب الأيسر The chest radiograph in left heart failure:
في البدء يظهر ارتفاع الضغط الوريدي الرئوي الناجم عن قصور القلب الأيسر، على صورة الصدر الشعاعية (انظر الشكل 22 في الأعلى) كتوسع غير طبيعي في الأوردة الرئوية للفص العلوي (المريض بوضعية الوقوف).
تغدو توعية الساحتين الرئويتين واضحة أكثر ويتوسع الشريان الرئوي الأيمن والشريان الرئوي الأيسر. فيما بعد تسبب الوذمة الخلالية تثخن الحواجز بين الفصيصية وتوسع القنوات اللمفاوية.
تظهر هذه التبدلات الأخيرة على شكل خطوط أفقية عند الزوايا الضلعية الحجابية (الخطوط الحاجزية أو خطوط كيرلي B). تسبب التبدلات المتقدمة الناجمة عن الوذمة السنخية عتامة ضبابية تنتشر من المنطقة السرية، وتسبب انصباباً جنبياً أيضاً.
تدبير وذمة الرئة الحادة Management of acute pulmonary oedema:
تنجم هذه الوذمة عن قصور القلب الأيسر الحاد، وهي تحتاج للعلاج الالحاحي:
ـ أجلس المريض منتصباً بقصد تخفيف شدة الاحتقان الرئوي.
ـ أعطهِ الأوكسجين (بجريان وتركيز مرتفعين).
ـ أعطهِ المورفين بجرعة 10 ملغ حقناً وريدياً بحيث تحقن على عدة دفعات كل واحدة منها 2 ملغ، وذلك بقصد تخفيف ضيق النفس ومعاكسة التقبض الوعائي المحيطي الانعكاسي.
ـ أعطهِ أحد المدرات القوية مثل الفورسيميد 40-80 ملغ حقناً وريدياً، تؤمن هذه الأدوية تحسناً سريعاً لأنها تبدي أيضاً تأثيراً موسعاً للأوعية.
ـ أعطهِ النترات مثل غليسيريل تري نترات حقناً وريدياً بجرعة 10-200 مكغ/دقيقة ترفع كل 10 دقائق إلى أن يظهر التحسن السريري أو إلى أن ينخفض التوتر الشرياني إلى مادون 110 ملمز.
إذا فشلت الإجراءات السابقة الفورية في التدبير يمكن عندها أن نحاول تنبيه العضلة القلبية باستخدام الأدوية المقوية للقلوصية، أو أن ننقص الحمل على البطين الأيسر باستخدام موسعات وعائية أقوى.
قصور القلب
HEART FAILURE
إن تعبير قصور القلب مصطلح غير دقيق يستخدم لوصف الحالة التي تحدث عندما يعجز القلب عن الحفاظ على نتاج كافٍ أو عندما يستطيع ذلك ولكن على حساب ارتفاع ضغوط الامتلاء. في الحالات الخفيفة جداً يكون النتاج القلبي كافياً خلال الراحة ويغدو غير كافٍ فقط عندما تزداد المتطلبات الاستقلابية خلال الجهد أو خلال بعض أشكال الشدة الأخرى.
في الممارسة يمكن تشخيص قصور القلب (عند المريض المصاب بمرض قلبي مهم) حالما تتطور علامات أو أعراض نقص نتاج القلب أو الاحتقان الرئوي أو الاحتقان الوريدي الجهازي.
تقريباً يمكن لكل أشكال أمراض القلب أن تؤدي لقصوره ومن المهم أن ندرك أنّ تعبير قصور القلب، كفقر الدم، يدل على متلازمة سريرية أكثر من دلالته على تشخيص نوعي. يعتمد التدبير الجيد على التشخيص السببي الدقيق لأن بعض الحالات إلى حد ما قابلة للشفاء ولأن الفهم الواضح للفيزيولوجية المرضية عنصر جوهري من أجل وضع الخطة العلاجية المنطقية. يحوي الجدول 12 الآليات المحتملة وبعض أسباب قصور القلب.
من الشائع أن يكون سبب قصور القلب هو داء الشرايين الإكليلية الذي يميل لأن يصيب الأشخاص المسنين وغالباً ما يؤدي لعجز مديد. ترتفع نسبة انتشار قصور القلب من حوالي 1% عند الأشخاص الذين تتراوج أعمارهم بين 50-59 سنة إلى 5-10% عند الذين بلغوا سن 80-89 سنة. إن معظم المرضى المقبولين في المشافي في المملكة المتحدة بتشخيص قصور القلب تزيد أعمارهم عن 65 سنة ويقبل الواحد منهم كمريض مشفى داخلي لمدة أسبوع أو أكثر.
رغم أن البقيا تعتمد لدرجة ما على السبب المستبطن لهذا المرض فإن إنذاره سيئ جداً حيث أن حوالي 50% من المصابين بقصور قلب شديد ناجم عن اضطراب وظيفة البطين الأيسر سيموتون خلال عامين ويموت العديد من المرضى بشكل مفاجئ بسبب تعرضهم لاضطرابات نظم بطينية خبيثة أو لاحتشاء العضلة القلبية.
A. الفيزيولوجية المرضية Pathophysiology:
إن نتاج القلب ناجم بشكل جوهري عن الحمل القبلي (حجم وضغط الدم في البطين عند نهاية الانبساط) والحمل البعدي (المقاومة الشريانية) وقلوصية العضلة القلبية. يظهر (الشكل 23) التداخل بين هذه المتغيرات الذي يرتكز أساساً على قانون ستارلنغ القلبي.
الشكل 23: قانون ستارلنغ:
A. طبيعي
B. قصور قلب خفيف
C. متوسط
D. شديد. يرتبط الأداء البطيني بدرجة تمدد العضل القلبي.
إن الزيادة في الحمل القبلي (حجم نهاية الانبساط، ضغط نهاية الانبساط، ضغط الامتلاء أو الضغط الأذيني) ستؤدي إذاً لتحسين هذا الأداء، وعلى كل حال فإن التمدد المفرط سيسبب تدهوراً ملحوظاً.
في قصور القلب ينزاح المنحني للأيمن ويغدو أكثر تسطحاً.
إن الزيادة في القلوصية القلبية أو نقص الحمل البعدي (التوتر الشرياني، المقاومة الشريانية) سيزيحان المنحني باتجاه الأعلى والأيسر.
يلاحظ عند المرضى غير المصابين بداء دسامي ما أن الشذوذ الأولي في قصور القلب لديهم يكمن في خلل الوظيفة البطينية الأمر الذي يؤدي بدوره لنقص النتاج. هذا الاضطراب يؤدي لتفعيل آليات تنظيم معاكسة هرمونية عصبية المنشأ والتي في الحالات الطبيعية الفيزيولوجية تدعم النتاج القلبي ولكنها في حالة ضعف الوظيفة البطينية قد تؤدي لزيادة ضارة في كلا الحملين البعدي والقبلي (انظر الشكل 24). وبذلك قد تتأسس دارة معيبة لأن أي انخفاض إضافي في النتاج سيؤدي لتفعل عصبي هرموني آخر وارتفاع المقاومة الوعائية المحيطية.
الشكل 24: التفعيل الهرموني العصبي وآليات المعاوضة في قصور القلب: يوجد دائرة معيبة تؤدي لترقي قصور القلب.
يؤدي تنبيه نظام الرينين – أنجيوتنسين – ألدوستيرون إلى التقبض الوعائي واحتباس الملح والماء وتفعيل الجهاز الودي المتواسط بالأنجيوتنسين – II الذي يعد مقبضاً وعائياً قوياً للشرينات الصادرة في الدورانين الكلوي والجهازي (انظر الشكل 25).
الشكل 25 (اضغط على الشكل للتكبير): التفعيل الهرموني العصبي ومواضع تأثير الأدوية المستخدمة في معالجة قصور القلب.
قد يؤدي تفعيل الجهاز الودي في البداية إلى الحفاظ على نتاج القلب عبر زيادة قلوصية العضل القلبي ومعدل النبض وإحداث تقبض وعائي محيطي، على كل حال يسبب التنبيه المديد موت الخلايا العضلية القلبية المبرمج (الموت الخلوي) (apoptosis) وفرط الضخامة والتنخر العضلي القلبي البؤري.
يتم حبس الماء والملح تحت تأثير تحرر الألدوستيرون والإندوثيلين (ببتيد مقبض للأوعية بقوة ذو تأثير ملحوظ على السرير الوعائي الكلوي) والهرمون المضاد للإدرار أيضاً في الحالات الشديدة من قصور القلب. تتحرر الببتيدات المدرة للصوديوم من الأذينات استجابة للشد (التمدد) الطارئ عليها وتؤثر كضادات فيزيولوجية تعاكس تأثير الالدوستيرون الحافظ للسوائل، على كل حال فإن عمرها النصفي الدوراني قصير.
بعد احتشاء العضلة القلبية تضعف القلوصية وقد يؤدي التفعيل الهرموني العصبي إلى فرط ضخامة المناطق غير المحتشية مع ترقق وتوسع وامتداد البؤرة المحتشية (إعادة التشكل). قد يؤدي ذلك للمزيد من تدهور الوظيفة البطينية وتفاقم شدة قصور القلب.
تحدث الوذمة الرئوية و/أو المحيطية نتيجة ارتفاع الضغوط الأذينية المترافقة مع احتباس الماء والملح الناجم بدوره عن ضعف الإرواء الكلوي والألدوستيرونية الثانوية.
B. أنماط قصور القلب Types of heart failure:
يمكن تصنيف قصور القلب اعتماداً على العديد من المعايير والأساليب.
1. قصور القلب الحاد والمزمن Acute and chronic heart failure:
قد يتطور قصور القلب بشكل مفاجئ كما هو عليه الحال في احتشاء العضلة القلبية، أو قد يتطور بشكل تدريجي كما في الأمراض الدسامية المترقية. عندما تضعف وظيفة العضلة القلبية بشكل تدريجي نلاحظ ظهور العديد من آليات المعاوضة.
يستخدم أحياناً مصطلح (قصور القلب المعاوض) ليدل على ضعف الوظيفة القلبية المترافق مع ظهور آليات تأقلم تمنع تطور قصور قلب صريح، وفي هذه الحالة نلاحظ أنه يمكن لحادث بسيط مثل الإنتان المتكرر أو تطور الرجفان الأذيني أن يحرض تطور قصور قلب حاد أو صريح (انظر الجدول 13).
الجدول 13: العوامل التي قد تحرض أو تفاقم قصور القلب عند المرضى المصابين مسبقاً بمرض قلبي.
· الاقفار القلبي أو الاحتشاء.
· المرض المتكرر (مثل الإنتان).
· اللانظميات (مثل الرجفان الأذيني).
· التوقف عن تناول الأدوية القلبية أو تخفيض جرعاتها بشكل غير مضبوط.
· إعطاء الأدوية ذات التأثير السلبي على القلوصية القلبية مثل حاصرات بيتا، أو الأدوية الحابسة للماء والملح مثل مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية أو السيتروئيدات القشرية.
· الانصمام الرئوي.
· زيادة المتطلبات الاستقلابية كما في الحمل أو عند الإصابة بالانسمام الدرقي أو بفقر الدم.
· فرط تحميل السوائل الوريدية (مثل التسريب الوريدي بعد عمل جراحي ما).
عادة يعاني مرضى قصور القلب المزمن من هجمات من النكس والهجوع مع فترات استقرار ونوب انكسار معاوضة تؤدي إلى تفاقم الأعراض سوءاً وبالتالي الحاجة للقبول في المشفى.
2. قصور القلب الأيمن والأيسر والقصور ثنائي البطين Left, right and biventricular heart failure:
نعني بالقلب الأيسر الوحدة الوظيفية المكونة من الأذينة اليسرى والبطين الأيسر والدسام التاجي والدسام الأبهري، أما القلب الأيمن (أو الجانب الأيمن من القلب) فيتألف من الأذينة اليمنى والبطين الأيمن والدسام ثلاثي الشرف والدسام الرئوي.
قصور الجانب الأيسر من القلب: في هذه الحالة يوجد نقص في نتاج البطين الأيسر و/أو زيادة في ضغط الأذينة اليسرى أو الضغط الوريدي الرئوي. يمكن للزيادة الحادة الطارئة على ضغط الأذينة اليسرى أن يسبب احتقاناً رئوياً أو وذمة رئة، ولكن يمكن للزيادة المتدرجة أكثر أن تؤدي لتقبض وعائي رئوي انعكاسي يحمي المريض من الإصابة بوذمة الرئة ولكن على حساب تعرضه لارتفاعٍ في التوتر الرئوي.
قصور الجانب الأيمن من القلب: في هذه الحالة يوجد نقص في نتاج البطين الأيمن عند أي ضغط مقابل للأذينة اليمنى. تشمل أسباب قصور القلب الأيمن المعزول كلاً من المرض الرئوي المزمن (القلب الرئوي) والصمات الرئوية المتعددة وتضيق الدسام الرئوي.
قصور القلب ثنائي البطين: قد يتطور قصور بطين أيمن وأيسر نتيجة حدثية مرضية أصابتهما معاً مثل الداء القلبي الاقفاري أو اعتلال العضلة القلبية التوسعي، أو نتيجة مرض أصاب القلب الأيسر أدى لارتفاع مزمن في ضغط الأذينة اليسرى وبالتالي سبب ارتفاع التوتر الرئوي الذي بدوره أدى لحدوث قصور القلب الأيمن.
3. قصور القلب الإقبالي وقصور القلب الإدباري Forward and backward heart failure:
يلاحظ عند بعض مرضى قصور القلب أن المشكلة الرئيسة هي عدم كفاية نتاج القلب (قصور إقبالي)، بينما قد يبدي مرضى آخرون نتاج قلبٍ طبيعي أو قرب طبيعي مع احتباس ملحوظ للماء والملح يؤدي لاحتقان وريدي جهازي ورئوي (قصور إدباري) (انظر الشكل 26).
الشكل 26: تأثير العلاج على منحنيات الأداء البطيني في قصور القلب.
A. المدرات وموسعات الأوعية.
B. مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين وموسعات الأوعية المختلطة.
C. مقويات القلوصية.
4. سوء الوظيفة الانقباضية وسوء الوظيفة الانبساطية Diastolic and systolic dysfunction:
قد ينجم قصور القلب عن ضعف قلوصية العضلة القلبية (سوء وظيفة انقباضية) ولكنه أيضاً قد ينجم عن سوء الامتلاء البطيني وارتفاع ضغوطه (ضغوط الامتلاء) الناجمين عن الارتخاء البطيني الشاذ (سوء وظيفة انبساطية).
عادةً يشاهد النوع الأخير عند المرضى الذين لديهم فرط ضخامة البطين الأيسر ويحدث في أشكال عديدة من أمراض القلب الأخرى ولا سيما ارتفاع التوتر الشرياني والداء القلبي الاقفاري. غالباً ما يترافق سوء الوظيفة الانقباضية مع سوء الوظيفة الانبساطية لا سيما عند مرضى الداء الإكليلي.
5. قصور القلب عالي النتاج High-output failure:
يمكن للحالات التي تترافق مع ارتفاع شديد في نتاج القلب (مثل الشنت الشرياني الوريدي الكبير أو البري بري أو فقر الدم الشديد أو الانسمام الدرقي) أن تسبب أحياناً قصور القلب. في مثل هذه الحالات غالباً ما توجد أسباب أخرى إضافية أحدثت قصور القلب.
C. المظاهر السريرية Clinical feature:
تعتمد الصورة السريرية على طبيعة المرض القلبي المستبطن ونوع القصور القلبي الذي تطور وعلى التغيرات العصبية والهرمونية التي نشأت استجابة للمرض. (انظر الجدول 12 في الأعلى)
يسبب نقص نتاج القلب التعب والخمول وسوء تحمل الجهد، تكون الأطراف باردة والضغط الدموي منخفضاً. إن الأمر الذي قد يساهم في إحداث التعب ربما يكون الحاجة للحفاظ على تروية الأعضاء الحيوية الأمر الذي يفرض ضرورة تحويل الدم إليها على حساب تروية العضلات الهيكلية. قد يسبب نقص الإرواء الكلوي شح البول واليوريميا.
قد تتظاهر وذمة الرئة الناجمة عن قصور القلب الأيسر بضيق النفس والزلة الاضطجاعية والزلة الانتيابية الليلية والخراخر الشهيقية المسموعة فوق قاعدتي الرئتين. تظهر صورة الصدر شذوذات وصفية مميزة (انظر الشكل 22) وهي عادة تشكل مؤشراً على الاحتقان الوريدي الرئوي وهي أكثر حساسية من العلامات الفيزيائية.
الشكل 22: المظاهر الشعاعية لقصور القلب.
A: صورة صدر شعاعية لمريض وذمة الرئة.
B: المظاهر التخطيطية التمثيلية للعلامات الشعاعية الخاصة بقصور القلب.
C: ضخامة قاعدة الرئة تظهر خطوط كيرلي B (الخطوط الحاجزية) (السهم).
بالمقابل يسبب قصور القلب الأيمن ارتفاع الضغط الوريدي الوداجي والاحتقان الكبدي والوذمة المحيطية المعتمدة على الجاذبية. في حال كان المريض غير ملازم للفراش نجد أن الوذمة عند الكاحلين بينما إن كان طريح الفراش فإنها تظهر حول الفخذين والعجز. يمكن لتجمع السوائل الغزيرة أن يؤدي للحبن أو لانصباب الجنب.
ليس قصور القلب السبب الوحيد للوذمة (انظر الجدول 14).
الجدول 14: التشخيص التفريقي للوذمة المحيطية
· قصور القلب: (قصور البطين الأيمن أو الأيمن والأيسر، اعتلال العضلة القلبية، الحصر التاموري).
· القصور الوريدي المزمن: (الأوردة الدوالية).
· نقص ألبومين الدم: (المتلازمة الكلائية، أمراض الكبد، الاعتلال المعوي المضيع للبروتين).
غالباً ما تكون منتشرة ويمكن أن تصيب الذراعين والوجه.
· الأدوية:
- احتباس الصوديوم (فلودروكورتيزون، مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية).
- زيادة نفوذية الأوعية الشعرية (نيفيدبين، أملودبين).
· غامضة المنشأ: (عند النساء أكثر من الرجال).
· الانسداد اللمفاوي المزمن.
يترافق قصور القلب المزمن أحياناً مع نقص ملاحظ في الوزن (الدنف القلبي) الناجم عن اشتراك القهم وضعف الامتصاص بسبب احتقان الجهاز الهضمي، وعن نقص تروية النسج بسبب نقص نتاج القلب، وعن ضمور العضلات الهيكلية نتيجة عدم الحركة. لوحظ ارتفاع التراكيز الدروانية للعامل المنخر للورم عند المرضى المصابين بالدنف القلبي.
D. الاختلاطات Complications:
قد تتطور العديد من الاختلاطات اللانوعية عند المريض المصاب بقصور القلب المتقدم:
اليوريميا: يعكس هذا الاختلاط نقص الإرواء الكلوي الناجم عن تأثير المدرات وعن نقص نتاج القلب. يمكن لاستخدام موسعات الأوعية أو الدوبامين أن يحسن الإرواء الكلوي.
نقص بوتاسيوم الدم: قد ينجم هذا الاختلاط عن العلاج بالمدرات الطارحة للبوتاسيوم أو عن فرط الألدوستيرونية الناجمة عن تفعيل جهاز الرينين – أنجيوتنسين وعن ضعف استقلاب الألدوستيرون الناجم عن الاحتقان الكبدي. إن معظم بوتاسيوم الجسم داخل خلوي، وقد يوجد نضوب شديد في مخازن البوتاسيوم حتى ولو كان تركيزه البلازمي ضمن المجال الطبيعي.
فرط بوتاسيوم الدم: قد ينجم عن تأثير المعالجة الدوائية ولا سيما إشراك مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين والسبيرونولاكتون (كلاهما يحث على احتباس البوتاسيوم) وعن اضطراب الوظيفة الكلوية.
نقص صوديوم الدم: هذا الاختلاط مظهر مميز لقصور القلب الشديد، وقد ينجم عن العلاج بالمدرات أو عن احتباس الماء بشكل مفرط أو عن قصور مضخة الأيونات الخاصة بالغشاء الخلوي.
ضعف الوظيفة الكبدية: يسبب الاحتقان الوريدي الكبدي ونقص معدل الإرواء الشرياني الخاص به، يسببان بشكل شائع يرقاناً خفيفاً واضطراباً في اختبارات وظائفه. يمكن لنقص معدل تصنيع عوامل التخثر أن يجعل ضبط التمييع صعباً.
الانصمام الخثاري: قد يصاب مريض قصور القلب بالخثار الوريدي العميق والصمة الرئوية نتيجة نقص معدل نتاج القلب وملازمة الفراش، وبالمقابل قد تنجم الصمة الجهازية عن اللانظميات خصوصاً الرجفان الأذيني أو عن الخثار داخل أجواف القلب الذي يحدث كاختلاط لبعض الحالات مثل تضيق الدسام التاجي أو أم دم البطين الأيسر.
اللانظميات: إن اللانظميات الأذينية والبطينية شائعة جداً، وهي قد تنجم عن اضطرابات التوازن الشاردي (مثل نقص البوتاسيوم، نقص مغنزيوم الدم) وعن المرض القلبي البنيوي المستبطن وعن التأثيرات المولدة لاضطرابات النظم الناجمة عن ارتفاع تراكيز الكاتيكولامينات الجائلة في الدوران وعن بعض الأدوية (مثل الديجوكسين). يحدث الموت المفاجئ عند حوالي 50% من مرضى قصور القلب وهو ينجم غالباً عن اللانظميات البطينية. تعد خوارج الانقباض البطينية المتكررة ونوب تسرع القلب البطيني العابر من الموجودات الشائعة عند مرضى قصور القلب وهما يشيران لسوء الإنذار.
E. الاستقصاءات Investigations:
يمكن للفحوص البسيطة (اليوريا، الشوارد، الخضاب، اختبارات وظائف الدرق، صورة الصدر الشعاعية، تخطيط القلب الكهربائي) أن تساعد في كشف طبيعة وشدة المرض القلبي المستبطن وأن تكشف أي اختلاط.
يعد تصوير القلب بالصدى استقصاءً مفيداً جداً، ويجب التفكير بإجرائه عند كل مرضى قصور القلب المهم بقصد:
ـ تأكيد التشخيص.
ـ كشف اضطراب دسامي غير متوقع حالياً (بالفحص الفيزيائي) (مثل تضيق تاجي خفي) أو أي اضطرابات أخرى قد تعنو لعلاج نوعي ما.
ـ تحديد المرضى الذين سيستفيدون من وضعهم على علاج طويل الأمد بمثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين (انظر لاحقاً).
F. تدبير قصور القلب Management of heart failure:
1. إجراءات عامة General measures :
يمكن دعم الخطة العلاجية بالتثقيف الجيد للمريض وأقاربه عن أسباب وعلاج هذا المرض. (انظر الجدول 15). قد يحتاج البعض لوزن أنفسهم يومياً وتعديل جرعات المدرات حسب وزنهم اليومي.
الجدول 15: الإجراءات العامة المتبعة لتدبير قصور القلب.
التثقيف:
· يجب شرح طبيعة المرض وكيفية علاجه، ويجب تطبيق استراتيجيات المعالجة الذاتية.
الحمية:
· التغذية العامة الجيدة وإنقاص الوزن عند المريض البدين.
· تجنب الأغذية الغنية بالملح أو إضافة الملح لها ولا سيما عند المريض المصاب بقصور قلب احتقاني شديد.
الكحول:
· استهلاك معتدل للكحول، ويجب إيقافه بشكل كامل عند المريض المصاب باعتلال العضلة القلبية المحرض به.
التدخين:
· التخلي عن التدخين.
التمارين:
· تمارين منتظمة متوسطة الشدة ضمن حدود الأعراض.
التلقيح:
· يجب التفكير بإعطاء اللقاح الخاص بالانفلونزا والمكورات الرئوية.
من المناسب عند مرضى الداء الإكليلي اللجوء للتدابير الوقائية الثانوية مثل الجرعة المنخفضة من الأسبيرين والأدوية الخافضة للشحوم.
2. المعالجة الدوائية Drug therapy:
يمكن تحسين الوظيفة القلبية بتقوية القلوصية أو بتحسين الحمل القبلي أو بإنقاص الحمل البعدي. ولقد شرحت تأثيرات هذه الإجراءات في (الشكل 26). إن الأدوية التي تنقص الحمل القبلي مناسبة بشكل أكبر عند المرضى الذين لديهم ارتفاع في ضغوط الامتلاء بنهاية الانبساط ولديهم دلائل على الاحتقان الوريدي الجهازي أو الرئوي (قصور إدباري). والأدوية التي تنقص الحمل البعدي أو تزيد قلوصية العضلة القلبية مفيدة بشكل خاص عند المرضى الذين تظهر عليهم أعراض وعلامات انخفاض نتاج القلب (قصور إقبالي).
المدرات: تشكل خط المعالجة الأول عادة. ولقد ذكرت أصنافها الرئيسة وآليات تأثيرها والتأثيرات الجانبية التي قد تنجم عنها في فصل آخر. في قصور القلب تؤدي المدرات إلى زيادة في إطراح الصوديوم مع البول مما يؤدي لانخفاض حجم البلازما والدم، كذلك فهي قد تسبب أيضاً درجة صغيرة ولكنها مهمة من التوسع الشرياني والوريدي. وبذلك نجد أن المدرات سوف تنقص الحمل القبلي وتحسن الاحتقان الوريدي الرئوي والجهازي، كذلك فإنها قد تسبب أيضاً انخفاضاً طفيفاً في الحمل البعدي والحجم البطيني الأمر الذي يؤدي لنقص توتر جدار البطينات وزيادة فعالية الأداء القلبي.
رغم أن نقص الحمل القبلي (ضغط الامتلاء البطيني) يميل لأن ينقص معدل نتاج القلب فإن منحنى ستارلنغ في قصور القلب يكون مسطحاً وبالتالي قد يترافق الانخفاض القوي والمفيد في ضغط الامتلاء مع تبدلٍ طفيف فقط في النتاج (انظر الشكل 23 والشكل 26). ومع ذلك نجد أن المعالجة المفرطة بالمدرات قد تسبب انخفاضاً غير مستحب في النتاج القلبي الأمر الذي يؤدي لانخفاض التوتر الشرياني وزيادة التعب وارتفاع تركيز البولة في الدم.
يلاحظ عند بعض مرضى قصور القلب المزمن الشديد وخصوصاً الذين لديهم ضعف وظيفي كلوي مزمن، يلاحظ أن الوذمة قد تستمر رغم تناولهم لمدرات العروة فموياً، عند مثل هؤلاء الأشخاص يمكن بدء الإدرار بتسريب الفوروسيميد وريدياً مثلاً بمعدل 10 ملغ/ساعة، كذلك فإنَّ إشراك أحد مدرات العروة مع أحد المدرات التيازيدية مثل بندرو فلوميثيازيد Bendroflumethiazide بجرعة 5 ملغ يومياً أو مع أحد المدرات الشبيهة بالثيازيدات مثل ميتولازون بجرعة 5 ملغ يومياً قد تثبت فعاليتها مع ملاحظة أن هذه المشاركات قد تحرض إدراراً شديداً.
يبدي السبيرونولاكتون (مضاد نوعي للألدوستيرون) فوائد مميزة عند مرضى قصور القلب ولأن هذا الدواء يسبب احتباس البوتاسيوم لذلك يجب اتخاذ الحيطة لئلا يسبب ارتفاع تركيز بوتاسيوم المصل ولا سيما عندما تزيد جرعته اليومية عن 50 ملغ.
موسعات الأوعية: ذكر استخدام موسعات الأوعية لتدبير القصور الدوراني الحاد في فصل آخر. إن هذه الأدوية قيمة أيضاً في مجال تدبير قصور القلب المزمن. تنقص الموسعات الوريدية (مثل النترات العضوية) الحمل القبلي وتنقص الموسعات الشريانية (مثل هيدرالازين) الحمل البعدي (انظر الشكل 26)، ولكن لا زال استخدام هذه الأدوية محدوداً بسبب إحداثها لانخفاض توتر شرياني وبسبب ظاهرة التحمل الدوائي الخاصة بها.
مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين (ACEI): يشكل استحداث هذه الأدوية تقدماً ملحوظاً في تدبير قصور القلب بقطعها الدائرة المعيبة للتفعيل الهرموني العصبي المميز لقصور القلب المتوسط والشديد وذلك بمنعها لتحول أنجوتنسين I إلى أنجيوتنسين II وبالتالي تعاكس احتباسَ الملح والماء والتقبض الشرياني والوريدي المحيطي وتفعل الجهاز الودي العصبي. (انظر الشكل 25). كذلك فهي تمنع التفعيل غير المستجيب لجهاز الرينين أنجيوتنسين الناجم عن العلاج بالمدرات.
إن الفائدة الكبرى من استخدام هذه الأدوية في قصور القلب هي بإنقاصها للحمل البعدي بالإضافة إلى أنها قد تكون مفيدة في إنقاص الحمل القبلي ورفع معتدل لتراكيز بوتاسيوم المصل. وبالتالي فإن معالجة قصور القلب بإشراك المدرات الطارحة للبوتاسيوم مع هذه المحضرات يبدي العديد من المحاسن المحتملة.
أظهرت التجارب السريرية أنه يمكن لمثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين المعطاة لمرضى قصور القلب المتوسط والشديد أن تحدث تحسناً قوياً في تحمل الجهد وفي نسبة المواتة. كذلك يمكن لها أن تحسن البقيا وتمنع بدء حدوث قصور قلب صريح عند المرضى الذين لديهم سوء في احتياطي وظيفة البطين الأيسر التالي لاحتشاء العضلة القلبية (انظر EBM Panels).
EBM
قصور القلب المزمن – استخدام مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين: أظهر التحليل Meta لـ 32 تجربة مضبوطة عشوائية تدرس تأثيرات ACEI عند مرضى قصور القلب المزمن التالي لسوء الوظيفة البطينية، أظهر انخفاضاً مهماً في نسبة المواتة وعودة القبول في المشفى باستخدام هذه المحضرات معدل NNT لسنة واحدة لمنع وفاة واحدة = 16 (كان هذا الانخفاض في نسبة المواتة أكبر في التجارب التي استقصت المرضى المصابين بقصور قلب شديد) معدل NNT لنقطة النهاية المشتركة للوفاة أو عودة القبول في المشفى = 10.
EBM
الوقاية من تطور قصور القلب – استخدام مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين: أظهرت التجارب المضبوطة العشوائية دليل جيد على أن ACEIs قادرة على تأخير تطور قصور القلب العرضي وإنقاص تواتر الحوادث القلبية الوعائية (الموت، احتشاء العضلة القلبية، القبول في المشفى) عند المرضى المصابين بسوء وظيفة انقباضية لا عرضية يتناول البطين الأيسر وعند المرضى الذين لديهم عوامل خطر قلبية وعائية أخرى تؤهب لقصور القلب NNT لسنتين لمنع وفاة واحدة = 17.
لسوء الحظ يمكن لهذه الأدوية أن تسبب انخفاضاً شديداً في التوتر الشرياني مع أعراض محرضة بالوضعة، وأن تسبب تدهوراً في الوظيفة الكلوية (خصوصاً عند المرضى المصابين بتضيق الشريان الكلوي الثنائي الجانب أو بمرض كلوي سابق). ولحد أبعد من ذلك فهي قد تسبب انخفاضاً كارثياً محتملاً في التوتر الشرياني بعد الجرعة الأولى منها خصوصاً عند إعطائها لمريضٍ مصاب بانخفاض التوتر الشرياني أو بنقص الحجم أو بنقص الصوديوم الناجم عن العلاج السابق بالمدرات.
عموماً إذا كان المريض مستقراً وغير مصاب بانخفاض التوتر الشرياني (الضغط الانقباضي يزيد عن 100 ملمز) يمكن عندها إعطاؤه هذه الأدوية بشكل اعتيادي خارج المشفى دون مشاكل، ولكن إن كان يتناول المدرات فإنه ينصح بإيقافها لمدة 24 ساعة قبل البدء باستخدام هذه الأدوية على أن نبدأ بجرعة منخفضة والمريض مستلقٍ تحت المراقبة الطبية.
إذا حدث انخفاض توتر شرياني يصار إلى رفع قدمي المريض وإعطائه محلول ملحي تسريباً وريدياً وفي الحالات الشديدة يعطى محضر أنجيوتنسين II حقناً وريدياً. يجب مراقبة الوظيفة الكلوية مخبرياً بعد مرور 1-2 أسبوعاً على بدء استخدامها ويظهر جرعات البدء النموذجية والجرعات الهدف الخاصة بمثبطات الخميرة الشائعة الاستخدام في الممارسة.
ضادات مستقبلات الأنجيوتنسين II (مثل لوسارتان 50-100 ملغ مرة يومياً أو فالسارتان 80-160 ملغ يومياً): تؤثر هذه الأدوية بآلية حصارها لتأثير أنجيوتنسين II على القلب والسرير الوعائي المحيطي والكلية. في قصور القلب تحدث هذه المحضرات تبدلات هيموديناميكية مفيدة مشابهة لتلك الناجمة عن مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين (انظر الشكل 25).
يبدو أن تأثيرها على نسبة المواتة مشابه لنظيره الناجم عن مثبطات الخميرة ولكنها لم تختبر جيداً عبر تجارب عشوائية. على عكس مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين نجد أن هذه الأدوية لا تؤثر على تدرك البراديكينين ضمن الرئتين وبالتالي فهي لا تسبب السعال وبالتالي تشكل بديلاً جيداً عنها من أجل المرضى الذي لم يستطيعوا تحملها (تحمل مثبطات الخميرة)، ولكن لسوء الحظ فإن هذه الأدوية تتشارك مع مثبطات الخميرة في كل تأثيراتها الجانبية الأخرى الأكثر خطورة من السعال.
ضادات المستقبلات الأدرينالية بيتا (حاصرات ß): يمكن لهذه الأدوية أن تعاكس التأثيرات الضارة الناجمة عن تفعيل الجهاز الودي وقد تمنع حدوث اللانظميات والموت المفاجئ. يمكن لها أن تحرض قصوراً قلبياً حاداً على مزمن في حال بدأنا بها بجرعاتها المعيارية المعتادة، ولكن عند إعطائها في البداية بجرعات صغيرة جداً ترفع تدريجياً (مثل بيسوبرولول بجرعة أولية مقدارها 1.25 ملغ يومياً ترفع بالتدريج على مدى 12 أسبوع حتى الوصول لجرعة الصيانة الهدف 10 ملغ يومياً) تحت المراقبة الجيدة يمكن لها أن تزيد الجزء المقذوف وتحسن الأعراض وتنقص معدل الدخول إلى المشفى وتخفض نسبة المواتة عند مرضى قصور القلب المزمن (انظر EBM panel).
EBM
قصور القلب المزمن – استخدام حاصرات بيتا: يوجد دليل قوي مأخوذ من المراجعات المنظمة للتجارب العشوائية المضبوطة يوحي بأن إضافة حاصرات بيتا الفموية تدريجياً بجرعات متزايدة إلى المعالجة المعيارية التي تشمل مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين عند مرضى قصور القلب، إن هذه الإضافة تنقص معدل الوفيات أو معدل دخول المشفى. إن NNT لمدة سنة واحدة لمنع وفاة واحدة = 24.
الديجوكسين: يجب استخدامه كخط علاجي أول عند مريض قصور القلب المترافق مع الرجفان الأذيني حيث سيضبط عادة معدل الاستجابة البطينية ويبدي تأثيراً خفيفاً مقوياً للقلوصية. ولقد نوقشت جرعاته وتأثيراته الجانبية في الصفحة 126.
إنَّ دور الديجوكسين في علاج مرضى قصور القلب ذوي النظم الجيبي غير مؤكد الفعالية بشكل جيد. ولقد أظهرت تجربة عشوائية واسعة على هؤلاء المرضى أن استخدام الديجوكسين لم يؤثر على نسبة البقيا الكلية ولكنه أنقص نسبة الدخول إلى المشفى.
الأميودارون: هو دواء فعال مضاد لاضطرابات النظم، ولكنه يبدي تأثيراً طفيفاً سلبياً على القلوصية القلبية وقد يكون ذو قيمة عند المرضى المصابين بسوء وظيفة البطين الأيسر. انظر الصفحة 125.
أدت التجارب السريرية المجراة عليه عند مرضى قصور القلب إلى نتائج متناقضة، وهو عادة يستخدم لعلاج المصابين باضطرابات نظم عرضية.
قضايا عند المسنين:
قصور القلب الاحتقاني:
· تزداد نسبة حدوث قصور القلب مع تقدم العمر بحيث أنه يصيب 5-10 % من الناس في العقد الثامن من العمر.
· يعد الداء الإكليلي السبب الأشيع لقصور القلب عند المسنين، ومن الأسباب الشائعة الأخرى نذكر ارتفاع التوتر الشرياني وأمراض الدسامات التنكسية التكلسية.
· يكون سوء الوظيفة الانبساطية المظهر المسيطر خصوصاً عند مرضى ارتفاع التوتر الشرياني.
· تحسن مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين الأعراض وتخفض نسبة المواتة، ولكنها أحياناً تسبب انخفاض توتر شرياني انتصابي بسبب انخفاض حجم البلازما المرتبط بالعمر ونقص حساسية مستقبلات الضغط وعدم سلامة الدسامات الوريدية والتغيرات في التنظيم الذاتي للجريان الدموي الدماغي.
· يستطب عادة استخدام مدرات العروة ولكن قد يكون تحملها سيئاً عند المرضى المصابين بالسلس البولي وعند الرجال المصابين بضخامة الموثة.
3. إعادة التوعية Revascularisation:
يمكن للمجازة الإكليلية أو التداخل الإكليلي عبر الجلد أن يحسن وظيفة الجزء الواهن من العضلة القلبية (الجزء الذي هو بحالة سبات Hibernating) نتيجة عدم وصول تروية دموية كافية له، ويمكن أن تستخدم هذه الطريقة لعلاج مرضى منتخبين بدقة مصابين بقصور قلب مع داء إكليلي. عند الضرورة يمكن تحديد العضل القلبي الذي هو بحالة سبات بواسطة تصوير القلب بالصدى خلال الجهد وبواسطة العديد من التقنيات النووية الخاصة.
4. زرع القلب Heart transplantation:
إن هذه الطريقة معتمدة وناجحة جداً من أجل المرضى المصابين بقصور قلب معند. ويعد الداء الإكليلي واعتلال العضلة القلبية التوسعي أشيع استطبابات زرع القلب. ولقد أدى استخدام السيكلوسبورين من أجل تثبيط المناعة لتحسين البقيا التي تزيد حالياً عن 90 % لمدة سنة واحدة. هذا وإن عدم وجود عدد كافٍ من المتبرعين أدى إلى الحد من هذه العملية التي تقتصر حالياً على المرضى اليافعين المصابين بأعراض شديدة.
إن زرع القلب التقليدي مضاد استطباب عند المرضى المصابين بمرض وعائي رئوي نتيجة قصور بطين أيسر مديد أو نتيجة مرض قلبي خلقي معقد (متلازمة إيزنمنجر Eisenmenger's Syndrome مثلاً) أو نتيجة ارتفاع التوتر الرئوي البدئي لأن البطين الأيمن العائد لقلب المتبرع قد يصاب بالقصور نتيجة المقاومة الوعائية الرئوية المرتفعة. على كل حال يعد زرع القلب والرئة خياراً بديلاً مقبولاً عند مثل هؤلاء المرضى، وهو يستخدم أيضاً لعلاج الأمراض التنفسية الانتهائية مثل التليف الكيسي.
رغم أن زرع القلب يحدث عادةً تحسناً دراماتيكياً في نوعية حياة المريض ولكنه قد يترافق مع بعض الاختلاطات الخطيرة:
ـ الرفض: رغم الاستخدام الروتيني للسيكلوسبورين A والآزاثيوبرين والستيروئيدات القشرية فمن الشائع أن تحدث نوب من الرفض التي قد تتظاهر بقصور القلب أو اللانظميات أو التبدلات التخطيطية البسيطة. غالباً ما تؤخذ خزعة من القلب لإثبات التشخيص قبل البدء بإعطاء جرعات عالية من الستيروئيدات.
ـ التصلب العصيدي المتسارع: غالباً ما ينجم قصور القلب الناكس عن التصلب العصيدي المترقي في الشرايين الإكليلية للقلب المتبرع به. وهذا الاختلاط ليس حكراً على المرضى الذين زرع لهم القلب من أجل إصابتهم بالداء الإكليلي، وربما يكون مظهراً للرفض المزمن. إن الخناق الصدري نادر لأن القلب المزروع مزال التعصيب.
ـ الإنتان: لاتزال الإنتانات الإنتهازية ببعض العوامل الممرضة مثل الحمة المضخمة للخلايا أو الرشاشيات السبب الرئيسي لموت مرضى الزرع.