التهاب الكبد المناعي الذاتي
AUTOIMMUNE HEPATITIS
يحدث هذا الشكل من التهاب الكبد المزمن عند النساء غالباً ولاسيما في العقدين الثاني والثالث من العمر.
A. السببيات والتشريح المرضي:
صنف تحت هذا المصطلح العديد من الاضطرابات الفرعية ذات الواسمات المناعية المختلفة. يتميز التهاب الكبد المناعي الذاتي الكلاسيكي (النمط I) بارتفاع نسبة ترافقه مع اضطرابات مناعية ذاتية أخرى مثل داء غريف، وهو يترافق مع HLA-DR3 و DR4 ولاسيما HLA-DRB3* 0101 و HLADRB1* 0401.
يحوي مصل هذا المريض تراكيز عالية من الضد الموجه للنوى والضد الموجه للعضلات الملساء ولكن هذين الضدين غير سامين للخلايا. تفترض النظرية التي تحاول تفسير تطور التهاب الكبد المناعي الذاتي من النمط I أنه ينجم عن تعبير زائغ لمستضد HLA على الخلايا الكبدية تحت تأثير عوامل حموية ومورثية ومحيطية.
يتميز التهاب الكبد المناعي الذاتي من النمط II بوجود الأضداد anti-LKM (أضداد للميكروزومات الكبدية – الكلوية) وغياب الأضداد الموجهة للنوى أو للعضلات الملساء. إن الأضداد anti-LKM تميز السيتوكروم P450-IID6 الذي يتوضع على الغشاء الخاص بالخلايا الكبدية.
إن المظاهر التشريحية المرضية لكلا النمطين متشابهة تماماً، ولقد تحدثنا عنها في بحث سابق.
B. المظاهر السريرية:
يكون بدء المرض مخاتلاً حيث يصاب المريض بالوهن والقهم واليرقان. في ربع الحالات يكون بدء المرض حاداً يقلد التهاب الكبد الحموي ولكنه لا يشفى. تشمل المظاهر الأخرى كلاً من الحمى والآلام المفصلية والدوار والرعاف. إن انقطاع الطمث هو القاعدة.
بالفحص السريري قد تكون صحة المريض العامة جيدة، ويكون اليرقان خفيفاً إلى متوسط الشدة وقد يكون غائباً أحياناً، ولكن علامات الداء الكبدي المزمن ولاسيما توسع الشعريات العنكبوتي والضخامة الكبدية الطحالية تكون موجودة عادة. أحياناً يلاحظ أن وجه المريض ذو سحنة كوشينغ مع عدٍ فيه ويلاحظ وجود شعرانية وخطوط جلدية زهرية ولاسيما على الفخذين والبطن.
قد تشاهد التكدمات أحياناً. رغم أن المرض الكبدي يسيطر على الصورة السريرية فإنه من الشائع أن تظهر العديد من الحالات المرافقة في التهاب الكبد المناعي الذاتي كامل التطوير مما يشير بشكل قاطع إلى طبيعته الجهازية (انظر الجدول 43).
الجدول 43: الحالات التي تترافق مع التهاب الكبد المناعي الذاتي.
· التهاب المفاصل العديدة الهاجر.
· المتلازمة الكلائية.
· التهاب الدرق لهاشيموتو.
· اندفاعات جلدية شروية.
· ذات الجنب.
· الوذمة المخاطية.
· ضخامة لمفاوية.
· الانسمام الدرقي.
· فقر الدم الانحلالي إيجابي تفاعل كومبس.
· التهاب الكبب والكلية.
· ارتشاحات رئوية عابرة.
· التهاب الكولون القرحي.
C. الاستقصاءات:
تختلف نتائج اختبارات وظائف الكبد باختلاف فعالية المرض. يتمثل الالتهاب الفعال بارتفاع فعالية الخمائر الناقلة للأمين البلازمية. وتتمثل شدة الأذية الكبدية بانخفاض تركيز ألبومين المصل وتطاول زمن البروترومبين.
غالباً ما تزداد فعالية الخمائر الناقلة للأمين أكثر من 10 أضعاف خلال النكس عند المصابين بالداء كامل التطور، ومن الشائع وجود نقص في ألبومين الدم وزيادة في الغلوبولينات التي تكون متعددة النسائل وتنجم بشكل رئيسي عن زيادة ملحوظة في IgG.
يعكس تركيز بيلروبين المصل درجة اليرقان ولكنه عادة لا يزيد عن 100 مكرومول/ لتر (6 ملغ/دل). يعكس التركيز المصلي للفوسفاتاز القلوية درجة الركودة الصفراوية داخل الكبدية.
قد تشير الاختبارات المصلية الخاصة بكشف أجسام ضدية ذاتية نوعية إلى التهاب كبد مناعي ذاتي (انظر الجدول 44). على كل حال فإن كل هذه الأضداد متغايرة ويمكن أن تظهر عند أناسٍ طبيعيين (سليمين) ولا سيما عند النساء والأشخاص المسنين.
تشاهد الأضداد الموجهة للنوى عند حوالي 5% من الناس الأصحاء وتشاهد الأضداد الموجهة للعضلات الملساء عند 1.5% من الناس الأصحاء أيضاً. ولكن الأضداد الموجهة للميتوكوندريا نادرة حيث تشاهد عند حوالي 0.01% منهم.
تكون عيارات الأضداد عند هؤلاء الأشخاص منخفضة كذلك تشاهد الأضداد الموجهة للنوى والموجهة للميتوكوندريا عند المصابين بأمراض النسيج الضام والأمراض المناعية الذاتية مثل اضطرابات الغدة الدرقية وفقر الدم الوبيل، وبالمقابل ظهرت الأضداد الموجهة للعضلات الملساء عند المصابين بداء وحيدات النوى الخمجي وبأنواع مختلفة من الخباثات.
يظهر (الجدول 44) تواترات الأجسام الضدية المختلفة. تشاهد الأضداد المضادة للميكروزومات (anti-LKM) عند الأطفال واليافعين بشكل خاص. تظهر خزعة الكبد وجود التهاب كبد بيني مع أو دون تشمع.
D. التدبير:
إن علاج التهاب الكبد المناعي الذاتي بالستيروئيدات القشرية منقذ للحياة، ولاسيما خلال تفاقم المرض الفعال والأعراض. في البداية يعطى المريض محضر بريدنيزولون فموياً بجرعة 30 ملغ يومياً ويصار إلى تخفيضها تدريجياً حالما تبدأ نتائج واختبارات وظائف الكبد بالتحسن.
يجب الاستمرار بالعلاج لمدة سنتين على الأقل بعد عودة اختبارات وظائف الكبد للمجال الطبيعي كذلك يجب عدم إيقاف العلاج إلا بعد التأكد من أن خزعة الكبد طبيعية. من غير الشائع أن تظهر التأثيرات الجانبية للبريدنيزولون عند إعطائه بجرعة استمرارية تعادل 10 ملغ/اليوم أو أقل، ويمكن إضافة الأزاثيوبرين 50-100ملغ/اليوم فموياً للعلاج لكي نتمكن من تخفيض جرعة البريدنيزولون لمستوى 10 ملغ/اليوم أو أقل (انظر جدول EBM).
إن الستيروئيدات القشرية تعالج وتقي من نوب التفاقم الحادة أكثر من أن تمنع تطور التشمع، ولذلك فإن أهميتها قليلة نسبياً عند المريض المصاب بالتهاب كبد مناعي ذاتي لا أعراض مع فعالية مخبرية ونسجية طفيفة.
EBM
التهاب الكبد المناعي الذاتي- دور العلاج المثبط للمناعة:
أظهر علاج مرضى التهاب الكبد المناعي الذاتي بالبريدنيزولون مع أو دون الأزاثيوبرين تحسناً ملحوظاً في نتائج الاختبارات المصلية والبنية النسجية الكبدية والبقيا مقارنة مع العلاج بالأزاثيوبرين لوحده أو بالعلاج الزائف.
لوحظ عند المرضى الذين استمر المرض في الهجوع لديهم لمدة تزيد عن سنة واحدة أن رفع جرعة الأزايثوبرين من 1 ملغ/كغ إلى 2 ملغ/كغ وإيقاف البريدنيزولون قد ترافق مع انخفاض نسبة ظهور التأثيرات الجانبية للستيروئيد وعدم ارتفاع نسبة النكس (نكس التهاب الكبد).
E. الإنذار:
يحدث هذا المرض على شكل نوب من الهجوع وأخرى من التفاقم، وفي النهاية يصاب معظم المرضى بالتشمع واختلاطاته المختلفة. إن كارسينوما الخلية الكبدية غير شائعة.
يموت حوالي نصف المرضى الأعراضيين بقصور الكبد خلال 5 سنوات من التشخيص فيما لو لم يعالجوا، وتنخفض هذه النسبة لـِ 10% مع العلاج.
داء الصباغ الدموي (الهيموكروماتوز)
HAEMOCHROMATOSIS
في هذا المرض تزداد كمية الحديد الكلية في الجسم مما يؤدي لترسبه في العديد من أجهزة الجسم بما فيها الكبد وإلحاق الأذى بها. قد يكون بدئياً أو أولياً ناجماً عن أمراض أخرى.
I. داء الصباغ الدموي (الأولي) الوراثي:
HEREDITARY (PRIMARY) HAEMOCHROMATOSIS:
في هذا الشكل من داء الصباغ الدموي تصل كمية الحديد الكلية في الجسم إلى 20-60 غرام (الطبيعي 4 غرام) يترسب هذا الحديد في أنحاء الجسم. تشمل الأجهزة المهمة التي تشملها الإصابة كلاً من الكبد وجزيرات المعثكلة والغدد الصم والقلب.
يحدث ترسب الحديد أولاً في الخلايا الكبدية حول البابية ليمتد لاحقاً إلى كل تلك الخلايا. يؤدي التطور التدريجي للحواجز الليفية إلى تشكل عقيدات غير منتظمة، وفي النهاية يؤدي التجدد إلى التشمع كبير العقيدات. قد يحدث فرط الحديد الكبدي في التشمع الكحولي ولكنه خفيف بالمقارنة مع داء الصباغ الدموي.
A. السببيات:
ينجم داء الصباغ الدموي الوراثي عن زيادة امتصاص الحديد الوارد مع القوت هذا العجز عن الحد من امتصاص الحديد يورث على شكل خلة جسمية مقهورة تتوضع مورثتها على الصبغي 6.
إن حوالي 9% من المرضى لديهم طفرة وحيدة البؤرة تؤدي لحلول السيستئين محل التيروزين عند الموضع 282 (C282Y) في البروتين ذي البنية التركيبية والوظيفية المشابهة لبروتينات HLA يسمى HFE.
إن الدور الدقيق لبروتين HFE في تنظيم امتصاص الحديد غير معروف. على كل حال يعتقد أن هذا البروتين يكون غائباً من الغشاء القاعدي الوحشي لخلايا الظهارة المعوية حيث يتآثر Interact في الحالة الطبيعية مع مستقبل ترانسفيرين إن هذا الخلل في قبط الحديد المرافق مع الترانسفيرين قد يؤدي إلى تنظيم أعلى لنواقل المعدن ثنائي التكافؤ النوعية لحديد الخلايا المعوية ويؤدي أيضاً لزيادة معدل امتصاص الحديد.
كذلك يمكن لطفرة هيستدين إلى حمض الأسبارتيك عند الموضع 63 (H63D) في البروتين HFE أن تسبب داء الصباغ الدموي أيضاً ولكنه يكون أقل شدة ويشاهد بشكل شائع عند مرضى متغايري اللواقح وبنفس الوقت يحملون الأليل C282Y المصاب بالطفرة.
ربما نجد أن أقل من 50% من متماثلي اللواقح بالنسبة لـ C282Y ستتطور لديهم مظاهر سريرية لداء الصباغ الدموي الوراثي لذلك يجب أن تكون هناك عوامل أخرى هامة. إن ضياع الحديد خلال الحيض والحمل قد يحمي الإناث من الإصابة بهذا المرض حيث أن 90% من المرضى من الذكور.
B. المظاهر السريرية:
يظهر هذا المرض عادة عند الرجال بأعمار 40 سنة أو أكثر، وهو يتظاهر بعلامات التشمع الكبدي (ولاسيما الضخامة الكبدية) أو بالداء السكري أو بقصور القلب. تشاهد تصبغات رمادية جلدية نتيجة فرط الميلانين.
ولاسيما في الأجزاء المكشوفة والإبطين والمغبنين والمنطقة التناسلية (ولذلك يسمى بالسكري البرونزي)، كذلك من الشائع أن يصاب المريض بالعنانة ونقص الشبق وضمور الخصيتين والتهاب المفاصل والكلاس الغضروفي الناجم عن ترسب كالسيوم بيروفوسفات. حالياً تزداد معرفتنا أيضاً بظهور أعراض سريرية باكرة مثل التعب والوهن والاعتلال المفصلي.
C. الاستقصاءات:
يرتفع تركيز فبرتين المصل بشكل كبير، كذلك يرتفع تركيز حديد المصل أيضاً مع ارتفاع السعة الرابطة للحديد. قد يظهر التصوير المقطعي المحوسب مظاهر زيادة الحديد في الكبد.
يؤكد التشخيص بالخزعة الكبدية التي تظهر وجود ترسبات كثيفة من الحديد وتليف قد يتطور إلى تشمع. يمكن قياس محتوى الكبد من الحديد بشكل مباشر كذلك يمكن كشف طفرات C282Y و H63D.
D. التدبير:
يتألف العلاج من فصادة 500 مل من الدم أسبوعياً (250 ملغ حديد) إلى أن يصل تركيز حديد المصل للمجال الطبيعي، قد يتطلب هذا الأمر مرور عامين أو أكثر من الفصادة الأسبوعية بعد ذلك نستمر بالفصادة بقصد الحفاظ على تركيز فيرتين المصل طبيعياً. المعالجات الأخرى تتضمن العلاجات الخاصة بالتشمع والداء السكري.
يجب استقصاء أفراد العائلة من الدرجة الأولى ويتم ذلك بالمسح المورثي وفحص فيرتين المصل والسعة الرابطة للحديد أيضاً. تستطب خزعة الكبد للأقارب اللاأعراضيين إذا كانت اختبارات وظائف الكبد شاذة و/أو كان فيرتين المصل يزيد عن 1000 مكغ/ليتر، لأن هذه الموجودات تترافق مع تليف أو تشمع ملحوظين. كذلك يجب علاج الداء اللاأعراضي بالفصد وذلك عند ارتفاع تركيز فيرتين المصل لقيم تزيد عن المجال الطبيعي.
E. الإنذار:
إن إنذار داء الصباغ الدموي الوراثي جيد بالمقارنة مع بقية أشكال التشمع، حيث أن ثلاثة أرباع المرضى يعيشون لمدة 5 سنوات بعد التشخيص، ينجم ذلك ربما عن أن وظائف الكبد تكون جيدة عند التشخيص وتتحسن لاحقاً بالعلاج.
بما أن الكارسينوما الكبدية هي السبب الرئيسي لموت هؤلاء المرضى وهي تحدث عند حوالي ثلث الذين يصابون بالتشمع بغض النظر عن العلاج لذلك فإن سبر هذه المجموعة من المرضى أمر ملح لا غنى عنه.
II. فرط الحمل بالحديد المكتسب (داء الصباغ الدموي الثانوي):
ACQUIRED IRON OVERLOAD (SECONDARY HAEMOCHROMATOSIS):
تترافق العديد من الحالات مثل الاضطرابات الانحلالية المزمنة وفقر الدم بالأرومات الحديدية والحالات التي تحتاج لنقل دم متكرر (أكثر من 50 ليتراً) والبورفيريا الجلدية الآجلة وفرط الحمل بالحديد الوارد مع الغذاء وأحياناً التشمع الكحولي، تترافق كل هذه الحالات مع سحار حديدي ثانوي واسع الانتشار.
إن المظاهر مشابهة لتلك الناجمة عن داء الصباغ الدموي، ولكن القصة المرضية والموجودات السريرية تشير للتشخيص الحقيقي (السبب المستبطن). يكون بعض المرضى متخالفي اللواقح بالنسبة لمورثة داء الصباغ الدموي الأولي وهو العامل الذي قد يساهم في تطور فرط الحمل من الحديد.
داء ويلسون (التنكس الكبدي العدسي)
WILSON'S DISEASE
(HEPATOLENTICULAR DEGENERATION)
هذا الداء حالة نادرة ولكنها مهمة تتميز بازدياد المحتوى الكلي من النحاس في الجسم، مع ترسبه بشكل مفرط في العديد من الأجهزة وإلحاقه الأذية بها.
A. السببيات والتشريح المرضي:
ينتقل داء ويلسون على شكل مورثة جسمية مقهورة تؤدي لتراكم النحاس بشكل شاذ. في الحالة الطبيعية يمتص النحاس الوارد مع الطعام عبر المعدة والجزء الداني من المعي الدقيق ويقبط بسرعة من قبل الكبد حيث يخزن ويندمج مع السيرولوبلاسمين الذي يطرح بدوره إلى الدم. بمنع تراكم كميات فائضة من النحاس في الجسم بإطراحه (أهم طريق لإطراحه يتم عبر الصفراء).
في داء ويلسون يوجد دائماً (بشكل غالب) قصور في تركيب السيرولوبلازمين، على كل حال لوحظ أن حوالي 5% من المرضى يكون تركيز سيرولوبلازمين الدم لديهم طبيعياً وبالتالي لا يكون نقصه هو الخلل المرضي الأولي. تكون كمية النحاس في الجسم طبيعية عند الولادة، ولكنها تزداد بشكل ثابت لاحقاً، تشمل الأجهزة التي تتأذى بهذا المرض أكثر من غيرها كلاً من الكبد والنوى القاعدية في الدماغ والعينين والكليتين والجهاز الهيكلي.
تتوضع المورثة المسؤولة عن داء ويلسون على الصبغي 13 وهي تدعى بالمورثة ATP7B. هذه المورثة ترمز عضواً من عائلة الأتباز الناقل للنحاس من النمط P، الذي يعمل على تصدير النحاس من مختلف أنواع الخلايا. وصف 200 طفرة على الأقل.
وبرغم أن معظم هذه الطفرات نادرة فإن تواترها النسبي يختلف باختلاف الشعوب. حيث أن الطفرة الخاصة بالهيستدين إلى الغلوسين (الأساس الوحيد) عند الموضع 1069 شائعة بشكل أكثر عند البولنديين والنمساويين ولكنها نادرة في آسيا والهند وساردنيا. وبالمقابل فإن حوالي 60% من المرضى الساردينين لديهم خبن في 15 نيوكليوتيد في المنطقة َ5غير المترجمة من مورثة داء ويلسون.
إن معظم الحالات تكون متخالفة اللواقح مع طفرتين مختلفتين في مورثة داء ويلسون. إن المحاولات التي بذلت لربط النمط المورثي مع شكل ظهور المرض وسيره لم تستطع إثبات أي تلازم ذي شأن.
B. المظاهر السريرية:
تظهر الأعراض عادة بين عمري 5 إلى 30 سنة، يحدث الداء الكبدي بشكل مسيطر في الطفولة وفي المرحلة الباكرة من اليفع، بينما تظهر الأذية العصبية التي تؤدي لحدوث متلازمات النوى القاعدية والعتاهة في مرحلة متأخرة من اليفع. قد تحدث هذه المظاهر متزامنة مع بعضها أو متعاقبة. تشمل المظاهر الأخرى كلاً من انحلال الدم وأذية الأنابيب الكلوية وتخلخل العظام، ولكنها لا تظهر في البداية مطلقاً.
1. حلقات كايزر – فليشر:
تعد هذه الحلقات أهم علامة سريرية مفردة تشير للتشخيص، ويمكن رؤيتها عند معظم المرضى الذين تظهر لديهم الأعراض في مرحلة اليفع أو ما بعدها. أحياناً لا تظهر إلا بالفحص بواسطة المنظار الشقي. تتميز هذه الحلقات باصطباغ أخضر – بني عند حافة القرنية، تظهر في البداية على الحافة العلوية المحيطية (انظر الشكل 25)، وهي تختفي لاحقاً بعد تطبيق العلاج. في حالات نادرة تحدث مظاهر لا يمكن تمييزها عن حلقات كايزر فليشر وذلك في سياق أشكال أخرى من التهاب الكبد المزمن والتشمع.
الشكل 25: حلقة كايز-فليشر عند الوصل القرني الصلبي (السهم) لدى مريض مصاب بداء ويلسون.
2. الداء الكبدي:
قد يتظاهر بعدة أشكال تكون غير نوعية. فقد تحدث هجمات من التهاب الكبد الحاد تكون ناكسة أحياناً ولاسيما عند الأطفال، وقد تتطور لقصور كبدي حاد. كذلك قد يصاب المريض بالتهاب كبد مزمن أو بالتهاب كبد شحمي، وفي بعض الحالات يتطور تشمع مع قصور كبدي وارتفاع توتر بابي. إن حدوث التهاب كبد حاد ناكس مجهول السبب ولاسيما إن ترافق مع انحلال الدم، أو حدوث داء كبدي مزمن مجهول السبب عند شخص يقل عمره عن 40 سنة، إن ذلك يشير لداء ويلسون.
3. الداء العصبي:
تشمل المظاهر السريرية طيفاً من المظاهر خارج الهرمية ولاسيما الرعاش والرقص الكنعي وعسرة المقوية والباركنسونية والعتاهة (انظر فصل الأمراض العصبية).
C. الاستقصاءات:
إن انخفاض تركيز سيرولوبلازمين المصل هو أفضل علامة مخبرية وحيدة تشير للتشخيص. على كل حال فإن القصور الكبدي المتقدم مهما كان سببه قادر على خفض تركيز سيرولوبلازمين المصل، بالإضافة إلى أن هذا الأخير قد يكون طبيعياً عند بعض مرضى داء ويلسون. ولذلك يجب البحث عن المظاهر الأخرى التي تشير لاضطراب استقلاب النحاس مثل ارتفاع تركيز نحاس المصل وارتفاع معدل إطراحه مع البول وارتفاع محتوى الكبد منه بشكل شديد.
يعجز مريض داء ويلسون عن دمج النحاس المشع إلى السيرولوبلازمين ولكن لا نحتاج لإجراء هذا الاختبار في الممارسة مطلقاً. إن أهمية وفائدة الفحص المورثي محدودتان بسبب وجود طيف واسع من الشذوذات المورثية، ولكنه قد يفيد في سبر العائلات التي ثبتت إصابة أحد أفرادها بهذا المرض.
D. التدبير:
يعد محضر بنسيلامين (دواء رابط للنحاس) الدواء المنتخب لعلاج داء ويلسون. يجب أن تكون الجرعة المعطاة منه كافية لإحداث إدرار كافٍ من النحاس (بيلة نحاسية) وهذا ما يتم بجرعة 1.5 غرام/اليوم (المجال 1-4 غرام) يمكن تخفيض جرعته عند هجوع المرض، ولكن العلاج يجب أن يستمر مدى الحياة، مع ضرورة الحذر من عودة النحاس للتراكم مرة أخرى.
يجب عدم إيقاف العلاج بشكل مفاجئ لأن ذلك قد يؤدي لقصور كبدي حاد. إن التأثيرات السمية الخطيرة الناجمة عن هذا الدواء نادرة بين مرضى وداء ويلسون، فإذا ظهرت يجب إيقافه واستبداله إما بمحضر ترينتين ثنائي هيدروكلورايد (1.2-2.4 غرام/اليوم) أو بالزنك. قد يستطب إجراء زراعة كبد في حال ظهور قصور كبدي حاد أو لتدبير التشمع المتقدم المترافق مع القصور الكبدي.
E. الإنذار:
إن إنذار داء ويلسون ممتاز فيما لو بدأنا بعلاجه قبل ظهور أذية لا عكوسة. لا تحدث كارسينوما الخلية الكبدية في سياقه. يجب فحص أولاد وأشقاء المرضى المصابين بداء ويلسون، ويجب إعطاؤهم العلاج في حال كانوا مصابين بهذا المرض حتى ولو كانوا لا أعراضيين.
عوز خميرة ألفا1 - انتي تريبسين
ALPHA1-ANTITRYPSIN DEFICIENCY
إن خميرة ألفا واحد أنتي تريبسين (ألفا1 - AT) عبارة عن مثبطٍ للسيرين بروتياز تصنع في الكبد. إن شكل هذه الخميرة يتحدد وراثياً، وأحد هذه الأشكال (PiZ) لا يمكن إفرازه من الخلايا الكبدية إلى الدم بسبب تبلمره ضمن الشبكة الهيولية الباطنة العائدة للخلايا الكبدية.
إن الأشخاص المتماثلي اللواقح (PiZZ) لديهم تراكيز بلازمية منخفضة من هذه الخميرة، رغم وجود حويصلات في الكبد تحوي كميات ملحوظة منها. يترافق هذا الشكل من عوز خميرة (ألفا1 - AT) مع أمراض كبدية ورئوية. تشمل الأمراض الكبدية كلاً من اليرقان الركودي في مرحلة حديث الولادة (التهاب الكبد الوليدي) والذي قد يشفى عفوياً، والتهاب الكبد المزمن والتشمع عند البالغين، وتطور كارسينوما الخلية الكبدية على المدى الطويل.
لا توجد مظاهر سريرية تميز المرض الكبدي الناجم عن عوز هذه الخميرة عن ذاك الناجم عن بقية الأسباب. وتشخص الحالة بناءً على انخفاض تركيز خميرة (ألفا1 - AT) المصلي وعلى وجود النمط المورثي PiZZ. يمكن كشف الحويصلات الكبدية التي تحوي هذه الخميرة ولكن ذلك لا يعني حتمية التشخيص بالضرورة. أحياناً نجد أن المرضى المصابين بمرض كبدي ويكون لديهم انخفاض طفيف في تركيز خميرة (ألفا1 - AT) المصلي، يكون لديهم أنماط شكلية لهذه الخميرة غير PiZZ مثل النمط PiMZ أو PiSZ، ولكن علاقة هذه الأنماط مع المرض الكبدي غير مؤكدة.
لا توجد معالجة نوعية لهذا المرض. وإن ارتفاع خطورة إصابة المريض بنفاخ رئوي باكر وشديد يجعلنا ننصح كل هؤلاء المصابين بهذا الداء بالتوقف عن التدخين بشكل مطلق.
التشمع الصفراوي
BILIARY CIRRHOSIS
ينجم التشمع الصفراوي عن تخرب الأقنية الصفراوية داخل الكبدية في حالات التشمع الصفراوي البدئي أو التهاب الأقنية الصفراوية المصلب البدئي، كذلك قد ينجم عن الانسداد الصفراوي المديد.
I. التشمع الصفراوي البدئي:
يصيب هذا المرض النساء بشكل رئيسي، حيث يتظاهر سريرياً لديهن بمنتصف العمر. وإن توافر الاختبارات المشخصة للمرض حالياً قد كشف عن العديد من الحالات اللاأعراضية التي تبقى هاجعة لعدة سنوات، وأظهر أن هذا المرض شكل شائع نسبياً للتشمع.
A. السببيات والتشريح المرضي:
إن سبب هذا المرض غير معروف ولكن يعتقد بوجود ارتكاسات مناعية تسبب أذية كبدية. اكتشفت أجسام ضدية ذاتية ومعقدات مناعية في الدم، وقد لوحظ اضطراب المناعة الخلوية وتطور ارتكاسات مناعية خلوية شاذة عند المرضى. تشمل الآفة التشريحية المرضية الأولية التهاباً حبيبومياً مزمناً يؤذي ويخرب الأقنية الصفراوية بين الفصيصية. تنتشر الأذية الالتهابية المترقية المترافقة مع التليف من المسافات البابية إلى المتن الكبدي لتسبب التشمع في نهاية الأمر.
B. المظاهر السريرية:
إن الأعراض اللانوعية مثل الوسن والوهن والآلام المفصلية شائعة، وقد تسبق التشخيص بعدة سنوات.
تعد الحكة أشيع شكوى أولية تشير لوجود مرض كبدي صفراوي، وقد تسبق اليرقان بعدة أشهر إلى عدة سنوات. اقتُرِحَ أن الحموض الصفراوية هي سبب الحكة ولكن هذا الاقتراح لم يثبت بالدليل القاطع حتى الآن. قد يكون اليرقان العرض الأولي ولكنه عند ظهوره يترافق عادة مع الحكة. رغم وجود انزعاج بطني فإن الألم البطني والحمى والرعدات التي تشكل بمجملها مظاهر انسداد الأقنية الصفراوية الكبيرة تكون غائبة ولا تظهر في سياق هذا المرض.
أحياناً يصاب المريض بالإسهال بسبب سوء امتصاص الدسم، ويصاب بالألم وحس الوخز في اليدين والقدمين نتيجة ارتشاح الأعصاب المحيطية بالشحوم. قد يكون الألم العظمي أو الكسور الناجمين عن تلين العظام (التالي بدوره لسوء الامتصاص) أو تخلخل العظام (الحثل العظمي الكبدي) مظهرين مسيطرين ومزعجين جداً للمريض في المراحل المتقدمة من المرض.
في البداية تكون صحة المريض جيدة ولكن مع ترقي المرض يصاب بنقص وزن ملحوظ. قد تكون علامات الحك موجودة. يكون اليرقان العلامة المسيطرة في المراحل المتأخرة من المرض وقد يكون شديداً جداً. تحدث ترسبات صفرومية عند نسبة قليلة من المرضى ولاسيما حول العينين وفي أثلام اليدين وفوق المرفقين والركبتين والإليتين إن الضخامة الكبدية ثابتة، وتغدو الضخامة الطحالية شائعة بشكل زائد حالما يتطور ارتفاع التوتر البابي. يتطور قصور كبدي وارتفاع توتر بابي حالما يترقى المرض.
الأمراض المرافقة:
تحدث أمراض النسيج الضام والأمراض المناعية الذاتية بتواتر زائد عند مرضى التشمع الصفراوي الأولي، ولاسيما عند المصابين بمتلازمة الجفاف Sicca والداء الزلاقي وأمراض الغدة الدرقية. يجب التفكير دوماً بقصور نشاط الدرق عند المرضى المصابين بالتعب.
C. الاستقصاءات:
تظهر اختبارات وظائف الكبد النمط الركودي. إن فرط كوليستيرول الدم شائع ويسوء مع ترقي المرض وتطوره، ولكنه عديم القيمة من الناحية التشخيصية غالباً. إن الضد الموجه للميتوكوندرياً إيجابياً عند 95% من المرضى، وعندما يكون سلبياً فإننا لا نستطيع إثبات التشخيص إلا بالحصول على دليل نسجي وبإجراء الـERCP لنفي الأمراض الصفراوية الأخرى.
قد تكون الأضداد الموجهة للنوى والموجهة للعضلات الملساء إيجابية (انظر الجدول 44) وقد تكون الأضداد الذاتية المتعلقة بالأمراض المرافقة موجودة أيضاً. يظهر التصوير بأمواج فوق الصوت عدم وجود علامات على الانسداد الصفراوي. وكما ذكرنا سابقاً فإن لا يستطب إجراء الخزعة الكبدية إلا في الحالات المشكوك بها فقط.
D. التدبير:
لا توجد معالجة نوعية متوافرة لهذا المرض، ولقد جُرِّبَ الآزاثيوبرين والسيكلوسبورين والبنسيلامين والستيروئيدات القشرية، ولكن كل هذه المحضرات كانت غير فعالة بالإضافة لكونها تُحدث تأثيرات جانبية خطيرة.
يحسن محضر حمض أورسودي أوكسي كوليك اختبارات وظائف الكبد، وقد يبطئ ترقي المرض نسجياً ويسبب القليل من التأثيرات الجانبية (انظر جدول EBM). يجب دوماً التفكير بزرع الكبد عند تطور القصور الكبدي، وقد يستطب إجراؤه للمرضى المصابين بحكة معندة. قد يستطب تطبيق المعالجات للمضاعفات الناجمة عن الركودة الصفراوية ولاسيما الحكة وسوء الامتصاص.
EBM
التشمع الصفراوي الأولي: دور حمض أورسودي أوكسي كوليك:
لوحظ أن علاج التشمع الصفراوي البدئي بمحضر أورسودي أوكسي كوليك بجرعة 13-15 ملغ/كغ يومياً قد ترافق مع تحسن ملحوظ في شدة اليرقان وفي الواسمات المخبرية الركودية. أظهرت بعض التجارب العشوائية أن استخدام هذا المحضر يؤدي لإبطاء ترقي المرض. ورغم ذلك لم يظهر أن هذا المحضر يؤثر على المواتة أو على معدل زرع الكبد بشكل ملحوظ.
1. الحكة:
تعد من أبرز مظاهر المرض التي تحتاج للعلاج، وهي تدبر بشكل أفضل بإعطاء الريزين الرابط للأنيون المعروف باسم كوليسترامين الذي ينقص تركيز الحموض الصفراوية في الجسم بآلية الارتباط بها في الأمعاء وزيادة معدل إطراحها مع البراز. يعطى فموياً بجرعة 4-16 غ/اليوم. تمزج بودرته مع شراب البرتقال وتؤخذ الجرعة الرئيسية منه (8 غ) مع الفطور حيث تصل تراكيز الحموض الصفراوية ضمن العفج لذروتها في هذا الوقت. قد يرتبط محضر كوليسترامين مع أدوية أخرى في الأمعاء (مثل مضادات التخثر)، ولذلك يجب تناولها قبل ساعة من تناوله. أحياناً يكون الكوليسترامين غير فعال ولاسيما في حالة الانسداد الصفراوي التام، عندها يمكن تجريب محضر ريفامبيسين أو اللجوء للأشعة فوق البنفسجية فقد يفيدان مثل هؤلاء المرضى.
2. سوء الامتصاص:
تسبب الركودة الصفراوية المديدة إسهالاً دهنياً وسوء امتصاص الفيتامينات المنحلة بالدسم والكالسيوم. يمكن تخفيف الإسهال الدهني بتحديد الوارد اليومي من الدهون لـ40 غرام. كذلك يجب إعطاء المريض حقناً شهريةً من فيتامين K (10 ملغ)، وإعطائه فيتامين D (كالسيفيرول 1 ملغ/اليوم، ألفا كالسيدول 1 ملغ/اليوم فموياً) ومستحضرات الكالسيوم على شكل كالسيوم غلوكونات فوار (2-4 غرام يومياً) الذي يحوي كمية كبيرة من الصوديوم، ولذلك في حال كان لدى المريض احتباس في السوائل يجب إعطاؤه مستحضر كالسيوم غلوكونات اللافوار. يجب نفي الداء الزلاقي.
II. التشمع الصفراوي الثانوي SECONDARY BILIARY CIRRHOSIS:
يتطور هذا الشكل من التشمع بعد انسدادٍ مديد أصاب القناة الصفراوية الجامعة الناجم عن حصيات صفراوية أو نتيجة تضيقات في القناة الصفراوية أو نتيجة التهاب الأقنية الصفراوية المصلب (انظر لاحقاً). نادراً ما تسبب الكارسينومات تشمعاً صفراوياً ثانوياً لأن عدداً قليلاً من المرضى يعيش لفترة طويلة بشكل كافٍ لحدوث هذا الاختلاط.
توجد ركودة مزمنة مع هجمات من التهاب الأقنية الصفراوية الصاعد أو حتى تشكل الخراجات الكبدية. إن تبقرط الأصابع علامة شائعة، وقد يصاب المريض بالصفرومات وبالآلام العظمية. إن التشمع والحبن وارتفاع التوتر البابي مظاهر متأخرة. يجب علاج التهاب الأقنية الصفراوية بالصادات الحيوية التي يمكن إعطاؤها بشكل مستمر في حال كانت الهجمات تحدث بشكل متواتر.