بتـــــاريخ : 9/29/2011 9:35:49 PM
الفــــــــئة
  • الصحــــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1556 0


    زجاج معدني يجبر العظم ثم يتحلل

    الناقل : فراولة الزملكاوية | العمر :37 | الكاتب الأصلى : ~ نور العيون~ | المصدر : forum.te3p.com

    كلمات مفتاحية  :

    قطع من الزجاج البركاني




    إذا ما أصيبت عظام شخص بتلف نتيجة حادث، فإنه إما أن يتم تجبيره بجبيرة أو أكثر خارجيا، أو قد يخضع لمِبضع الجراح، الذي قد يلجأ لتثبيت عظم المريض بدعامات معدنية إما في صورة شرائح أو مسامير أو ألواح أو أسلاك تشد العظم المكسور أو المفتت إلى بعضه البعض كي ينجبر. وقد يتم هذا في صورة عملية واحدة أو عدة عمليات متتالية على فترات زمنية.

    عملية الترميم العظمي هذه اصطلح طبيا على تسميتها بـ "Osteosynthesis"، وفيها يتم تركيب أو استبدال عظم أو تثبيت وضم أجزاء عظم مكسور، بواسطة دعامات كصفائح الفولاذ أو التيتانيوم المقاوِمة للصدأ، وبعضها يكون دائما ويستمر مع المريض بعد الشفاء والتعافي، والبعض الآخر ليس كذلك.
    يسبق هذا كله يواكبه ويليه آلام وعذابات وجراح، لكن الأمر ربما لا ينتهي عند هذا الحد، فإن كتب الله الرءوف السلامة للمريض وتعافى والتأمت عظامه؛ فإنه يجب -في أغلب الحالات- نزع تلك المعادن التي غرست في عظام بدنه، ومن ثم يبدأ رحلة أخرى يجري له فيها إما عملية واحدة وربما أكثر بعذاباتها وآلامها هي الأخرى، وهذا يجري حتى الآن في مثل تلك الجراحات.
    من هنا كانت المعامل والمختبرات والمراكز البحثية ولا زالت تجد وتبحث عن سبيل لا يضطر معها الجراح إلى إجراء جراحات لنزع دعامات المعادن التي سبق تثبيتها بالجسم لتجبير العظام.
    والسبيل التي يرجو معها العلماء الوصول لتلك الغاية المنشودة هي دمج دعامات تتحلل بمرور الوقت، وعول الأطباء في ذلك على المتخصصين في مجال المعادن.
    والواقع فإن الفكرة ذاتها ليست جديدة، بل هي مستخدمة في حالات أخرى كالخيوط الطبية المستخدمة في خياطة الجروح وغير ذلك، لكن الجديد هنا هو استخدام سبائك أو معادن لا خيوط.
    لذا فمنذ سنوات عدة سعى خبراء المعادن لتطوير دعامات معدنية قابلة للتحلل طبيعيا عبر ما يعرف بالتآكل البيولوجي أو Biocorrode، ومن بين الجهات الرائدة في هذا المضمار المعهد الفيدرالي التقني العالي في زيورخ (ETH)؛ حيث يأمل العلماء هناك بأن تلعب عملية التآكل البيولوجي دورا رئيسيا في مستقبل الطب، لاسيما في مجال جراحات الـ Osteosynthesis.
    فمثلا في أحد الاستخدامات الأخرى، وعند عمل قسطرة لأحد الشرايين التاجية بالقلب لتوسعته، فإنه يتم إدخال دعامة معدنية أو أنبوب يتم زرعه داخل الشريان، وتظل على حالها لمدة قد تصل لستة أشهر، إلى أن يستتب اتساع الشريان، تكون في ذلك الحين قد أدت مهمتها، فتأخذ في التحلل بعد ذلك.
    الماغنسيوم هو الحل ولكن
    أما في مجال العظام فهم يعكفون الآن على تطوير دعامات مما يعرف بالزجاج المعدني، وهو يعد اكتشافا سويسريا شبه خالص، فكرته الرئيسية تعتمد على الماغنسيوم، بحيث يتم تركيبه فيبقى لمدة داخل الجسم، ثم يتحلل بعد تمام مهمته، على أن يسبق هذا تعديله بما يتوافق والمتطلبات الصحية والطبية، أي لا يتسبب مشاكل ويبقى داعما للعظم إلى أن يستقر ملتئما ويصمد، ثم يتحلل ذائبا داخل الجسم دونما الحاجة لنزعه بعملية جراحية لاحقة، ودون أن يؤذي الجسم.
    ليس هذا فحسب، بل إن في حالات زرع الدعامات المعدنية الدائمة المعروفة بآثارها السلبية، والتي تحتاج لعلاجات ما بعد الجراحة، فإن استخدام دعامات الماغنسيوم سوف يؤدي لتفادي تلك الآثار والمشاكل، والتي تظهر على المدى الطويل بعد عمليات الزراعة الداعمة.
    يميز الماغنسيوم أنه معدن خفيف وقابل للسحب مما يجعله ملائما لغرض الدعامات المعدنية لتجبير العظام داخليا، وفضلا على ذلك فهو يتحلل بسرعة، وبشكل كامل بالتأين في عملية يتقبلها الجسم، بيد أن دعامات الماغنسيوم هذه فيها عيب رئيسي، لا يزال يمثل حائلا دون استخدامه في الغرض ذاته، رغم مميزاته العديدة.
    فعندما تتحلل دعامات الماغنسيوم، فإنها تنتج هيدروكسيد الماغنسيوم ونسبة مرتفعة من الهيدروجين في شكل فقاعات غازية داخل الأنسجة المحيطة به، الأمر الذي يعوق نمو العظام لتلتئم فيتأخر التعافي، بل قد يتفاقم الأمر بحدوث التهابات مؤذية.
    لم يذبل الأمل، وإنما بعد أبحاث مكثفة أمكن لفريق بحثي بالمعهد السويسري ETH بقيادة البروفسور يورج لوفلر التغلب على هذا العيب وإزالة آثاره الجانبية، عن طريق إنتاج دعامات مبتكرة من سبيكة للماغنسيوم مع الزنك والكالسيوم، ولا زالت تحتفظ بخصائصها ومميزاتها البيولوجية من حيث تحللها داخل الجسم بشكل تام، وقبول الجسم البشري لها.
    وتم تجربة هذه السبيكة على الحيوانات، فلم تشاهد أي فقاعات غازية ناتجة عن استعمال السبيكة، وإن كان الفريق البحثي بقيادة لوفلر أستاذ فيزياء وتكنولوجيا المعاد بالمعهد غير متأكد من عدم وجود الهيدروجين، رغم كثرة التجارب التي تشير لعدم وجوده.
    السر في ذلك أنهم عندما خلطوا العناصر الثلاثة لم يتركوها بعد انصهارها تبرد على مهل فتتبلور، وإنما تم تبريدها بسرعة حتى لا تتبلور متخذة شكل الزجاج المعدني، الذي يعد أحد أكثر المواضيع سخونة في ميدان علوم المواد.
    وصارت تطبيقات الزجاج المعدني تكتسح وتطغى على مجالات استعمال المعادن التقليدية، لما تتمتع به من مرونة أعلى من مرونة المواد البلورية، وهي أقوى منها بمعدل الضعفين أو الثلاثة أضعاف، ولعل هذا الذي وجه تفكير الباحثين بالمعهد نحو استخدامها في عمليات جراحة العظام؛ حيث إنها تقدم نفس الفائدة والقيمة العملية التي للمعادن التقليدية، بل تربو عليها، لكونها أصغر حجما منها بكثير.
    التبريد والزجاج المعدني

    دعامات زجاج الماغنسيوم المعدني تنتج بالتبريد السريع
    نعم كان المفتاح لهذا الاكتشاف هو عملية التبريد، إذ تتم عملية إنتاج الزجاج المعدني من خلال تبريد المزيج المنصهر بسرعة عالية تمنع تراتب ذرات السبيكة في بنية بلورية كما هو الشأن في البنية التقليدية لمعظم المعادن، وإنما تتصلب بسرعة على هيئة زجاج لا بلوري البنية، بيد أنه يتمتع بمتانة المعادن.
    والواضح أن ذلك الأمر مستوحى من عملية تكوين الزجاج البركاني المعروف باسم Obsidian والذي يتكون عندما تندفع اللافا البركانية من باطن الأرض تحت سطح مياه المحيط، فلا تأخذ فرصتها في التبلور لإنتاج صخور متكونة من عدة معادن متبلورة، وإنما تفاجأ وهي على درجة حرارة عالية جدا ببرودة مياه المحيط الشديدة فيعمل فرق درجات الحرارة الهائل على تصلدها بسرعة عالية للغاية وتنتج هذا النوع من الزجاج الطبيعي.
    مرة أخرى المهم أنه بفضل هذه الطريقة، أمكن أيضا للباحثين زيادة كمية الزنك المضاف إلى الماغنسيوم عما هو عليه في السبائك التقليدية، إذ لا يمكن لسبيكة ماغنسيوم بلورية أن تحتوي على أكثر من 2.4% من الزنك، وإلا تفككت جزئيات الماغنسيوم.
    لكن بطريقة التبريد السريع التي قام بها الباحث برونو زبيرج من فريق البروفيسور لوفلر أمكن صنع سبيكة لا بلورية تحتوى على 35% من الزنك، إضافة لـ 5% الكالسيوم، وهذه السبيكة قد يصل سمكها لنحو 5 ملليمترات.
    هذا الفارق في نسبة الزنك والكالسيوم المضافين للماغنسيوم يصنع تغييرا جوهريا في السبيكة اللابلورية فيما يتعلق بمسألة التآكل البيولوجي، إذ إن هذه النسبة هي السر في عدم تكون غاز الهيدروجين، وبالتالي اختفاء الفقاعات، الأمر الذي يميز السبيكة في النهاية بالكفاءة العالية والمتانة والملائمة للجسم البشري وعدم إضراره.
    ومع ما سبق فإنه لا تزال هناك بضع سنين قبل أن تستخدم هذه الدعامات في جراحات العظام، فما برحت هناك حاجة إلى إجراء المزيد من التجارب المختبرية والسريرية، كي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن السبيكة تفي بجميع المتطلبات الطبية والصحية، ولا مضار لها على الإطلاق.
    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()