ليس كل الشيعة السعوديين يشعرون باضطهاد سياسي واجتماعي في المملكة. ليس ثمة من شك في ذلك. فهناك قلة قليلة من الشيعة ممن يشعرون بذلك بسبب "عقدة الاضطهاد " التي تغذيها مرجعيات دينية ايرانية لهم في قم والنجف.
ولكن معظم الشيعة السعوديين يشكون من الموقف المتزمت والمعادي لهم من التيار الديني المتشدد في السعودية، والذين يصفون الشيعة بـ"الروافض".
ولا اعتقد ان الحكم في السعودية مسؤول عن هذا الموقف المتزمت تجاه الشيعة، بل أنه يقع على عاتق التيار الديني المتشدد. وللإنصاف فأن الحكم في السعودية يشكو نفسه من تزمت اصحاب التيار الديني المتشدد الذي يجد من يدعمه في المؤسسة الدينية.
خذ مثلا بعض رموز التيار المتشدد، مثل الشيخين صالح اللحيدان وعبد الكريم الخضير - وهما عضوان في هيئة كبار العلماء. فهذان الشيخان رفضا قرارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإعطاء المرأة الحقوق السياسية التي يتمتع بها الرجل (عضويتها في مجلس الشورى بعد عامين، والمشاركة في الانتخابات البلدية بعد اربع سنوات)، بل واحرج هؤلاء الملك حين اصدر احد رموزهم، وهو قاض محكمة في مدينة جدة، وبعد يومين من قرارات منح المراة حقوقها السياسية، حكما بجلد احدى السيدات السعوديات لأنها قادت سيارتها.
الحكم في السعودية يتعامل بهدوء ولين مع رموز التيار الديني المتشدد، لانه لا يريد ان يثير عليه المؤسسة الدينية التي لها احترامها عند اهل الحكم ولها تأثيرها ونفوذها في المجتمع السعودي المحافظ.
ولكن خادم الحرمين الشريفين يعمل على استرضاء شيعة بلاده على اساس انهم سعوديون لهم حقوقهم الكاملة كمواطنين. فهو منْ اشركهم في الحوارات الوطنية التي اطلقها في المملكة منذ ان كان وليا للعهد ليروج لثقافة الحوار. وهناك مشايخ ورموز للشيعة السعوديين مقربون من الملك مثل الشيخ حسن الصفار.
ومثلما هناك تيار ديني متشدد متزمت في مواقفه تجاه الشيعة، هناك تيار متشدد ورافض عند اهل الشيعة السعوديين. واصحاب هذا التيار يشعرون دائما بعقدة الاضطهاد، وهذه العقدة تجعلهم يثورون دائما لأتفه الاسباب.
الفرق بين متشددي التيار الديني السني، ومتشددي اهل الشيعة، ان الاخيرين لهم مرجعيات دينية ايرانية الهوى والهوية في قم والنجف، ومن هؤلاء شيعة بلدة "العوامية" القريبة من مدينة القطيف شرق السعودية. فاهل العوامية كثيرو الحج الى كربلاء والنجف لمراجعة مرجعياتها الدينية المحسوبة على ايران، وهؤلاء تعودوا ان يثوروا على اي تصرف خاطئ او غير مقصود تتخذه السلطات السعودية في منطقتهم. وتتعامل السلطات السعودية معهم بالشدة احيانا وباللين احيانا اخرى، توقف المطلوبين للتحقيق ثم تطلق سراحهم.
العلاقة بين شيعة "العوامية " والسلطة، تراوحت دائما بين شد وجذب، انما لم تصل الامور الى حد التصادم كما حدث يوم الاثنين الماضي.
فان يحدث تصادم ويطلق فيه المحتجون الشيعة في العوامية الرصاص على رجال الامن السعوديين ويرمون احد مراكز الشرطة بزجاجات المولتوف الحارقة فهذا امر خطير، ولم تكن له سابقة.
ولماذا؟ لأن السلطات الامنية اوقفت اثنين من اباء مطلوبين للتحقيق معهم، وهذه امور كانت تحصل في السابق: يوقف الامن مطلوبين ثم يطلق سراحهم.
ان يتطور الامر الى حد الاحتجاج باطلاق الرصاص والقاء الزجاجات الحارقة فهذا امر يجب ان تعالجه السلطات السعودية باسلوبها السياسي الهادئ، وليس فقط من خلال المعالجة الامنية التي من الممكن ان تصعد الامور والتي من الممكن ان تفسح الفرصة لإيران لكي تتحرك وتتدخل بما يفوق التحريض.
فايران التي تريد فرض وصايتها على شيعة اهل الخليج يهمها استغلال ما حدث في "العوامية" لتأجيج الامور ومحاولة اثارة الاضطرابات في المنطقة الشرقية في السعودية. والبيان السعودي اشار الى دور لإيران في ما حدث في العوامية، حيث اتهم بيان وزارة الداخليه السعودية "دولة خارجية" تسعى للمساس بامن الوطن واستقراره "بالتحريض على هذه الاعمال وبالتدخل السافر في سيادة المملكة". ولكن البيان- وكما هي العادة السعودية- لم يسم هذه الدولة التي كلنا يعرف انها ايران.
وما نخشاه الان هو احتمال ان تسعى طهران لإثارة المشاكل للسلطات السعودية خلال موسم الحج الذي بدأ الان.
فايران تعودت، وكلما تسوء علاقتها مع الرياض، ان تحاول استغلال مواسم الحج لاخراج حجاجها في مسيرات "البراءة من الكفار" لاثارة الاضطرابات بين حجاج بيت الله الحرام واثارة المشاكل للسلطات السعودية هناك.
من يقرأ تاريخ إيران منذ مجيء الخميني وحتى اليوم، يعلم أنها تتصيد مثل هذه الفرص. فالفتنة هي بوابتها نحو الدول.
ومن يقرأ التاريخ أيضا يعلم أن السعودية تعرف كيف تسوس أمورها وتحتوي تبعات اية اضطرابات، سواء أكانت بحكم أسباب داخلية أو التي تأتي من خلال التحريض من الخارج.