تابعت عبدالمنعم سعيد بهدوء وأنا أحاول الإمساك بأسراره، خاصة الأسرار التى أعرف أنه شارك فيها، سرت وراءه متتبعًا ما يخفيه لا ما يقوله، لثقة بأن حقيقة كل منا "هى ما يخبئه". سعيد.. من مقعد المحلل السياسى، صوب طموحه على أكثر من هدف، وقد تحققت كل أهدافه.. مديرًا لمركز الدراسات بالأهرام، فرئيسًا لمجلس الإدارة، وصاحب برنامج تليفزيونى، وعضوًا بمجلس الشورى وأمانة السياسات، وأشياء أخرى كانت قدراته كفيلة بتحقيقها لو أنه راهن على الزمن. غير أنه كان مستعجلاً فأدار ظهره للنضال. ومثل كثيرين رأى أن العربة السريعة للوصول هى القرب من "الرئيس" أو "ابن الرئيس"، حيث يمكنك أن تختصر المسافة فى غمضة عين، لن يكلفك الأمر أكثر من تعديل طفيف فى الصفة.. "مبرر" بدلاً من "محلل".. أن تكون مع النظام، ضد أعدائه، وضد اسمك. لقد لفظ الرجل التفكير فى دوره كمثقف، وفى المستقبل.. مستقبله، وفى التاريخ، وتصرف كحارس لأحلامه. والحاصل أن ريحاً قوية تهب عليه الآن من كل اتجاه. ........................... ........................... بداخلى إعجاب كبير بعلمه، وبداخلى حزن كبير عليه. ولما جاء وقت الحوار معه، صار حزنى أسئلة. * دكتور عبدالمنعم، إلى أى حد أنت قادر على التجرد، بحيث لا يمكن اتهامك بأنك تدافع عن النظام، ما زلت، أو تدافع عن نفسك؟ - أنا سأكلمك بعين الأكاديمى المحلل وأعتقد أن فيها ما يكفى من التجرد. هذه شهادة قائمة على مقابلات وأشياء سمعتها أو حدثت بينى وبين الناس، وسأقول لك ما سمعت وما رأيت بمنتهى الأمانة.
* قل لى أولاً: هل وضعت ثورة يناير حدًا لأحلامك فى الترقى والصعود؟ - بالنسبة لى أنا حققت ما كنت أريد، وما زلت أحققه. كانت أحلامى، طوال عمرى، أن أصل للناس. وقد وصلت، لم أكن أحلم بأكثر من ذلك. * ألم تكن لك تطلعات سياسية. لقد رُشحت للوزارة فى الشهور الأخيرة من عصر مبارك ؟ - أنا لم أسع لذلك، ولمَّا تناثرت أخبار عن هذا الموضوع، أصبت بالقلق * لم؟ - فى موقف كهذا لا بد أن يتنازعك أمران: جانب يتعلق بإشباع الذات.. وقد حققته لما توليت رئاسة مجلس إدارة الأهرام، وقتها شعرت أن أمامى فرصة لإحداث تغيير جوهرى فى مؤسسة عامة. أردت للأهرام أن تكون القائدة لإصلاح المؤسسات الإعلامية، لأنها كانت مشكلة كبرى للنظام القديم وأخشى أنها ما زالت مشكلة للنظام الجديد. المهم أنه لم يكن هناك، من الناحية المعنوية، ما أريده. الجانب الآخر هو الحرج: عندما يكلفك رئيس الجمهورية بمنصب ما لا يجوز أن ترفض. من هنا قلقت. * هل بدا لك، قبل الثورة، أن النظام قد وصل إلى سن اليأس، إذا جاز التعبير ؟ - عندما أصبحت رئيسًا لمجلس إدارة الأهرام، كان من الطبيعى أن أرى الرئيس فى كثير من المناسبات، وقد جرت أحاديث.. * (مقاطعًا) على انفراد؟ - لا، لم تدر بيننا أحاديث انفرادية، لم يحصل أبدًا، كنت أراه مع آخرين، المهم أننى لاحظت تراجع ذاكرته..
* هل اختبرت هذه المسألة بشكل مباشر ؟ - آه * كيف ؟ - كان يتكلم عن أشياء حصلت فى التسعينيات على أنها حصلت فى الثمانينيات. وكانت التفاصيل التى يتحدث عنها على جانب كبير من الاختلال، لا يحضرنى الآن مثال مباشر، لكن ما كان يقلقنى هو أن مؤسسة الرئاسة بدأ ينمو فيها نفوذ للقوة. وأذكر أننى كتبت مقالاً فى " نهضة مصر" عنوانه : رئيس قوى ورئاسة ضعيفة. وقلت هذا الكلام لـ " جمال مبارك " فى لجنة السياسات * وكيف كان رده ؟ - اندهش فى الحقيقة * لكن من الواضح، مما تقوله عن ضعف ذاكرته، وعن الضعف العام الذى كانت عليه مصر، أنه "رئيس ضعيف ورئاسة ضعيفة" ؟ - هذا ما بدأ يظهر على شكل فراغ فى القصر استغلته بعض العناصر * ما تسميه، نقلاً عن عمر سليمان أظن، بـ " حلقة النار" ؟ - حلقة النار. كان من الواضح أن الرئيس يحتاج، إذا وقف إلى جوارك، للاستناد عليك لفترة. بدنيًا وذهنيًا كان من الواضح أنه يفقد قدراته. وعرفت، من أشخاص يعملون فى رئاسة الجمهورية، أنه كان يرسل ما يأتيه من ملفات مهمة جداً لأفراد معينين. يقول: "إدى الملف ده لفلان وده لفلان".
* لمن كان يحيل هذه الملفات؟ - المغزى، أن مبارك بدأ تدريجياً ينعزل عن الواقع * منذ متى؟ - بدأت أشعر بذلك منذ عام 2007، وفى 2009 تأكدت من أنه قابل للإقناع * بمعنى؟ - كانت هناك أطراف لها كلمة، فى المجال السياسى والصحفى كان لـ "صفوت الشريف" قول كبير جداً، وفى المجال الأمنى كان هناك السيد عمر سسسـ .. ( أخذ سعيد ينطق حرف السين على مراحل، بالتقسيط، كأنما يستوقف لسانه فى اختبار لحساسية ما يقول، ولما لم يجد بأساً، ولأن الحرف كان قد جاوز فمه، أكمل:) ..سليمان، الجيش كان مهماً جداً وبأكثر مما يبدو، المشير طنطاوى. فى الأمور الاقتصادية كان هناك أكثر من طرف.. جمال ممثلاً لمجموعة كبيرة من الناس، منهم أحمد عز، وهناك أحمد نظيف ورشيد
* هل خمنت حجم الفساد فى هذا الملف؟ - سأترك القضاء يقول كلمته فى هذا الشأن، لكنى وجدت عدد الضالعين فى هذا الملف أقل مما خمنت * أعود معك إلى مبارك، هل هو بطىء بطبيعته، أم اتخاذ القرار، عند القمة، يقتضى ذلك؟ - قيل وكتب كثيرًا عن أنه كرجل طيار، bombardier ، قاذف قنابل، يحتاج لقدر من البطء والاحتياط، هذا وارد، لكنى أعتقد أن هناك أسبابًا متعددة لهذا الموضوع، منها، كما قلت لك، ضعف مؤسسة الرئاسة، وهذا الضعف بدوره جاء نتيجة خطأ فظيع فى النظام السياسى المصرى هو الخلط بين النظام الرئاسى والنظام البرلمانى فى صورة مشوهة منهما معًا. وبالمناسبة هذا هو تفكير الإخوان المسلمين.. كنت أقرأ اليوم تصريحاً للأخ وحيد عبالمجيد عن أنه سيكون هناك رئيس جمهورية ورئيس وزراء لكل منهما اختصاصات، واحد يختص بالدفاع والأمن القومى وواحد يختص بالأمن القومى والسياسة الخارجية..إلخ. هذا التفكير مأخوذ من النظام السياسى الفرنسى وهو من أسوأ النظم السياسية فى العالم، لم يعد هناك الآن شىء اسمه السياسة الداخلية والسياسة الخارجية. الأمور متصلة والتوجه الحديث فى كل الدول التى تقوم بعملية التحول الديموقراطى والمدنى هو النظام الرئاسى. المهم أن هذا الخلط كان مسئولاً إلى حد كبير عن البطء فى اتخاذ القرار، والبيروقراطية المصرية تكفلت بالباقى
* لكن لا يجوز مثل هذا البطء فى اللحظات الحاسمة. لقد كان ميدان التحرير فى واد والقصر فى واد آخر؟ - مبارك أصبح بحكم المرض وبحكم السن أكثر بطئًا وأقل استيعابًا لما يحدث. ثانيًا كانت لديه، نتيجة ضعف مؤسسة الرئاسة، دوائر مختلفة لصنع القرار.. مثلاً فى الدائرة السياسية( فتحى سرور وصفوت الشريف ) كان هناك بحث للموضوع لاتخاذ قرار. وقرأنا، عند الأستاذ صلاح منتصر وعند آخرين، كيف أن الدكتور أحمد درويش والدكتور أحمد نظيف اقترحا حل البرلمان يوم 27 يناير، أى قبل جمعة الغضب، لكن صفوت الشريف أحبط هذه المسألة، وكان فخورًا بذلك. الحاصل أن هناك تضاربًا حصل بين الدائرة السياسية ودائرة السيد عمر سليمان ودائرة المشير ودائرة الأسرة، علاء وجمال والسيدة سوزان ومعهم حبيب العادلى وأنس الفقى. وكان لابد أن يحدث بينها هذا التضارب وهى تبحث إما عن: حلول جذرية للأزمة أو لا تفعل شيئاً على الإطلاق.
أو تعمل " حاجة زى ما بيقولو cosmetic ( تجميلية ). إذن عجز الرئيس عن اتخاذ قرار وتعدد صنع القرار، وراء فارق التوقيت بين القصر والميدان. * وما الدائرة التى كانت أكثر قدرة على توجيه الأحداث؟ - أنا أعتقد أن دائرة جمال هى التى تسببت فى آخر الأمر فى... ( بعد تراجع عن تحميل مسئولية ما جرى لـ " جمال مبارك " وشلته، قال سعيد: ) مش عايزين الأمر يبان كما لو إنه...، ما هو برضه الثورة فيها جزء إيجابى. أنا فى آخر رحلة للرئيس سألته: يا سيادة الرئيس ألا تعتقد أن الوقت قد حان لتكون هناك مبادرة منك، خاصة أن الانتخابات بعد 9 أشهر فقط، لإعداد الناس لهذه الانتخابات والفترة التى تليها ؟ لكن الرئيس سكت وسألنى: زى إيه يا دكتور ؟ قلت، على مرأى ومسمع من كل الزملاء الصحفيين المصاحبين له فى الرحلة، زى تغيير الوزارة، وتابعت: الوزارة فقدت الـ momentum ( قوة الدفع )، وهناك تضارب بين الوزراء بعضهم البعض، لدى كل منهم شكوى من الآخر، ليس هناك تنسيق، ونحن بحاجة لوزارة جديدة تقود عملية الإصلاح بقوة اندفاع جديدة. وقلت للرئيس : نريد تعديلات دستورية، خاصة فى المواد 76 ، 77 ، 88 ، لكن الرئيس سكت، لم يستنكر، ثم قال: والله يا دكتور سأفكر فى هذا الكلام بعد ما أخلص الانتخابات. وقتها تأكدت مما كنت أعرفه من السيد عمر سليمان.. أن الرئيس سيرشح نفسه مرة أخرى. الشىء الآخر أنه لم تكن لدى الرئيس شعور بأن ما قلته ملحّ. أعود وأقول لك.. كان من الضرورى، لكى يستمر الإصلاح، أن هناك مجموعة عليها أن ترحل ومنها الرئيس وصفوت الشريف وفتحى سرور وزكريا عزمى..
* ( مقاطعًا ) هل كان البديل لرحيل الرئيس أن يأتى بعده جمال؟ - لم أعتقد أبدأ أن جمال سيأتى.. * بأمانة، أنت الآن تقول شهاتك للتاريخ..ألم يكن هناك سيناريو لتوريث الحكم؟ - للتاريخ، سأقول لك موضوع التوريث هذا كما عاصرته. لم أسمع أى شىء عن أن جمال قد يخلف أباه. لم يحدث على الإطلاق، لا فى لجنة السياسات التى حضرت كل اجتماعاتها، ولا فى أى مكان آخر. وقد سألت السيد عمر سليمان عن الموضوع فقال لى: الرئيس هو الذى سيترشح! * أقصد فى الدورة التالية؟ - الدورة التالية..أى بعد 6 سنوات، وده so far away ، بعيد جداً. لم نصل وقتها للتفكير فى ذلك. وقد ذكرت أمام جمال مبارك فى الولايات المتحدة الأمريكية أن جمال لن يكون أبداً رئيساً لمصر، لأنه ببساطة ابن الرئيس وهذا سيجعل مشروعيته محل شك أياً كانت الطريقة التى يصل بها للحكم. وهو لم يعاتبنى قط عن أى تصريح قلته بهذا الشأن، على العكس فى إحدى المرات، بعد رجوعى من جولة خارجية، كتبت تقريراً للرئيس وجاءت فيه عبارة كنت أستخدمها بشكل متواتر وهى: مصر دولة مؤسسات، وهى ليست سوريا، وجمال لن يحكم. فى إحدى المرات فوجئت بالرئيس يستخدم هذه العبارة كما وردت فى تقريرى إليه، بالحرف الواحد، وقد فعلها مرتين: فى حديث لمجلة time، وفى مقابلة تليفزيونية مع تشارلى هوز. ولعلمك كنت، قبل أن أقوم كتابة بأى حملة إصلاحية، أمر على انفراد بأقطاب النظام.. عمر سليمان، فتحى سرور، صفوت الشريف، جمال مبارك، وسليمان عواد. وفى إحدى الجولات، فى 2010 قال لى فتحى سرور، حين جاءت سيرة جمال مبارك: شوف يا دكتور.. أنا لم أسمع أبداً حكاية جمال بشكل رسمى أو غير رسمى والحادثة الوحيدة التى أذكرها من سنة أننا كنا مع الرئيس فى حجرة بالقوات المسلحة وأمامنا القادة الكبار، فقال لى الرئيس وقد مال برأسه ناحيتى، مشيرًا إلى هؤلاء القادة: واحد من دول إللى ها ييجى بعدى! * تأكيدًا لروايتك، عرفت من أحد المصادر، وكان فى رحلة خليجية مع الرئيس السابق، أن أحد الأمراء سأل عن موضوع التوريث، فقال له مبارك: أنا أخذت الحكم من الجيش ولن يخرج من الجيش !
- والله أنا سمعت هذا الرواية كما سمعتها أنت، وهى تتماشى مع كلام فتحى سرور. هل هذا ما كان يدور فى ذهن الرئيس مبارك، لأن الرئيس كان يغير رأيه. وساعات كان بيحدف فى ناحية لا يمكنك تخمينها. المهم أن كل الشهادات التى سمعتها لا يوجد بها دليل مباشر على أن جمال كان سيحكم مصر، باستثناء ظهوره المبالغ فيه، وقد نبهته لذلك، لكنه لم يعلق. قلت: هناك مشكلة رئيسية تواجهنا هى الصلة الاجتماعية بين أمين السياسات وبين رئيس الجمهورية. المضحك أن الأفكار الإصلاحية التى كانت تخرج من لجنة السياسات كانت تأتى لنا فى مجلس الشورى شيئاً آخر تمامًا. * من الذى كان يحورها ؟ - البيروقراطية. خد بالك إنت كان عندك 6 وزراء إصلاحيين من بين 36، والباقون جاءوا من رحم البيروقراطية أو الاتحاد الاشتراكى. * كلمنى عن موقعك من جمال مبارك.. هل كنت فى موقع المعلم، المرشد، الصديق. فى أى موقع كنت ؟ - لا شىء مما ذكرت. بالنسبة له انا كنت من جيل سابق عليه، وهو " متربى كويس "، لكن لقاءاتى الفردية به لم تتعد 4 أو 5 مرات.
* من أصدقاؤه فى لجنة السياسات ؟ - لم يكن هناك أحد فى اللجنة بهذه الصفة، لكن كانت هناك مجموعة إصلاحية تجتمع معه بشكل دورى، منها: حسام بدراوى، على الدين هلال، محمد كمال، محمود محيى الدين، مصطفى الفقى، رشيد محمد رشيد، وأحيانًا فاروق العقدة. وكان هناك أناس يتواجدون صامتين * مثل ؟ - أنس الفقى وزكريا عزمى * وهل صمتهم نوع من الكياسة أم التعالى ؟ - لا أريد أن أحكم، لكن ربما كانوا يحضرون، لينقلوا للرئيس ما يجرى. المهم أن جمال لم يكن صديقى. شوف مين إللى حضر حفل زفافه وإنت تعرف أصدقاءه.
* ألم تدع لهذا الحفل؟ - لا * والرئيس.. ألم تقترب منه شخصيًا ؟ - ( بعد تفكير قصير نظر خلاله إلى سقف مكتبه الشيك بالدور التاسع بالأهرام ).. لم يحدث أن اقتربت منه شخصيًا، أن يستدعينى مثلاً للقاء منفرد أو استشارة، هذا لم يحدث * لكنك كنت مستشارًا للرئاسة ؟ - لم أكن مستشارًا للرئاسة، لكن كان لدينا تقليد فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية اسمه " تقدير موقف "، عندما نرى أن هناك أمراً هاماً يستلزم التنبيه إليه كنا نخاطب الجهات المختصو كتابة. أيام حرب الخليج سنة 90 عملنا 55 " تقدير موقف"، استمر هذا التقليد، لكنه بدأ يقل إلى " تقدير" واحد فى السنة أو اثنين. * هل كانت هناك استجابة لتقديراتكم ؟ - لم تكن هناك استجابة، وأحياناً تكون الـ outcome ( الحصيلة ) zero * ولمن كنت ترفعون هذه التقديرات؟ - للجهات المختصة * وما الذى اقترحته على الرئيس أو ابنه وأخذ به ؟ - يمكن تقسيم المسألة إلى: أمور استراتيجية وأخرى تكتيكية. فى الشأن الأول كانت هناك استجابة لما اقترحته أنا وآخرون بخصوص المادة الأولى من الدستور، أن تكون مصر دولة مدنية قائمة على أساس المواطنة، بينما قهرنا فى المادتين 76 و77، وكانت هناك أيضاً استجابة لتوصيتى بحذف كل المواد الاشتراكية، لأننى من أنصار اقتصاد السوق. فى بعض القوانين ذات الطبيعة التقدمية مثل قوانين الطفل وقانون الجامعات الأهلية، أخذ ببعض ما قلنا به والبعض الآخر لم يستجب له
* وأثناء الثورة، هل اقتربت أو اقترحت ؟ - اقترحت على الرئيس * فى اتصال مباشر به، أم كيف ؟ - فى أوراق مكتوبة * تقارير يعنى. ماذا اقترحت عليه ؟ - منذ البداية، منذ 27 اقترحت تغيير الحكومة وحل البرلمان، الإعلان بشكل واضح أنه لن يكون هناك توريث. كان هذا موجوداً تحت يد الرئيس منذ يوم 27 يناير * لكنه استجاب متأخراً جداً كالعادة ؟ - تأخر فعلاً، لكنى متأكد من أن الاقتراحات وصلته * هل كتبت له مرة واحدة ؟ أم تعددت الاقتراحات ؟ - استجاب لورقة سابقة بخصوص معالجة النتائج التى أسفر عنها برلمان 2010، واقترحت فيها أن تقبل جميع أحكام الطعن، وألا يعود أحد من المستقلين للحزب الوطنى الديموقراطى، من أجل تقليل نسبة الفائزين من الحزب، لأنهم بلغوا بالمستقلين 97%، ثالثاً التحقيق الداخلى فيما جرى، لأننى نبهت قبل انتخابات البرلمان بـ 5 أيام إلى أن أى فوز كاسح سيشكل كارثة. قلت كلمة " كارثة " 3 مرات فى حضور محمد كمال، على الدين هلال، أنس الفقى وآخرين من مكتب أحمد عز. وقد استجاب الرئيس فى أحد خطاباته أثناء الثورة لهذه الاقتراحات
* بالمناسبة: هل كتبت له هذه الخطابات ؟ - لا، لم يحدث على الإطلاق أن كتبت له خطابات * من إذن؟ - كنت أعرف أن من يكتب خطاباته هو السفير سليمان عواد، لكن أعتقد، من الخطابات الثلاثة التى قالها الرئيس، أن فيها أكثر من يد * ألا يمكنك تخمين هذه الأيدى؟ - لا * لا تعرف فعلاً، أم لا تريد أن تقول ؟ - لا أعرف، ممكن جمال، ممكن أنس الفقى، شخص من الدائرة الضيقة جدًا ( وأكمل سعيد تخميناته بحشر اسم عواد مجدداً، لكن بشكل مفاجىء هذه المرة ).. ..لأن أسلوب سليمان حلو وفى تقديرى أنه طور خطابات الرئاسة أثناء مسئوليته عنها. أنا أعتقد أن أكثر من يد تدخلت وشوهت ما فعله سليمان عواد. كان من الواضح لى أن هناك فوضى شديدة فى القصر الرئاسى . * ماذا كان رد فعل جمال مبارك عندما شعر أن الأمور تفلت من يديه ؟ - لاحظت على جمال، من أمور كثيرة فى اجتماعات الحزب، قلة الخبرة، وكان من نتيجة ذلك أنه رأى أن هناك تهويلاً شديداً لما يحدث فى الشارع، كان يتصور هو والرئيس أن الشعب يفترض به أن يكون ممتناً لإنجازه. لم يكن جمال يدرك البعد السياسى فى الموضوع. وللحقيقة والتجرد كنت أنا نفسى أدرك ما يحدث ولكن لم أتصور أن الأمور قد تصل إلى هذه الدرجة. اعتقدت أن النظام لو اتخذ بعض اجراءات اصلاحية بعينها، يمكن احتواء الميدان، لكن ما حصل أنه بدأت تتكون لدى الشعب المصرى قوة دفع لم يكن من الممكن أن تقف عند حد الاحتواء
* سمعت من مصادر أنك كنت، قبل موقعة الجمل، شاهداً على جلسة، كان جمال مبارك ورجاله يتدارسون فيها كيفية تفريغ الميدان من الثوار بأى طريقة، وبأى ثمن؟ - ( قبل أن أنتهى من سؤالى، قال سعيد بهدوء وبحسم )..أنا لم أحضر أى اجتماع يتعلق بالأزمة باستثناء جلسة عقدها السيد عمر سليمان مع رؤساء التحرير. وتكلمت، رداً على سؤال له: كيف نخرج من الأزمة. قلت: أخشى أننا نستبدل استبداد قصر العروبة، وكان الاجتماع منعقدًا فيه، باستبداد ميدان التحرير، وأنه علينا أن نخرج من هذه الأزمة بالديموقراطية. وانفض الاجتماع لموعد بين السيد عمر سليمان والمشير طنطاوى الذى رأيته فى ردهة القصر، وكان أول وآخر اجتماع أحضره فيما يخص الأزمة * هل كان جمال مبارك يخطط لانقلاب على أبيه ؟ - نما إلى علمى ذلك، فيما بعد. ترددت شائعات عن هذا الأمر، وأنا، ما اخبيش عليك، لم أجد برهاناً يؤيدها. * وعلاقته بمحاولة اغتيال عمر سليمان ؟ - جمال لم تكن لديه أية قوات، لم يكن رئيساً للحرس الجمهورى، هو حتى لم يؤد الخدمة العسكرية أصلاً، فمن أين أتت هذه الشائعات. فى حدود ما أعرفه أنه لا يحبذ مثل هذه التصرفات * من له مصلحة فى اغتيال سليمان ؟ - هناك أشياء كثيرة فى الثورة، ما زالت مجهولة، مثل كل الثورات * ولمن كان ولاء الحرس الجمهورى ؟ - للقوات المسلحة * قال لى واحد ممن ذهبوا لبوابة القصر الجمهورى فجراً، أثناء الثورة لو تذكر، إنه تكلم مع رتبة كبيرة قالت له: إحنا بتوعه، يقصد الرئيس السابق ؟ - فى خضم الثورة شىء والـ bottom line ( الموقف الذى تحتمل بعده تنازلات ) شىء آخر. لم يحدث إطلاقاً أى تناقض بين الحرس الجمهورى وهو ليس بالقليل بالمناسبة، وبين القوات المسلحة. ليس لدينا شىء يؤكد أنه كان هناك انقسام بين الحرس الجمهورى والجيش. إطلاقاً
* وماذا عن عمر سليمان. أين وضع ولائه؟ - كان ولاء الجميع للرئيس، هذا هو الشىء الطبيعى، لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة. أثناء الأزمة، وهذا استنتاج منى، اعتقد السيد عمر سليمان أنه لو استطاع أن يكسب الإخوان يمكن أن يحتوى الأزمة بحيث لا تكون غير قابلة للتطور، على الأقل. لو أنك لاحظت: كانت قوى الثورة من الشباب، لكن الجمهور من الإخوان والسلفيين والفئات هم الذين أعطوها الزخم. المهم أن الإخوان كانوا قد أصبحوا على السور كما يقولون، بمعنى أن الوضع بدأ يتدهور بشكل يعطى فرصة لهم لأخذ السلطة، وبالتالى لم يأخذوا وعد السيد سليمان بإنشاء حزب لهم وخلافه على أنه مكافأة كبيرة * كانوا بانتظار مكافأة أكبر ؟ - على جانب آخر كان الكلام بين السيد عمر سليمان والثوار كلاماً بين عالمين مختلفين تماماً. نظام يوليو بعسكريته فى مواجهة عالم الفيسبوك. لم تكن هناك أرضية مشتركة بالمرة بين العالمين. بالمناسبة من اللقاء الذى جمعنا بالسيد عمر سليمان عرفت أن القصر فى واد والخارج فى واد آخر تماماً. القصر برخامه الفخم الجميل يتناقض حتى مع الطريق الموصل إليه، حيث المظاهرات والهتافت المطالبة بسقوط النظام..إلخ. استغرقنى الأمر ساعة لأستطيع دخول القصر، ولما دخلته شعرت أننى، مثل سكانه، منفصل عن العالم * ألم تسمع شيئاً عن دائرة المشير طنطاوى ؟ أسألك عن الطريقة التى وصلت بها الأطراف إلى اللحظة الحاسمة ؟ - ما نما إلى علمى أنه منذ 31 يناير استشعرت القوات المسلحة أن هناك خطراً على البلاد، ومن ثم ينبغى أن يكون للقوات المسلحة رأى مستقل فى إدارة ما يمكن أن يحدث، وبناء عليه جاء البيان الأول الذى تبنى فيه الجيش مطالب الميدان. خد بالك إنه الناس دى عاشت مع االرئيس، دول ناس عسكريين والحياة العسكرية قائمة على الولاء، أنا لا يوجد لدى شك، أياً كان الكلام عن الفساد أو أخطاء مبارك أو حتى خطاياه، لا أشك أن القيادات العليا فى القوات المسلحة تنظر لمبارك بوصفه أحد أبطال مصر، بالنسبة لهم من شهد حرب 73 فقد شهد بدراً، لكن الضرورة تحتم الآن على هذا الرجل أن يمشى، لكن كيف تبلغه بهذا. وبالمناسبة كانت هذه عقدة كبيرة عند عمر سليمان. لا أعرف هل كان الأمر كذلك بالنسبة للمشير طنطاوى أم لا، لكن اللواء عمر سليمان ربطته بمبارك علاقة ولاء شخصى رهيب، وربما لذلك فشل فى مهمته، كانت هناك أشياء لا بد من عملها
* مثل ؟ - كان من الخطأ أن يدير النائب من رئاسة الجمهورية. ثانياً كانت هناك أمور لا بد أن يتخذ بشأنها قراراً ، خاصة أنه شخص قوى ويحظى باحترام الناس ولم يكن من الممكن بالنسبة للرئيس أن يمنعه من اتخاذها بعد أن عينه. كان لابد من إلغاء دوائر صنع القرار الأخرى.. جمال وصفوت الشريف ..إلخ. كان عليه أن يأخذ الـ lead فى هذا الأمر، وأن يكون الخطاب الذى عين بموجبه كنائب أكثر حسماً فى نقل السلطة له. أنا أحترم عمر سليمان جداً وأقدره جداً على المستوى الشخصى، لكن هذه أخطأء فادحة، والنتيجة أن خطوة نقل السلطة إليه لم تعد كافية. أعتقد أن هناك 3 جنرالات توافقوا فيما بينهم ووصلوا للنتيجة التى رأيناها.. المشير طنطاوى، الفريق أحمد شفيق، واللواء عمر سليمان * هل كان سليمان هو المكلف بأن ينقل للرئيس ضرورة أن يتنحى ؟ - هو الذى كلف فى نهاية الأمر * من كان لصيقاً بجمال فى الأزمة ؟ - أنس الفقى، كان معه بشكل دائم * وكيف كانت علاقتك وقتها بحبيب العادلى. أين موقعك من دائرته ؟ - لا يمكن وأنت رئيس مجلس إدارة الأهرام أن تربطك علاقة سيئة بأحد، كانت هناك علاقة، لكنها علاقة كما يقال to the minimum ( فى الحد الأدنى ) * ألم يحدث أن جاءتك تعليمات أثناء الثورة أو قبلها من رئاسة الجمهورية.. افعل كذا ولا تفعل كذا ؟ - مرة كتبت مجموعة مقالات عن الدكتور البرادعى ، قلت إن الرجل من الأهمية بمكان، بحيث يؤخذ بجدية. تكلمت عنه بتقدير شديد، حرصاً على المصداقية، مع ما فى خطابه وخططه من تناقضات، فكلمنى أنس الفقى وقال لى: الريس بيقول إنك مزود حكاية المصداقية دى حبتين ! كانت السلطة ترى أننى معارض.. ( وضحك سعيد ضحكة قصيرة خافتة، نفخة هواء واحدة ملأت الحجرة بالتناقضات، فالتفت إلى زميلى المصور أيمن حافظ.. تبادلنا نظرة عابرة ورحت أشرب رشفة شاى، لأبلل ريقى. أما سعيد فاستأنف شهادته: ) .. كان صفوت الشريف يقول: عبدالمنعم سعيد لم يترك شيئاً للمعارضة! أنا عملت برنامج اسمه: مع المعارضة، عملتة رغم أنف السلطة السياسية.. بمعنى أننى تقدمت به للسلطة السياسية، كتبت مذكرة لأنس الفقى لعمل البرنامج فى التليفزيون المصرى وعرضت عليه أن أستضيف الدكتور البرادعى، فقال لى : ها شوف وها أرد عليك، لكنه لم يرد، فأخذت الاقتراح للدكتور علىّ الدين هلال، باعتباره رئيس لجنة الإعلام فى الحزب فعرضه بدوره على صفوت الشريف، لكنهم لم يوافقوا عليه، وبالتالى نفذته فى قناة on t.v * أعود إلى القصر.. ألم تتصل أثناء الثورة بسليمان عواد، زميل دراستك، لتعرف ما يدور فى الغرف المغلقة ؟ - لم يحدث * وصفوت الشريف ؟ - اتصلت به مرة واحدة، لم يكن الأمر متعلقًا بالأزمة، كان هناك كلام عن أن سيارات الأهرام هى التى نقلت الطوب والزلط الذى استخدم فى موقعة الجمل، فاستعلم منى عن الأمر، وأنا راجعت بنفسى الدفاتر التى تسجل حركة كل السيارات، ولم يكن هناك ما يشير من قريب أو بعيد لاشتراك الأهرام بسياراته فى هذه العملية أو غيرها، وأبلغت الشريف بذلك * وفتحى سرور ؟ - لم يحدث بيننا أى اتصال أثناء الأزمة. شوف: أنا كانت لدى أولوية شغلتنى عن أى شىء آخر هى حماية الأهرام. لا تنس أن الأهرام دفع للثورة شهيدين، كنت بجوار أحدهما ولما تركته بأمتار قليلة استقرت رصاصة فى صدره. كنت أسهر فى الأهرام إلى الساعة الثالثة صباحاً، ولذلك لم أعتبر نفسى جزءاً من إدارة الأزمة العامة. كانت أزمتى هى أن أحمى الأهرام من الاحتراق والانقسام ، كان لابد أولاً من حماية البيت الصغير. * انتهى سعيد من كلامه، وبدورى تذكرت ما كان يجرى فى الأهرام، تذكرت صمت الطرقات الطويلة، تذكرت العساكر فى الردهة الرئيسية، والدبابات التى تحيط بالمبنى. وتذكرت صوتى الذى احتفظت به فى فمى. كنت معينًا للتو، لم تنقض بعد فترة الاختبار، فلم تسعفنى الظروف فى أن أكون مع المنددين بإدارة الأهرام، غير أننى ، وأنا عائد إلى البيت، كنت أمر على التحرير، أهتف مع الميدان.. يسقط يسقط حسنى مبارك، فأستعيد ذلك الصوت.