يفضل كثير من الشباب والفتيات أن يتزوجوا عن حب قبل الزواج، وربما يفضل غيرهم – خاصة من الشباب الملتزم- ألا تكون هناك علاقة قبل البدء في مشروع الزواج ، والتقدم للخطبة، حتى تكون الفتاة ( خام). وسواء كان هناك سابق تجربة حب قبل الخطبة أو لم تكن موجودة، فيغلب على الشباب حالة من الحب و الهيام والغرام وقت الخطوبة، باعتبار أن الحب بين الخاطبين شيء حلال، وأن يحب الشاب خطيبته التي ستكون يوما ما زوجته، بدلا من أن يحب فتاة أخرى. ومن حكمة الإسلام أنه جاء وسطا في العلاقة بين الخاطبين، فلا هو اعتبر الخاطب زوجا يباح له ما يحرم على غيره، ولا هو حرم عليه ما هو حرام على غيره. فالحب بين الخاطبين شيء فطري، المهم كيف نحب، وعلى أي أساس نحب؟ في السطور القادمة نتعرف على أراء شباب في التعامل في فترة الخطوبة وكذلك رأي ديننا الوسطي.
ياسر العنزي ( طالب جامعي) يرى أن الحب بين الخاطبين لا يكون بالكلام المعسول فحسب، بل لابد من إظهار أفعال، وأهم شيء حتى يكون الحب صادقا هو أن يكون الخاطب والمخطوبة صادقين مع بعضهما، حتى يتعرف كل منهما على الآخر بشكل جيد. سها العلايلي: تؤكد على ضرورة حب الخاطب بالنسبة لها، وأنه لم يظهر منه العاطفة والحب في فترة الخطوبة، فهذا يعني أنه سيكون أسوأ بعد فترة الزواج، وهي لا تمانع أن يتكلم معها خطيبها بكلمات الحب في فترة الخطوبة، ولكن بشرط أن يكون كلاما محترما، وأن يكون بعيدا عن الأهل، حتى لا يتسبب ذلك في مشاكل، فقد يكون وحدهما، أو عبر الهاتف مثلا. وتختلف صفية خليفة ( 30 عاما) مع سها، فهي لا تعتبر فترة الخطوبة للحب العاطفي، وأن هذا يسقط الشاب من عينيها، بل رفضت عددا من الشباب في فترة التعارف بسبب الاهتمام الزائد عن الحد بالعاطفة، مما أخافها من شخصيته. أما خديجة فهي ترى أن الحب بين الخاطبين ( كلام فارغ)، وأن الشرع جعل الخاطب أجنبيا عن مخطوبته، وأنه لا يصح الكلام وحدهما، بل لابد في وجود الأهل، وأن الحديث عن الحب في فترة الخطوبة حرام، وهو دليل على انحلال تلك الشخصية، وأنه ربما تكون إشارة إلى أنه كانت له علاقات واسعة.
خالد الفالحي (20 عاما) يشير إلى أن العصر الذي نعيش فيه يختلف عن العصور التي قبلنا، فنحن جيل الإنترنت والفضائيات، وأنه لو لم يجد في مخطوبته إشباع الرغبة في الحب والعاطفة النظيفة، فإنه سيتخلى عنها، وخاصة أن هذه مخطوبته، وأن التضييق على الخطاب في هذه الفترة يعني أنه سيبحث عن بديل حتى يتم الزواج فعلا. فهد (23) يرى أن التعليم الجامعي فرصة للتعارف الجيد، والحب بقصد الزواج، فإذا وجد الإنسان نفسه ميالا لفتاة محترمة، فيفاتحها في أمر الزواج، ويكملا معا مسيرة الحب التي بدأت، فتنمو في فترة الخطبة ثم الحياة الزوجية بعد ذلك، وأنه لا مانع عنده من التصريح للمخطوبة بكل كلمات الحب مادامت صادقة من القلب، ومعبرة عما في قلبه تجاهها. ويشتكي حسين من تضييق الأهل في العلاقة بين الخاطبين، وأن هذا التضييق على الخاطبين شيء غير مفيد لهما، وربما تفسح خطوبات بهذا السبب، بل لابد أن يترك الخاطبان سويا يتكلمان وألا يكون الحديث مع الأهل في كل صغيرة و كبيرة، ولا مانع من أن يخرجا سويا وحدهما على غداء أو مشاهدة فيلم، أو التنزه مادام أمام الناس.
تتجه عدد من الآراء الشرعية نحو رفض فكرة الحب قبل الزواج، أو حتى الحب في فترة الخطوبة، وتستند هذه الرؤية على أن الخطبة مجرد وعد بالزواج، ربما ينتهي بالفشل، وأننا نفتح الباب للشباب إلى الانحلال الأخلاقي، فكان من الأولى أن نغلق عليهم الباب، ولو لم يكن هناك خوف من بعض الشباب الملتزم، وهو ما يعرف في الفقه بمبدأ ( سد الذرائع)، كما أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب، فلا يحل له شيء غير الرؤية والجلوس معها بين الأهل. ولكن المدقق في نصوص الشريعة يرى أن القرآن والسنة تحدثا عن حالات من الحب، وإن اختلف الموقف منها، ومن تلك الحالات: حب امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، ومحاولتها أن توقعه في الفاحشة معها، وأنها وصلت إلى حد الشغف، وهذا المقام هو مقام ذم؛ لأنها كانت متزوجة، فكان واجبا عليها أن يكون عندها خشية لله، وولاء لزوجها، ولهذا وصف القرآن حب الزوجة لغير زوجها بأنه ضلال مبين، كما قال تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [يوسف : 30]. ولكن هناك نصوص من السنة تشير إلى أهمية الحب إن كان بقصد الزواج، وألا يكون المقصود منه التلاعب ببنات الناس، أو الضغط عليهن، أو جرهن إلى ما لا تحمد عقباه، وأن يكون هذا الحب عفيفا شريفا لا يتخلله محرمات شرعية، فإن تخلله محرمات شرعية، كان حراما، بل كان فاتكا لحياة الإنسان.
ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، جاء إليه رجل فقال : يا رسول الله ! عندنا يتيمة قد خطبها رجلان ، أحدهما غني، والآخر فقير ، وهي تهوى الفقير ، ونحن نهوى الغني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم ير للمتحابين مثل النكاح". وهذا الحديث غاية في الروعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم رغبة الفتاة على وليها، كما أنه يرشد الشباب المحب إلى أن أعظم دواء لهم في علاج العشق ليس الدوام فيه، ولكنه يعالج بالزواج، فيلتقي المتحابان في بيت الزوجية. فالحب ليس محرما في ذاته؛ لأنه معنى أعمق من مجرد الميل إلى الجنس الآخر، ولكن هذا الحب يجب الحفاظ عليه مما قد يهدمه من التساهل كما يحدث من لمس الأيدي والقبلات والخروج بغير محرم في أماكن الشبهات وغيرها، ومن عجيب ما سألني بعض الشباب أنه يقبل مخطوبته أحيانا، ويتساءل: اعلم أنه لا يجوز، ولكن : هل يمكن أن تحتسب القبلات من حسابي بعد الزواج، على افتراض أنها ستكون زوجته، وهو يأخذ حقه مقدما !!!!
فالواجب أن يكون الحب بين الخاطبين صادقا، فلا مانع من التعبير عنه بشكل لا يركز على الشهوات وحدها، وأنه كما يرى الدكتور صلاح سلطان أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم أن فترة الخطوبة هي فترة التعارف العقلي والتناغم العقلي، أما بعد العقد، فهي فترة التناغم الجسدي، وهذا يعني أن تكون هناك مساحة وسط، فلا يمنع الكلام أو الحديث بين الخاطبين، ولا أن يستغرق الخاطبان في الهيام والغرام دون أن يعرف كل منهما الآخر في فترة الخطوبة، وينكشف لكل منهما بعد الزواج صفات لم يكن يعرفها، تكون بمثابة الصدمة له، لأن كلا منهما لم يتعب نفسه على أن يتعرف على الآخر بشكل جدي، فيتعرف على صفاته وسلوكه وطريقة حياته، وانشغلوا بمجرد شكل خارجي من الحب، وهو العاطفة الكلامية. وتمثل الجلسة العائلية أمرا غير مرغوب عند كثير من الخاطبين، ليس الخاطب وحده، بل المخطوبة أيضا، وذلك لأن كثيرا من البيوت تضيق على الخاطبين في ترك وقت للحديث وحدهما، فلابد من الاستماع لكل صغيرة وكبيرة في الكلام بينهما، في حين تترك بعض العائلات الخاطبين وحدهما، بل ربما يتركون لهم البيت ليأخذوا راحتهم!!!! والصورة المثلى أن يجلس الأهل مع الخاطبين، ثم يتركوهما فترة من الوقت في غير خلوة، حتى يتناقشا ويتعارفا بشكل أعمق، والمحرم هنا هو الخلوة، بمعنى أن يغلق عليهما بابا لا يدخل عليهما أحد، أما أن يترك باب الغرفة مفتوحا مثلا، فهذه ليست خلوة. كما أن الخروج مع المخطوبة ليس بحرام، إن كان معهما محرم، أو نزلا لترتيب بعض الأوضاع التي تخص الزواج في غير خلوة، ولعل مراقبة الله تعالى، وحسن القصد هو خير ضابط للعلاقة بين الخاطبين.