لم يهدأ باب رحمة،32 سنة، من طرق الخطاب عليه، رغم وجود صفات فارس أحلامها في الكثير منهم، ولكن قيامها بأداء صلاة الاستخارة لتعطي رأيها في كل من يتقدم لها، جعلها تعرض عنهم.. فالفهم الخاطئ لدعاء الاستخارة، كان السبب الرئيسي في أن تبقى رحمة تنتظر فارس أحلامها في منزل العائلة، وترفض كل من يتقدم لخطبتها من الشباب المتدينين، تقول: "كل من يتقدم لي من الشباب هم على خلق رفيع ومن رواد المساجد، في الحقيقة لا يوجد لدي أي اعتراضات على أشخاصهم، لكن المشكلة تكمن في أنني أستخير مرارا وتكرارا وأجد نفسي لا أشعر بالراحة والطمأنينة وأبقى خائفة مرعوبة، هذا الخوف هو رسالة من الله سبحانه وتعالى مفادها أن الذين تقدموا لخطبتي ليسوا من نصيبي". حالة رحمة ليست فردية، فالكثير من الفتيات المتدينات يلجأن إلى الاستخارة في أمر زواجهن، ولكن بدلا من أن تهديهم إلى بيت الزوجية، جعلتهن برفقة الأهل إلى وقت طويل!.
"سمر" طالبة جامعية متدينة.. تقدم لها أحد الشباب الملتزمين أكثر من مرة، وفي كل محاولة كانت تقول: "ليس لدي اعتراض على الشاب، بالعكس فهو ملتزم وطموح ومثقف وصاحب مهنة مشرفة، لكنني أستخير ولا أشعر بالراحة، في كل يوم أستخير أشعر أن قلبي مقبوض، وفي إحدى الليالي استخرت وخلدت إلى النوم وفي الصباح كنت متعبة ولم أستطع الذهاب إلى الجامعة لذلك شعرت أنه لا يوجد نصيب، وأن نتيجة الاستخارة تفرض علي عدم الموافقة". وأكثر من مرة يطرق باب سمر، شاب ذو خلق أملا في أن تصل طرقاته المتكررة إلى قلبها لكن دون جدوى، والحجة في ردودها المتكررة أيضا: "والله نفسي أعطي جواب الموافقة، فالشاب يشرف أي فتاة.. لكنني خائفة من إعطاء الرد بالإيجاب".
رنا، في المرحلة الأخيرة من دراستها الجامعية في الجامعة الأردنية، على قدر كبير من الخلق والدين والجمال، تقدم لخطبتها الشاب علي، وتبادلا أطراف الحديث، فتحدث لها عن أحلامه وآماله، شعرت الفتاة بالسعادة من خلال ملامح وجهها وجمعت كل المعلومات عنه، والتي كانت تفيد أن الشاب مناسب جدا، بعد ذلك جلست في غرفتها وأحضرت قلما وورقة كي تكتب سلبيات الشاب وإيجابياته، وذلك للخروج بقرار حاسم ونهائي، وبعد تفكير مستفيض امتلأت ورقة الفتاة بالإيجابيات وخلت من أي سلبية تذكر، وهو ما كان يؤكد قبولها بالشاب وتفاؤلها بمستقبل مزهر وبعالم رومانسي جميل.. انطلقت رنا، لتؤدي صلاة الاستخارة وتناجي الله سبحانه وتعالى في أن يختار لها، وبعدها خرجت بقرارها المصيري، قائلة: "أنا خائفة ومش مرتاحة، أنا أنظر للزواج والاستخارة على أنهما رزق من الله والواضح أنه لا يوجد نصيب".
قصة تسنيم، هي الأخرى ليست غريبة عن قصة رنا، فقد شكلت أسطولا من الأقارب والأصدقاء كي يسألوا عن أخلاق الشاب الذي تقدم لخطبتها وعن تدينه، واللافت للأمر أن كل محاولات التقصي والبحث كانت تشير إلى أن مواصفات الشاب هي ما كانت تبحث عنه الفتاة، وأنها لن تجد من هو أفضل منه على حد تعبيرها. أحضر الشاب أهله وذهب إلى منزل العروس، وبعد أن جلس إلى الفتاة وتحدث إليها طار قلبه فرحا وسرورا.. قائلا: "هذا ما أبحث عنه.."، أما الفتاة فدخلت إلى غرفتها وهي في غاية الراحة باحثة عن سجادة الصلاة لتؤدي دعاء الاستخارة، وفي صباح اليوم التالي أطلقت ردها بكل سهولة: "أنا استخرت لكنني استيقظت منزعجة أكثر من مرة، ولذلك أرجوا المعذرة ليس هناك نصيب!". قصة أخرى للفتاة شيماء، 28 سنة، مع الاستخارة، ففي كل مرة يطرق باب أهلها الخطابة، تعتذر فورا بعد الاستخارة، والحجة أيضا كما تقول: "أنا خائفة أن يضربني أو يشتمني".
أستاذ الشريعة الدكتور علي الصوا، يرى أن الاستخارة هي دعاء أولا، فإن كان المتقدم لخطبة الفتاة سيحقق لها الخير في دينها ودنياها وآخرة أمرها فإنها تطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لها سبله ثم تمضي في الأمر، أما قضية الخوف التي تتحدث عنها الفتيات بعد الاستخارة فهي قضية فطرية وطبيعية باعتبار أن القرار سيكون مصيريا. قائلا: "الخوف المذكور ليس سببه أن الله سبحانه وتعالى لا يريد لها الارتباط بالشاب، وأقول إذا كانت لدى الفتاة علامات تدلل على أن المتقدم لزواجها شخص صاحب دين وخلق فإنها تستخير للتوفيق المستقبلي". والحديث الشريف يقول: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، أما مسألة عدم وجود ميل نفسي من قبل الفتاة تجاه الشاب فهذا أمر آخر وغير مرتبط بالاستخارة". ويضيف: "النبي صلى الله عليه وسلم اختار للفتاة الملتزمة إجابتها من خلال الحديث المذكور والذي ختمه بقوله: "إلا تفعلوه تكن فتنة وفساد عظيم"، ولذلك فإنني أنصح الفتاة التي توثقت وسألت عن تدين الشاب، أن تمضي وتتوكل على الله، فما خوفها إلا وسوسة من الشيطان".