تستأثر قضية المرأة باهتمام طوائف المجتمع على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية، فلكل طائفة وجهة نظرها التي تتبناها وتدافع عنها، وتحشد لها الحجج والبراهين.ولو لم تكن المرأة عظيمة التأثير، عالية المكانة، لم تحظ بهذا الاهتمام و لم تستأثر بهذا القدر من الجدل على مستوى الأمة. والمرأة في ميزان الشرع الحنيف مخلوق مكرم، محفوظ الكرامة والمكانة، تطاع وتعظم أماً، وتكرم وتحفظ زوجةً، وترعى وتصان ابنة. وحين يخالط الإيمان قلبها تزن جماعات من الرجال. فمن من الرجال اليوم مثل مريم ابنة عمران، أو آسية زوجة فرعون، أو خديجة بنت خويلد، أو عائشة بنت أبي بكر، أو فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهن أجمعين؟. ولئن كانت الأمثلة الناصعة السابقة صوراً حدثنا عنها التاريخ الصادق، بل الوحي المعصوم، فإن الواقع المشهود يمتلأ بصفحات بيضاء حاضرة تحفل بعطاء جملة من فضليات الداعيات ممن تجاوز عطاء إحداهن جهود عشرات من خيرة الدعاة. وبعيداً عن المجال الدعوي الخالص، لن نتكلف في العثور على أمثلة لا تحصى لنساء نبغن في شتى العلوم والمعارف مع ما حباهن الله به من عفاف و حشمة. إن حكمة الله تعالى في تفاوت درجات الخلق، و تفضيل بعضهم على بعض هي السبيل الأوحد لاستقامة الحياة وعمارة الأرض. وتفضيل جنس الرجال على جنس النساء و منحهم القوامة لا يعني أن كل رجل أفضل من كل امرأة، بل الطريق نحو السمو والكمال في الدنيا و الآخرة واضحة جلية، غير أنها محفوفة بالعقبات التي تمحص السالكين ليصل أهل الجدارة، و يقعد غير أولي العزم. هذه دعوة للمرأة المسلمة أماً كانت أو زوجة، وأختاً كانت أو ابنة، للسعي الحثيث إلى مراتب الكمال المناسب لها بجميع صوره، والتحلل من الأوهام والقيود التي تشعرها بالدونية، وتمنحها الأعذار لتكون عبئاً على المجتمع تميل مع الهوى حيث يميل، فتنشغل بالتوافه، وتقاد حيث يراد لها. بقي أن نعلم أن الموفقة هي من صدرت في فكرها وتحركاتها عن عقيدتها فوعت رسالتها، وأحسنت تحديد مسارها، وكان شعارها: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" سورة الأنعام.