حقيقة الخشوع
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
الشيخ: صالح بن حميد
| المصدر :
www.muslimat.net
حقيقة الخشوع
إن الخشوع حالة في القلب تنبع من أعماقه مهابةً لله وتوقيرًا، وتواضعًا في النفس وتذللًا، لينٌ في القلب، ورقة تورث انكسارًا وحرقة.
إن القلب إذا خشع؛ سكنت خواطره، وترفعت عن الإرادات الدنيئة همته، وتجرد عن اتباع الهوى مسلكه، ينكسر ويخضع لله، ويزول ما فيه من التعاظم والترفع والتعالي والتكبر.
الخشوع سكون واستكانة، وعزوف عن التوجه إلى العصيان والمخالفة. والخاشعون والخاشعات هم الذين ذلَّلوا أنفسهم، وكسروا حدتها، وعوَّدوها أن تطمئنَّ إلى أمر الله وذكره، وتطلب حسن العاقبة، ووعد الآخرة، ولا تغتر بما تزينه الشهوات الحاضرة، والملذات العابرة.
إذا خشع قلب المصلي؛ استشعر الوقوف بين يدي خالقه، وعظمت عنده مناجاته، فمن قدَرَ الأمر حق قدره، واستقرَّ في جنانه عظمة الله وجلاله، وامتلأ بالخوف قلبه؛ خشع في صلاته، وأقبل عليها، ولم يشتغل بسواها، وسكنت جوارحه فيها، واستحق المديح القرآني {قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ}[المؤمنون: 1،2].
والخشوع يتفاوت في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع، وبمقدار هذا التفاوت يكون تفاضل الناس، في القبول والثواب، وفي رفع الدرجات، وحط السيئات. عن عبد الله الصنابحي
–
رضي الله عنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (
خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن؛ كان له على الله عهدٌ أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه
).
وهناك نوع من الخشوع حذر منه السلف وأنذروا، وسموه: خشوع النفاق. فقالوا: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قالوا: وما خشوع النفاق؟ قالوا: أن ترى الجسد خاشعًا، والقلب ليس بخاشع. ولقد نظر عمر رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه فقال له: يا هذا، ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر خشوعًا على ما في قلبه؛ فإنما هو نفاق على نفاق.
فاتقوا الله واحفظوا صلاتكم، وحافظوا عليها، واستعيذوا بالله من قلب لا يخشع، فقد كان من دعاء نبيكم محمد النبي -صلى الله عليه وسلم-: (
اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها
).
يذكر أهل العلم وجوهًا عدة، يتبين فيها حضور القلب، ويتحقق فيها حال الخشوع، وحقيقة التعبد، من هذه الوجوه:
*
الاجتهاد في تفريغ القلب للعبادة، والانصراف عما سواها، ويقوى ذلك ويضعف بحسب قوة الإيمان بالله واليوم الآخر، والوعد والوعيد.
*
ومنها: التفهم والتدبر لما تشتمل عليه الصلاة من قراءة وذكر ومناجاة؛ لأن حضور القلب والتخشع والسكون من غير فهم للمعاني لا يحقق المقصود.
*
ومنها: الاجتهاد بدفع الخواطر النفسية، والبعد عن الصوارف الشاغلة. وهذه الصوارف والشواغل عند أهل العلم نوعان:
1.
صوارف ظاهرة: وهي ما يشغل السمع والبصر، وهذه تعالَج باقتراب المصلي من سترته وقبلته ونظره إلى موضع سجوده، والابتعاد عن المواقع المزخرفة والمنقوشة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى في خميصة لها أعلام وخطوط نزعها وقال: (
إنها ألهتني آنفًا عن صلاتي
).
2.
صوراف باطنة من تشعب الفكر في هموم الدنيا وانشغال الذهن بأودية الحياة، ومعالجة ذلك بشدة والتفكر والتدبر لما يَقرأ ويَذكر ويُناجي.
*
ومما يعين على حضور القلب، وصدق التخشع؛ تعظيم المولى جل وعلا في القلب، وهيبته في النفس، ولا يكون ذلك إلا بالمعرفة الحقة بالله عزَّ شأنه، ومعرفة حقارة النفس وقلة حيلتها، وحينئذٍ تتولد الاستكانة والخشوع والذل والإنابة.