أثار عرض فيلم مضاد للفيلم الهولندي "فتنة" المسيء للإسلام بالطريقة نفسها ردود أفعال متباينة في الشارع الإسلامي، ففي الوقت الذي أعتبره العديد من المختصين والدعاة مخالفا للشرع الحنيف الذي حث على عدم الإساءة للأديان السماوية، رأى مواطنون مسلمون أنه الطريقة الوحيدة التي يمكن بها الرد على النائب الهولندي جيريت فيلدرز صاحب "فتنة" وأمثاله الذين لا هم لهم سوى الإساءة للمعتقدات الإسلامية والنيل من رموزها.
وكان أحد المدونين السعوديين واسمه رائد السعيد، انتج فيلم فيديو مدته حوالي خمس دقائق واسماه "الانشقاق" أو "شقاق" وعرضه على شبكة "يوتيوب"، وذلك رداً على الفيلم المسيء للقرآن الكريم الذي نشر على الإنترنت وأجج مشاعر الغضب والاحتجاجات في الدول الإسلامية.
وجاء انتاج الفيلم "حسب رأي السعيد" للتدليل على إمكانية توظيف نصوص معينة من الكتب السماوية والعمل على تفسيرها على نحو غير الذي وردت لأجله للتدليل على أنها تدعو للعنف أو الحرب، مشيرا إلى أن الهدف من الفيلم هو إظهار أنه يجب عدم الحكم على الإسلام من خلال فيلم "فتنة" المسيء للقرآن الكريم.
وقال السعيد: "إن من السهل أن تقتبس نصوصاً من أي كتاب مقدس، وتخرجها من سياقها، وتظهره (الكتاب المقدس) على أنه أكثر الكتب وحشية.. هذا ما فعله فيلدرز من أجل حشد مؤيدين لأيديولوجية الكراهية التي يدعو إليها، وخلق حالة من الشقاق".
ويظهر الفيلم مجموعة من "المتطرفين المسيحيين" وهم يدعون للعنف، ومجموعة أخرى من الجنود البريطانيين وهم يضربون عراقيين من لقطات عرضت على موقع يوتيوب، مستخدماً الأسلوب الذي استخدمه فيلدرز، وفي لقطة أخرى أظهر نصاً من الانجيل يدعو إلى الحرب.
كما أظهر الفيلم لقطات من فيلم "معسكر يسوع" وهو فيلم وثائقي حصل على ترشيح للحصول على جائزة أوسكار عام 2007، ويدور حول معسكر صيفي لطائفة من المسيحيين الإنجيليين.
رافضو الفيلم
في هذه الأثناء، أكد اثنان من المختصين في الشريعة الإسلامية على وجوب أن تكون ردود الفعل تجاه أية إساءة للإسلام منضبطة وعقلانية وأن "الإساءة لا تواجه بالإساءة في المنهج الإسلامي". وأعتبرا ما قام به السعيد من إصدار فيلم "مضاد" للفيلم الهولندي "فتنة" تصرف "غير عقلاني وذلك لمخالفته المنهج النبوي في السماحة وحسن التعامل".
وشدد الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية السعودية ماجد المرسال على ضرورة "التأني في ردود الفعل وتركها للعقلاء من دعاة وعلماء وقادة وألا تتم هذه الردود بصورة عشوائية غير منضبطة".
وأضاف "ردود الفعل حين تكون بصورة شرعية ستؤدي الصورة الحسنة التي يمثلها الإسلام وتمثلها أفعال وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم أما ردود الأفعال غير المنضبطة كالشتم والسب والنيل من مقدسات الآخرين فليس من الاحتساب الشرعي فالله تعالى يقول "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" وهذا ما يقوم به بعض الجهال من سب الديانات الأخرى أو شتم الكتب المقدسة وفجأة تجد أن الوضع تأجج بين الديانات بسبب بعض المستعجلين الذين يريدون أن يحسب لهم الاحتساب أمام الناس وهذه الأفعال غير المنضبطة تخالف عقيدة المسلمين قبل أن تكون في صالح المسلمين". وأكد المرسال أن الحوار يجب أن يكون هو السياسة العامة للدعاة والعلماء وغيرهم في الحديث مع الآخر وخصوصاً فيما يتعلق بالإساءة للمقدسات.
أما القاضي بديوان المظالم الشيخ عبد اللطيف القرني فقال: إن الرد الحقيقي يكون بتوضيح سماحة الإسلام وحقيقته، وليس أفعالا غير مدروسة يكون أثرها السلبي على الإسلام والمسلمين أكثر. وأضاف: الردود المستعجلة ترضي مطامع من لديهم عواطف عنف، فهذه التصرفات تخدم المتطرفين من الطرفين والله خلق الأرض فيها الحق والباطل منذ القدم ولو أراد سبحانه أن يمحو الباطل لمحاه بكلمة واحدة ولكنه يريد أن يظل الحوار وتعمر الأرض.
غضب مسيحي
وأثار فيلم "الانشقاق" ردود فعل مسيحية خصوصا في هولندا تؤكد رفضها "ربط الإنجيل بالعنف". وقال اتحاد الكنائس الهولندية: لا يجب السير وراء إثارة العداء أو الكراهية وربط الكتب السماوية بدعوات العنف أو الحرب، فكما سبق وأن رفضت الكنيسة توصيف القرآن بالتحريض على العنف، ترفض أيضا ربط الإنجيل بهذه المعاني، فقلة من الأشخاص ليسوا هم كل المسيحيين، كما أن قلة من المسلمين تسيء للدين الإسلامي ليسوا هم كل المسلمين.
فيما أكد باحث علم اللاهوت سيلاس فان دير فين، إن اختيار نصوص بعينها من كتب الديانات دون أخرى أو دون استكمال معناها، يمكن تفسيره على نحو خاطئ، لذا يجب أخذ النصوص بجملتها والمضمون الذي تهدف إليه وقت وجود هذه النصوص.
وعقدت منظمة اتحاد الشباب المسيحي برئاسة "روجير هافيلار" جلسة مباحثات مساء الخميس حول فيلم "الفتنة"، وما ورد به من اتهامات ضد الإسلام، وتم فتح مناقشات حول أفكار "الفيلم"، حيث حذر هافيلار من خلط العادات والثقافات السلبية التي يمارسها بعض المسلمين وإلصاقها بالقرآن، وأكد أن هناك ثقافة مكانية مرتبطة بأماكن يتواجد بها المسلمون، وليس لها صلة بالقرآن أو الإسلام الحقيقي ـ حسب قوله ـ مثل عادة ختان الإناث وجرائم الشرف،ورغم ذلك يتم إلصاقها بالإسلام. وأضاف : هناك قلة تحاول استغلال الإسلام لتنفيذ أهداف راديكالية وأيديولوجية سياسية باسم الإسلام، وهذا يشكل خطأ كبيرا، فليس للعالم أن يتصور أن الإسلام أو القرآن يدعو للراديكالية.
وأدت ردود الأفعال المسيحية الرافضة والغاضبة من "الفيلم"، إلى قيام شبكه "يوتيوب" برفعه بصوره سريعة من الموقع، والاعتذار عن الاستمرار في عرضه بزعم أنه لم يعد متاحا للعرض، فيما أبقت الشبكة على فيلم "فتنة" متاحا بالصور.