تصفية العسكرى من الداخل على طريقة عبدالناصر
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
مصطفى عبيد
| المصدر :
www.alwafd.org
مصطفى عبيد
التاريخ لا يكرر نفسه إلا فى الدول المتخلفة التى لا تستفيد نخبها من أخطاء وخطايا الماضى.. كثيرا ما يسعى الساسة ورجال السلطة الى استنساخ تجارب وسيناريوهات سابقة للسيطرة على مقاليد الحكم ، لكنهم لا ينجحون الا فى المجتمعات الناعسة.
يوم الاثنين الماضى أصدر المشير محمد حسين طنطاوى قرارا بخروج اللواء اسماعيل عتمان رئيس قطاع الشئون المعنوية بالقوات المسلحة الى المعاش مبررا ذلك ببلوغه سن الستين . وكان من الواضح أن المبرر مصطنع خاصة أن هناك من تجاوزوا سن الستين بين أعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة ولم يخرجوا الى المعاش. كما ان المشير طنطاوى رئيس المجلس نفسه من مواليد اكتوبر عام 1935 وهو ما يعنى أنه تجاوز العام السادس والسبعين. كذلك فإن الفريق سامى حافظ عنان رئيس اركان حرب القوات المسلحة من مواليد فبراير عام 1948 وهو يعنى أنه فى مطلع عامه الـ64. وهناك أيضا الفريق عبد العزيز سيف الدين قائد قوات الدفاع الجوى والذى يبلغ الثالثة والستين.
لذلك فقد كان واضحا أن خروج اللواء «عتمان» من منصبه كان إقالة وليس إحالة الى المعاش، لأنه لا يوجد معاش بين أعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة بدليل بقاء اللواء عادل عمارة ضمن أعضاء المجلس كمساعد لرئيس المجلس رغم خروجه رسميا الى المعاش.
وما جرى مع «عتمان» يؤكد أن مسلسل تصفية المخالفين فى الرأى لرئيس المجلس قد بدأ على غرار ما تم بين أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو وقائدهم الحقيقى فى خمسينيات القرن الماضى، خاصة اذا ربطنا بين قرار الاقالة وتصريحات «عتمان» لقناة نايل لايف يوم 16 يناير، والتى قال فيها بالحرف الواحد: «سنقوم بتسليم السلطة على طبق من ذهب يوم 30 يونيو القادم». وقال ايضا: «لا نسعى لأن تكون هناك وضعية خاصة للقوات المسلحة فى الدستور ولن تختلف عن المنصوص عليه فى الدساتير السابقة».
ومن الواضح أن شيئا ما فى تصريحات «عتمان» أغضب المشير طنطاوى، ودفعه دفعا الى إزاحة «عتمان» من منصبه بمبرر غير مقبول وهو مبرر السن. ولا شك أن عودة سريعة لمسلسل تصفية عبدالناصر لزملائه فى مجلس قيادة الثورة يدفعنا لتوقع المزيد من التصفيات والإبعادات داخل المجلس العسكرى خلال الشهور القليلة القادمة.
يحكى خالد محيى الدين فى مذكراته المعنونة «والآن أتكلم» أن مجلس قيادة ثورة يوليو تم تشكيله من 14 عضوا منهم 9 قيادات قديمة هم: جمال عبدالناصر، عبدالحكيم عامر، صلاح سالم، جمال سالم، انور السادات، كمال الدين حسين، حسن ابراهيم، خالد محيى الدين وعبداللطيف بغدادى و5 أعضاء جدد هم محمد نجيب، يوسف صديق ، عبدالمنعم أمين، زكريا محيى الدين، حسين الشافعى.
فى 1953 بدأت مناورات عبدالناصر مع خالد محيى الدين بسبب اعتراضه على قانون يحظر الاضراب للعمال وقدم خالد استقالته قبل أن يشتعل غضب سلاح الفرسان ويتمرد، ثم بدأت المؤامرات والاجتماعات الخاصة ضد محمد نجيب رئيس مجلس القيادة ثم رئيس الجمهورية بعد ذلك وسيطر عبدالناصر على الصحافة ومنع الصحف من نشر أى شىء عن رئيس الجمهورية حتى اضطر الى تقديم استقالته، ثم عاد مرة أخرى بعد أن غضبت الجماهير لخروجه الى أن نجح مجلس قيادة الثورة فى اقصائه تماما فى ديسمبر عام 1954. أما خالد محيى الدين فقد قبلت استقالته وتم إلحاقه للعمل كسفير لمصر فى سويسرا لإبعاده عن العمل السياسى. وفيما بعد تخلص ناصر من صلاح سالم بعد توريطه فى ملف فصل السودان عن مصر. كما تم ارسال ثروت عكاشة للعمل سفيرا لمصر فى باريس.
ويذكر سامى جوهر فى شهادات موثقة جمعها فى كتابه الشهير «الصامتون يتكلمون» كيف تم ابعاد عبداللطيف بغدادى وكمال الدين حسين لتأكيد انفراد عبدالناصر بالحكم. أما الاول فقد عين رئيسا لمجلس الامة «البرلمان» حتى فوجئ بتدخل عبدالناصر بنفسه فى شئون البرلمان واصراره على فرض وجهة نظره فى قانون يحدد صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة واضطر الى الاستقالة احتراما لكرامته.
وأما الثانى فقد عين وزيرا للتعليم ثم ابعد لمعارضته التوجهات اليسارية الحادة وبعث برسالة الى ناصر بعنوان «اتق الله» كانت سببا مباشرا فى اعتقاله وتحديد اقامته ومنع الناس من زيارته. والطريف ما يرويه عبداللطيف بغدادى أن غضب عبدالناصر عليه دفعه أن يرسل إليه يوما صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات ليقول له أن عميلا مزدوجا أبلغه ان اسرائيل وضعت خطة لاغتياله هو وكمال الدين حسين وأنه لا يجب أن يزورهما أحد دون إذن المخابرات للتحقق من ذلك، وهو ما كان محط سخرية من «بغدادى» و«حسين».
وفيما بعد تخلص عبدالناصر من صديقه وزميله الاول فى الثورة وهو عبدالحكيم عامر نحرا أو انتحارا بعد اقصائه من قيادة الجيش واعتقاله وتحديد اقامته بعد هزيمة يونيو 1967، وهو ما يعنى أنه لم ينفرد فعليا بحكم مصر الا بعد تصفية معظم زملاء السلاح والكفاح.
ويبدو المشهد الحالى أكثر ضبابية وإن كانت هناك بوادر خلافات بين أعضاء المجلس العسكرى ، ربما كان أبرزها خروج أحد أعضاء المجلس بتصريحات معينة، ثم خروج متحدث آخر لنفيها فى اليوم التالى، وهو ما جرى بالنسبة لتصريحات اللواء مختار الملا مساعد وزير الدفاع وعضو المجلس فى بداية شهر ديسمبر الماضى لبعض المراسلين الاجانب، والتى قال فيها إن المجلس العسكرى سيشارك فى اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية الخاصة بوضع دستور البلاد، وفى اليوم التالى خرج اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع لشئون القانون وعضو المجلس أيضا لينفى تماما كلام «الملا» معتبرها آراء شخصية! وقال إن المجلس العسكرى لن يكون له أى دور فى تشكيل لجنة الدستور!
وفى تصور الباحث السياسى الشهير الدكتور محمد الجوادى أن اعادة الثقة فى المجلس الاعلى للقوات المسلحة وتجميل صورته كان يتطلب اعادة تشكيله مرة اخرى، وإزاحة كافة الوجوه التى تسببت فى ترسيخ الكراهية تجاه المجلس لدى الرأى العام.
ويقول لـ«الوفد»: من الضروري اخراج كافة الشخصيات التي أساءت للثوار مثل اللواء محسن الفنجرى، واللواء ممدوح شاهين، واللواء حسن الروينى، واللواء عادل عمارة واللواء حمدى بدين. ولا يعتبر «الجوادى» خروج «عتمان» محاولة من قيادات المجلس تصفية بعض اعضاء المجلس، ولكنه يراها محاولة لإزاحة الشخصيات التى تسببت فى مشكلات للمجلس لدى الرأى العام.