دوران الأرض
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
ميدوlive
| المصدر :
www.new7ob.com
*دوران الأرض*
عرفنا ممّا مضى فكرة عامة عن خلق السماوات والأرض ، وعن بداية وجود هذا الكون ... فماذا عن بعض التفصيلات التي تتعلّق بالأرض والشمس والقمر والنجوم وغير ذلك ؟
القرآن الكريم تطرّق إلى بعض هذه التفصيلات لكونها مظاهر تدل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى .. وقد أشار إلى بعضها إشارة ، بينما تحدّث عن البعض الآخر صراحة ، وذلك ليدلّ الإنسان على عظيم قدرته وواسع علمه وحكمة تدبيره سبحانه .
وهذا ممّا يعمّق الإيمان بالله في النفس ، ويذكّر الإنسان بضرورة الاستجابة إلى ربّه تعالى وعدم صحّة جحوده والكفر به .
فالقرآن الكريم يشير إلى دوران الأرض وأنّها متحرّكة بقوله تعالى :
(( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ))
:النمل:88
يقول الشيخ محمد متولّي الشعراوي رحمه الله :
هل يستطيع أحد أن يحكم على مكان هو جالس فيه والمكان كلّه يتحرك بما فيه هو ... إنّك لا تستطيع أن تدرك أنّه يتحرّك ..لماذا ؟
لأنّك لا تعرف حركة المتحرّك إلا إذا قسته مع شيء ثابت ، لأن الأرض كلّها تدور ، والمواقع فوقها ثابتة ، ومن يستطيع أن يقيس الأرض كلّها إلى شيء ثابت ليعرف حركتها !! ... لا أحد يستطيع ، وما دمت أنا لا أدرك الحركة ، يأتي الله سبحانه وتعالى ليقول لي :
(( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
)) ... تحسبها ... معناه: كان ذلك حسباناً وليس حقيقة ، لأنّ هذه الجبال التي تراها أمامك جامدة ثابتة لا تتحرّك هي ليست كذلك .
فإنّ الله يريد أن يقول لنا : إنّ هذه الجبال الرّاسخة أوتاد الأرض التي تبدو أمامك جامدة صلبة تمرّ أمامك مرّ السّحاب وأنت لا تدري .. ثمّ عندما تتعجّب وتقول وأنت تسمع هذه الآية كيف ترمّ هذه الجبال مرّ السّحاب وهي ثابتة أمامي هكذا لا تتحرّك من مكانها ؟!
يقول لك الله سبحانه وتعالى : لا تتعجّب ... صنع الله الذي أتقن كلّ شيء ... فإن قال قائل : إنّ هذا يحدث في الآخرة .. فإنّنا نقول له : إنّ الأرض لن تكون نفس الأرض وإنّ الجبال ستمور مصداقاً لقوله تعالى :
(( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ))
:إبراهيم:48
ثمّ هل يكون في الآخرة حسبان ؟ ..أبداً ... الآخرة نرى فيها الحقائق .. نرى فيها كل شيء عين اليقين ، ونعرف كل شيء على حقيقته ... الجنّة والنار ... والثواب والحساب وكل شيء .
إذاً فقول الله سبحانه وتعالى : ((تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
)) معناه : أنّك وأنت أمام هذه الجبال واهم ... لأنّك تظن أنّها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب . ثمّ يأتي بعد ذلك استخدام الله سبحانه وتعالى كلمة : مرّ السّحاب ... وكما قلت إنّ اختيار الألفاظ في القرآن دقيق جداً .. مرّ السّحاب ..لماذا لم يقل سبحانه وتعالى مرّ الرّياح ؟ .. أو مرّ العواصف ! .. أو أي لفظ آخر ...
لأنّ السّحاب لا يتحرك بنفسه ... بل تدفعه قوّة ذاتيّة هي قوّة الريح ؛ فحين يتحرّك السّحاب من مكان إلى آخر لا ينطلق بذاته ويمضي ، بل تأتي وتحمله من المكان الذي هو فيه إلى مكان آخر وهكذا ...
فكأنّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا : انتبهوا إنّ حركة الجبال ليست حركة ذاتيّة كحركة الأرض .. وليست حركة ذاتيّة كحركة الرياح .. فهي لا تتحرّك بذاتها ، أي لا تنتقل من مكانها على سطح الأرض إلى
مكان آخر على سطح الأرض .. لا .. إنّ مكانها ثابت ولكنّها تمرّ مرّ السّحاب ؛ أي تتحرّك بحركة الأرض تماماً ، كما تحرّ الرياح السّحاب .. وإلا فلماذا لم يقل الله تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تسير أو وهي تجري أو وهي تتحرّك أو وهي تمرّ من مكان إلى آخر .. أبداً ..
استبعد كلّ الألفاظ التي تعطي الجبال ذاتيّة الحركة .. أي أنّ الذي يتحرّك ذاتيّاً هي الأرض ، والجبال تتبع هذه الحركة وهي تمرّ مرّ السّحاب الذي لا يملك ذاتيّة الحركة . ((
معجزة القرآن)) .
والخلاصة:
فنحن ننظر إلى الجبال فنحسبها جامدة
(*)
، بينما هي تمرّ كمرور السّحاب لأنّها محمولة على متحرّك وهي الأرض ، كما أنّ السّحاب محمول على متحرّك وهو الرياح .
وفائدة الإشارة إلى حركة الأرض هنا ، هي أنّها توضّح حركة الليل والنّهار عليها بالجهة المعاكسة كما تبيّنه الآيات التالية .
(*): أمّا قبل الآخرة فسنرى الجبال وهي تسير ، فلن نحسبها جامدة لقوله تعالى :
(( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ))
:الكهف:47
ثمّ بعد ذلك تُنسف وتُسوّى بالأرض لقوله تعالى :
(( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ))
:طه:105
ثمّ إنّ قوله تعالى : ((
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ))
يدل على أنَّ هذه الصورة التي نرى فيها الجبال الآن جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب هي مظهر من مظاهر صنع الله المُتقَن .
المصدر
كتاب الكون والإنسان بين العلم والقرآن
للمؤلف بسّام دِفضع