نحب جميعاً الاستلقاء قليلاً بعد الظهر، لا بل النوم أحياناً لدقائق معدودة، للشعور بعدها بالانتعاش والنشاط. والواقع أن القيلولة مهمة جداً لأن الجسم مبرمج للراحة بين 13 و15 ساعة يومياً.... عندما تشعرين بتضاؤل الطاقة، توجهي فوراً إلى الأريكة أو الفراش وحاولي الاستلقاء وأخذ قيلولة لبعض الوقت. فالقيلولة مهمة للجسم، علماً أن الأبحاث الطبية تؤيدها بقوة.
فوائد إيجابية للقلب توفر القيلولة وقاية من أمراض القلب، خصوصاً عند الرجال النشاط. فحسب دراسة علمية حديثة أجريت على الشعب اليوناني، تبيّن أن أخذ قيلولة لمدة 30 دقيقة فقط في بداية بعد الظهر يخفف بنسبة 37 في المئة خطر التعرض لأمراض القلب أو الشرايين المميتة. وكانت دراسات سابقة أكدت أن معدل الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والشرايين ينخفض عموماً عند الأشخاص المعتادين على أخذ قيلولة بعد الظهر.
تأثيرات منبهة إن أخذ قيلولة لمدة 20 دقيقة في بداية بعد الظهر يزيد كثيراً من إنتاجية الشخص خلال الساعتين أو الثلاث ساعات التالية. فالقيلولة تتيح للدماغ التيقظ وإعادة الشحن مع زيادة معدل عدد من الناقلات العصبية مثل الدوبامين المرتبط بالطاقة، والأستيلكولين والسيروتونين اللذين يزيدان التواصل العصبي. النتيجة: عند الاستيقاظ، إحساس كبير بالطاقة والانتعاش والحيوية. يتضح إذاً أن أخذ استراحة قصيرة خلال النهار يتيح الحفاظ على الدينامية لوقت أطول.
تيقظ أكبر يمكن للقيلولة القصيرة أن تمحو فوراً آثار التعب، وتعزز اليقظة والتركيز. فقد أجمعت الدراسات العلمية الحديثة على أن القيلولة تحدّ من التعب الجسدي والفكري. وإذا امتدت القيلولة خلال 30 دقيقة، يتضاءل خطر ارتكاب الأخطاء إلى الثلث في فترة بعد الظهر والمساء.
تعزيز الذاكرة والذكاء تؤدي القيلولة دوراً مهماً في ترميم الخلايا العصبية، وتحسين الذاكرة، وتنشيط القدرات العقلية. وتبين أن الأشخاص الذين يأخذون قيلولة بشكل منتظم يذكرون التفاصيل بشكل أفضل من الذين لا يأخذون قيلولة، ويحسنون أيضاً كفاءاتهم. يؤكد ذلك أن النوم ضروري لإفراغ الذاكرة في المدى القصير من الدماغ وإفساح المجال أمام معلومات جديدة. ليست إذاً مصادفة أن الأشخاص الذين يعملون لساعات متواصلة خلال النهار من دون أية استراحة لا ينجحون بتفوق في اختبارات الذكاء.
تعويض نقص النوم القيلولة مهمة أكثر من النوم الصباحي المتأخر للتعويض عن نقص النوم. وترتبط مدة القيلولة بما يسميه الأطباء "دين النوم": 15 إلى 20 دقيقة في حال الحرمان المزمن من النوم، ساعة إلى ساعة ونصف الساعة للتعويض عن ليلة قصيرة جداً أو استباق سهرة حتى الصباح.
علاج ضد البدانة أظهرت الدراسات وجود رابط بين قلة النوم وزيادة الشهية، ما يزيد خطر التعرض للبدانة وداء السكري. فاللبتين، الهرمون الذي تطلقه الخلايا الدهنية لإبلاغ الدماغ بالشبع، يتضاءل معدله بشدة نتيجة نقص النوم. ويمكن مقارنة فداحة هذا التضاؤل في المعدل بثلاثة أيام من الحمية الغذائية القليلة الوحدات الحرارية. وليس هذا كل شيء. فالغريلين، وهو ببتيد تفرزه المعدة لتحفيز الشهية، يزداد معدله بشكل ملحوظ، مما يؤثر في الجوع والشهية، مع تفضيل واضح للأطعمة الدهنية التي تتراكم لسوء الحظ في البطن. والمؤسف أن بدانة البطن ليست فقط بشعة جمالياً، وإنما ترتبط أيضاً بمقاومة للأنسولين، مما ينذر بداء السكري وأمراض القلب.
مقاومة التوتر يستجيب جسمنا للتوتر عبر إنتاج المزيد من الكورتيزول. إلا أن هذا الهرمون، المعروف بهرمون التوتر، ينخفض كثيراً أثناء النوم. يتضح إذاً أن النوم قليلاً في منتصف النهار هو وسيلة جيدة للتخفيف من التوتر العصبي، والهروب من العصبية، والحفاظ على المزاج الجيد. وليست مصادفة أن نشعر بالانتعاش والنشاط بعد قيلولة قصيرة (10 دقائق إلى 30 دقيقة كحدّ أقصى). كما يرتفع مستوى الطاقة، من دون الإحساس بحماس مفرط. والأفضل من ذلك أنه عند خفض مستوى التوتر، يمكن الحد من العامل المفاقم لمشاكل القلب وإبطاء شيخوخة الخلايا.
حماية من الالتهاب الكورتيزول ليس فقط الهرمون المسؤول عن التوتر. فهو ينظم أيضاً الوظائف الكبيرة في الجسم، بدءاً من دفاعات المناعة. والواقع أن تأثيره المضاد للالتهاب والقامع للمناعة هو أساس مجموعة كاملة من الأدوية: الكورتيكوييد. بالفعل، يحفز الكورتيزول عودة الخلايا البيضاء التي تضمن دفاع الجسم، في أعضاء المناعة (الكبد، الغدد اللمفاوية، النخاع الشوكي) وتزيد عددها في الدم. وبما أن النوم يتيح الحفاظ على مستوى متوازن من الكورتيزول، لا تترددي في أخذ قيلولة بعد الظهر خصوصاً إذا كانت لياليك قصيرة عموماً...