حسد الرجل للمرأة تحتل المرأة حيزاً كبيراً في جلسات الرجال، سواء أكانت حاضرة بجسدها أم روحها. هم يثرثرون كثيراً في كل القضايا الإنسانية والحياتية، لكنهم سرعان ما يعودون إلى حديثهم المفضَّل، الذي تكون هي عنوانه الرئيسي. فما الذي يجعل الرجل يحسد المرأة؟ ثمّة رجال من جنسيات عربية مختلفة، شاركونا في إبداء آرائهم في هذا التحقيق، حيث تبيّن أنّ لكل منهم رأيه الذي يدافع عنه بقوة تجاه الرأي الآخر. منهم مَن يحسد المرأة على جمالها، وآخر يحسدها على دهائها، وثالث يحسدها على دموعها، ومنهم مَن يقول بصراحة: "أغار منها ولن أقول لكم لماذا". والنتيجة: يبدو الشعور بالحسد تجاه المرأة، وكأنّه القاسم المشترك بين معظم مَن قابلناهم، بإستثناء قلة. فما الذي يدور في خلد هؤلاء؟ وما هي الخلفيات التي تتحكم في نظرتهم إلى المرأة؟ - لا أعباء إجتماعية: يبتسم علي صالح (من البحرين)، قبل أن يجيب عن سؤالنا حول ما يجعله يحسد المرأة، ثمّ يعود ليقول: "أكثر ما يجعلني أحسدها، هو أن لا أعباء إجتماعية عليها، فهي تربي الأطفال، ولا مسؤولية لديها أكثر من ذلك، بينما يتحمل الرجل مسؤوليات البيت كافة من مصاريف وحاجيات، وأيضاً ما يتعلق بالعلاقات الإجتماعية، وغير ذلك الكثير". يضيف: "إضافة إلى كل ما أوردت، أنا أحسد المرأة أيضاً على ما تتمتع به من نعومة، تجعل الرجل يفضلها على صديقه الرجل، ويأخذ برأيها في أي قضية تشغله". - مساعدات: أمّا مجدي خليل (مصري)، فيقول إنّه يحسد المرأة على أشياء كثيرة، منها أنّه "إذا تعطلت سيارتها في الشارع، تجد العشرات من الرجال يتوقفون أمامها لمساعدتها، ولا ينسى الواحد من هؤلاء أن يطلب منها رقم هاتفها بعد تشغيل السيارة". ويشير إلى أنّه "لو صادف أن تعرض الرجل لمثل هذا الموقف، فسيقف لساعات، ولن يجد من يغيثه حتى لو كان في قلب الصحراء". يضيف: "لقد تعرضت شخصياً لموقف كهذا، وظللت في الطريق ما بين أبوظبي ودبي قرابة خمس ساعات". الشيء الآخر الذي من أجله يحسد مجدي المرأة عليه، هو أنّها "عندما تدخل مكاناً ما تجد الرجال يتبارون لخدمتها، ليس تقديراً منهم لكونها إمرأة، إنما لرغبتهم في التقرب إليها، وطبعاً لكل قاعدة شواذ". - جمالها يفتح لها الأبواب: في المقابل، يبدو أنّ الجمال "هو سلاح المرأة القوي" الذي يغتاظ منه أبوبكر محمد من الإمارات، ذلك أنّه يقول: "حتى لو كانت الأبواب مغلقة، فإنّها تفتح للمرأة الجميلة، والجميلة فقط، وهو ما لم يتمتع به الرجال". ويسانده في رأيه هذا أحمد برقاوي من فلسطين قائلاً: "في هذه الأيام التي يكثر فيها الحديث عن الأزمة المالية العالمية وخسارة الوظائف، نجد الأبواب مغلقة أمام الشبّان، ولكن المرأة الجميلة تفتح لها أبواب التعيينات حتى ولو كانت ضعيفة المؤهلات". هنا، يتدخل جاسم محمد من السودان (يعمل في مجال العلاقات العامة) معلقاً: "الجمال مسألة أحسد عليها المرأة، فكثيراً ما حصلت على مواقع وظيفية لا تستحقها بسبب جمالها". يضيف: "لقد عملت عن قرب مع فتاة من جنسية عربية في دبي، التحقت للعمل بشركة علاقات عامة مع أنها لا تعرف ألف باء العلاقات العامة، لكنها شديدة الجمال والجاذبية في آن واحد". يتابع: "ما هي إلا شهور قليلة، إلا وتركت العلاقات العامة، وتم تعيينها في مؤسسة حكومية براتب ضخم وبدلات وغير ذلك الكثير من الإمتيازات". - القدرة على التدبير: بدوره، يعلق عمار طه (سوداني يعمل في مجال المبيعات في دبي) قائلاً: لعلّ الشيء الوحيد الذي أحسد عليه المرأة، هو مقدرتها على التدبير والحرص أكثر من الرجل، وبشكل عام لديها حرص أكبر من الرجل". - مسنودة: "في كل الأحوال تجد المرأة مَن يُساندها ويقف إلى جانبها مهما كان موقعها الوظيفي". الكلام للمهندس نصر محمد (مصري يعمل في قطاع البترول)، حيث يقول: "المرأة تعمل مثل الرجل، وقد تحصل على مرتب أعلى منه، ومع هذا، فهي تعتمد على الزوج أو الأب أو الإبن أو الأخ في كل ما تحتاج إليه، وهو ما يزعجني وأحسدها عليه بالفعل، فهي مسنودة في كل الأوقات بحجة أنها إمرأة". - إنسانية عالية: ما تتمتع به المرأة من "درجة إنسانية عالية"، هو ما يتوقف عنده فارس كريميان (من إيران) وهو يشير إلى أنّ "المرأة من جنس مميّز عن الرجل، ولها خصوصيات كثيرة تجعل الرجل يحسدها عليها". - معفاة من الخدمة: إعفاء النساء من الخدمة العسكرية، هو من أكثر الأشياء التي يحسدهنّ عليها سامر سعد (من العراق)، يقول: "عندنا في العراق، يدخل الرجل الجيش بمجرد إنتهاء دراسته الجامعية أو المتوسطة، أو التخرج من أي مرحلة دراسية، وتضيع عليه أحلى سنوات عمره التي غالباً ما يكون في حاجة إليها لتكوين مستقبله، بينما المرأة معفاة من هذه المسؤولية، ومن مسؤوليات أخرى كثيرة، يتحمل عبئها الرجل في الدول العربية وقد يكون في الغرب أيضاً". - المرأة الرجل: أمّا أمير محمد (إماراتي)، فيتطرق إلى جانب آخر من جوانب حسد الرجال للمرأة، لافتاً إلى أنّ "المرأة التي تعمل وسط الرجال، تبدو وكأنها رجل، تحافظ على نفسها وسمعتها وتتميّز بالاحتشام". ويقول: "إمرأة كهذه أنا أحسدها في هذا الزمن، حيث لا تتكرر هذه الصورة كثيراً في مواقع العمل". إلا أن أمير يعود ليوضح كلامه قائلاً: "أنا لا أقصد بالطبع المرأة المسترجلة، إنّما المرأة المؤدبة، التي تتعامل بجدية". - جمال الحياة: يبدي عادل آل صالح (من سلطنة عمان/ يعمل في قطاع البنوك) تعجبه من كلام هؤلاء الرجال الذين "يعترفون بأنّهم يحسدون المرأة"، ويعلق قائلاً: "لماذا نحسدها وهي جمال الحياة". يتابع متنهداً: "كم هي جميلة عندما تكون ذكية ولديها أسلوبها في إمتلاك قلب الرجل". - لا حسد: بدوره، لا يجد بشار العلمي (من فلسطين) ما يحسد المرأة عليه، ويتساءل قائلاً: "لماذا نحسدها من الأساس"؟. ويجيب عن سؤاله قائلاً: "بصراحة، لا يوجد لديها ما نحسدها عليه". هذا الرأي، يؤيده أحمد كمال (مصري يعمل في قطاع التسويق)، والذي يقول: إنّ المرأة مغرورة ولا يوجد لديها ما نحسدها عليه"، لافتاً إلى أنها (المرأة) "تبدو وكأنّها تشعر أحياناً بأنّها أهم واحدة في الدنيا، وتجد الغرور يتملَّكها ولا نعرف على ماذا". - غيرة: يغرق يوسف علي (إماراتي/ موظف) في التفكير قليلاً قبل أن يقدم إجابته حول ما يحسد المرأة عليه، قبل أن يعود ليجيب بكلمة واحدة: "أغار منها"، ثمّ يعود مبتسماً. أمّا صديقه يوسف، الذي تدخل مبدياً رأيه، فقال: "أنا لا أجد لدى المرأة ما أحسدها عليه، لكني أشفق عليها لأن ثلاثة أرباع النساء سيدخلن النار". - قصة رجل: من جهته، يروي منصور المري ( إماراتي) ما قرأه في أحد المنتديات على "شبكة الإنترنيت" عن رجل حسد زوجته على أنها إمرأة، يقول: "تعب هذا الرجل من الذهاب يومياً إلى العمل، بينما تظل زوجته جالسة في البيت لا تعمل. وعند المساء، طلب من الله أن يستبدل جسده مع زوجته ليوم واحد لتعرف زوجته بماذا يشعر، فظهر له مارد ولبَّى له طلبه. وفي اليوم التالي استيقظ وقد تبدَّل جسده من رجل إلى إمرأة، فحضر الفطور، أيقَظ الأولاد، جهزهم وأوصلهم إلى المدرسة، ثمّ عاد إلى البيت وغسل الغسيل، ثمّ ذهب ليتسوق، عاد بعدها إلى البيت وكانت الساعة الواحدة ظهراً، فمسح الأرض ونفض الغبار، ذهب سريعاً إلى المدرسة ليأتي بالأولاد. بعدها، أطعم الأولاد وجلس يساعدهم في دروسهم، طوى الغسيل، كوى الملابس. وفي الساعة السادسة والنصف أخذ يحضر طعام العشاء، وبعد العشاء غسل الصحون، ونظيف المطبخ، حمم الأولاد وأخذهم للنوم، أصبحت الساعة التاسعة وعمله لم ينته". يضيف: "في صباح اليوم التالي، استيقظ من النوم وركع متضرعاً إلى ربه، حيث قال: "يا رب لم أكن أعرف حقيقة ما أفكر فيه، كنت مخطئاً عندما حسدت زوجتي وتصورت أنّ البقاء في البيت مريح أكثر، أرجوك أرجوك أعدنا كما كنّا". - قدرتها على البكاء: "قدرة المرأة على البكاء بسهولة"، من الأشياء التي يحسدها عليها فهد السويدي، الذي يوضح موقفه بالقول: "بكل تواضع، أنا أحسد المرأة على البكاء من دون موانع، في حين أنّ الرجل في مجتمعنا الشرقي يعجز عن ذرف الدموع، ليريح ما يشتعل في داخله من حروب متواصلة، لا يستطيع حتى أخذ إستراحة المحارب منها". يضيف: "الرجل يعيش وسط مشاعر وضغوط ومواجهات مستمرة مع الظروف المحيطة به. ووسط هذه الضغوط، لا يجد من يبث له شجونه، ولا من يذرف الدموع عنده". ويختم فهد كلامه الذي ذكره في أحد المنتديات على "شبكة الإنترنيت" متسائلاً: "ماذا يفعل الرجل؟ وإلى أين يتجه؟ ومَن الذي يخفف عنه؟ وما هي النهاية؟". ويجيب: "بالتأكيد سيواجه الإنفجار، وهذا ما دفعني لأحسدكن مَعشَر النساء على دموعكن، ذلك أنكنَّ تجدن من يمسحها، سواء كان أباً أو أُمّاً أو أختاً أو أخاً. أمّا نحن مَعشَر الرجال فلا نجد ما تجدنه". - موروثات إجتماعية: يفسر المتخصص الإجتماعي أيمن عبدالحميد ما جاء على ألسنة الرجال، لافتاً إلى أنّ "الإجابات التي تفضّلوا بها، تدل على أنّ الموروثات الإجتماعية، والعلاقة بين الرجل والمرأة منذ قديم الزمان، مبنية على هذه المفاهيم التي لا تعكس الواقع بشكل صحيح". يضيف: "عندما يذكر أكثر الرجال أن جمال المرأة من الأشياء التي تدفع الرجل إلى مساندتها، فهذا فهم غير واقعي لأنّ الإسلام والعادات والتقاليد تحث على مساندتها". يتابع: "هناك مركبات نقص عند بعض الرجال الذين يحسدون المرأة، فأنا شخصياً، لم أشعر يوماً ما بهذا الإحساس تجاه المرأة، فهي إنسان فاعل في مجتمعها، ومعطاء ولا تقل عن الرجل في الكفاءة والإخلاص في العمل". ويواصل عبدالحميد توضيح وجهة نظره قائلاً: "إنّ الرجل الشرقي بصفة عامة، كان ينظر إلى المرأة على أنها وعاء للإنجاب ليس إلا، ولكن الزمن تغيَّر، والزمن القادم هو زمن المرأة، فقد ارتفعت نسبة الذكاء لدى السيدات في عصر التكنولوجيا". يقول: "هناك ذكاء بيئي وآخر موروث وما قصدته تحديداً هو الذكاء البيئي". - في الغرب لا: بعد أن أطلعناه على ما قاله الرجال عن الأشياء التي يحسدون النساء عليها، ضحك إستشاري الإرشاد النفسي والصحة النفسية الدكتور جاسم المرزوقي وعلق قائلاً: "أبدأ من الذين ذكروا أنهم يحسدون المرأة لأنّ الرجل يساندها لو تعرضت لموقف صعب في الطريق وهي تقود سيارتها أو في العمل"، لافتاً إلى أنّ "هذا الأمر لا يحدث في الغرب، فلو توقفت سيارة إمرأة بسبب عطل أصابها في الطريق، لن تجد رجلاً واحداً يقف لمساعدتها، لأنّ الحياة هناك عملية، والمرأة تعمل ولديها إرتباطات والرجل كذلك، فهي تتولى شؤونها بنفسها، ولكن الأمور عند العرب مختلفة تماماً، لأن تعاليم الدين الحنيف تحث على مساعدة المرأة والطفل وكبار السن، كما أنّ الموروث الشرعي والعادات والتقاليد، كلها تحث على ذلك". يتابع: "لكن هذا لا ينفي أنّه في بعض الحالات قد يكون جمال المرأة هو الذي يدفع الرجال إلى مساندتها في المواقف الصعبة، ويجعلهم يقفون في طوابير لمساعدتها". ويشير إلى أنّ "للثقافة علاقة بهذه المواقف سواء في الشرق أم الغرب، وذلك أن لها تأثيراً مهماً جدّاً في ظهور مثل هذه النمطية الفكرية الموجودة لدى الرجال والنساء بشكل عام". ويتحدث الدكتور المرزوقي عن أمر آخر، يتعلق "بوجود بعض الأفكار والمعتقدات السائدة في المجتمعات بشكل عام، وإطلاق بعض المصطلحات على الرجال والنساء"، مشيراً إلى أنّ "الرجال معروفون بالشدة والشجاعة، والنساء معروفات بالجمال واللطف والرقة، ونستطيع أن نعطي لكل جنس مميزاته، ويقول: "كرجل، قد تكون معاييري في تنمية شخصيتي من خلال بعض الأمور التي تحقق لها الرضا عن النفس، فلو اخترت معيار الجمال فهذا يعكس شخصيتي". - إسقاط: في سياق متصل، ثمّة رؤية تحليلية من الناحية النفسية لدى مدير "المركز الدولي للإستشارات النفسية" الدكتور محمد النحاس، حيث إنّه يرى أن "ما ذكره الرجال في هذا التحقيق، يكشف عن أعماق النفس البشرية في علاقة الرجل بأُمّه، فلو سألته عن وجهة نظره في المرأة ستكون إجابته فيها إسقاط على علاقته بأُمّه، فهناك حالة من التوحد مع المحبوب والمحسود والمعتدي". ويضيف النحاس قائلاً: "لو طلبنا من الرجل أن يرسم صورة لرجل أو إمرأة في إختبارات الذكاء، سيرسم صورة لأبيه أو أُمّه، فإذا كانت أُمّه مسيطرة في التربية والتنشئة، نجد أن ذلك ينعكس على رسم صورة المرأة التي يرسمها ونجدها ذات أصابع غليظة، أما إذا كانت عادية فسيرسم صورتها بأصابع بسيطة وأحياناً من دن أصابع". وعن دور الجمال في حسد الرجال للنساء، يقول النحاس: "الشخص الذي يحسد المرأة على جمالها، يكون لأُمّه سيطرة كبيرة عليه، وبالتالي هو يسقط كل القوة في جمال المرأة، لأنّه لا يستطيع أن يجد أي قوة إلا في وجود المرأة". وفي تفسيره لقول البعض إنّ الرجال يهبون لمساعدة المرأة إذا ما تعرضت لموقف صعب، يقول النحاس: "هذا الشخص يعكس ما في داخله من رؤية كان يتمناها لنفسه، وبالتالي هو بدأ يتوحد مع المحسود". ويضيف: "أمّا من يحسدها على دموعها، فهو يحسدها على ضعفها، وكأنّه كان يتمنى أن يكون ضعيفاً مثلها، ولكن المجتمع يرفض هذه الصورة لرجل أن يكون في حالة ضعف".