التفاوض ... أسرار واستراتيجيات

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : مصطفى كريم | المصدر : islammemo.cc

 

مصطفى كريم
محمد موظف مجتهد، لم يحصل على أجازة منذ وقت بعيد، وفي يوم من الأيام يرن هاتفه ليفاجئ بسعيد وهو زميله في الكلية الذي لم يره منذ سنوات عديدة، ليخبره بموعد حفل الخريجين العاشر الذي تقيمه كليته، فشرع محمد في التخطيط لأجل ذلك: ترتيبات السفر، وملابس الحفل، والارتباطات الاجتماعية، وما إلى ذلك.
ولكن للأسف حينما أخبر مديره بموعد الحفل وأراد أن يأخذ لأجله أجازة من العمل، فوجئ بأن زميله أحمد قد طلب لتوه أجازة لمدة أسبوعين في نفس الفترة، وفي محاولة من المدير لتجنب إتخاذ القرار الصعب بشأن أي منهما يجب عليه أن يغير موعد أجازته، طلب من محمد وأحمد أن يسويا هذه المسألة بينهما؛ فماذا يمكنهما أن يفعلا؟
مفهوم التفاوض:
وبالإجابة على هذا السؤال الأخير يمكن تعريف فن التفاوض، ولكن قبل أن تجاوب دعني نرى إجابات البعض عن هذا السؤال: ماذا يتبادر إلى ذهنك حينما تسمع كلمة (التفاوض)؟
حيث ستترواح الإجابات بين البدائل التالية:
1ـ التباحث مع الطرف الآخر من أجل المساومة أو التجارة.
2ـ التغلب على العقبات لإتمام صفقة.
3ـ مناقشة الخيارات من أجل الوصول لاتفاق.
4ـ احراز تقدم نحو هدف أو غاية مشودة.
5ـ التوصل لحل مشكلة مقبولة لدى الطرفين.
6ـ معرفة ما يرغبه فيه الشخص الآخر ثم جعله يعتقد بأنك توفر له ما يريده.
7ـ الدخول في صراع للإدارات أو منافسة لاثبات أي الطرفين أكثر ذكاء وفطنة.
8ـ محاولة نيل ما تريده.
9ـ إقناع شخص ما بالتصرف كيفما تريد أو مجاراة أفكارك.
تأمل معنا في هذه التعريفات، ما هي الآراء المشتركة التي تضمنتها؟
سترى أنها تشترك في أنها جميعها تشير إلى وجود أكثر من شخص، كما أنها تشير إلى حدوث عملية تواصل بين هؤلاء الأشخاص.
ولكن ما هي الفروق الرئيسية التي تلاحظها بين هذه التعريفات؟
ستجد بعضها يركز على مفهوم التعاون، بينما يرى البعض الآخر أن التفاوض يعني المواجهة، وهذا ما لابد أن نتوقف عنده للحظات، هل التفاوض هو مباراة ملاكمة يسعى كل طرف فيها إلى الإنهاء على خصمه؟ أم هي محاولة من الطرفين إلى الوصول إلى منتصف الطريق الذي يحقق أهداف كلا الطرفين؟
عودة إلى محمد وأحمد:
أخشى أن تكون نسيت الموظف المجتهد محمد، فهو يتوق إلى تلك الأجازة ولكن ماذا سيصنع مع زميلها أحمد؟! هو أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يرتدي قفاز المواجهة؟ أو يجلس إلى مائدة التعاون؟
والفرق بين المواجهة والتعاون هو ما نريد أن نركز عليه حتى نعلم ماذا تعني كلمة التفاوض؟
فالمواجهة تشبه لعبة شد الحبال، حيث يوجد في نهاية اللعبة فائزًا واحدًا، أما التعاون فهو سفينة يركبها طرفي التفاوض ليصلا إلى بر الأمان معًا ... أكرر ... معًا، حيث لا ينظر الطرفان من وجهة نظر الفوز أو الخسارة ولكنهما ينظران إلى فوز كلا الطرفين.
بالمثال يتضح المقال:
ولنضرب لذلك مثالين نتبين من خلالها معنى المواجهة وأهمية التعاون، ففي المثال الأول حيث أجبر العاملون
 في مصنع ما الإدارة على رفع الأجور بدرجة كبيرة عن طريق التهديد بالإضراب عن العمل، فقد يكون العمال هنا قد حققوا ظاهريًا الانتصار في المفاوضات على أصحاب الشركة، ولكن ماذا سيحدث إذا لم تحقق الشركة أرباحًا كافية لتمويل هذه الزيادة في الأجور، قد يؤدي ذلك إلى تسريح العاملين، وبالتالي فهم الخاسرون في النهاية.
أما في المثال الثاني فقد تفاوضت شركتان بشكل تنافسي على كمية محدودة من المواد الخام كانت جاهزة للشحن الفوري، وكانت الخصومة والعداوة مستحكمة بينهما في مجال المبيعات لسنوات طويلة، فعرضت إحدى الشركتين سعرًا باهظًا للمواد الخام لعلمها أن الشركة الأخرى لن تستطيع دفعه، وبالتالي تمكنت من الفوز بالمواد الخام، إلا أن ارتفاع التكاليف منعها من تحقيق الربح المطلوب مما أدى إلى سوء الموقف المالي للشركة في النهاية.
ولكن في المثالين السابقين ماذا لو أن محور التركيز تحول من التنافس إلى التعاون ؟
لقد كان بإمكان العاملين والإدارة في المثال الأول أن يتوصلوا إلى حل وسط بصياغة زيادة في أجور العمال يتم ربطها بتحسن الإنتاج ورفع أرباح الشركة، فيتم بذلك تلبية حاجة العمال للمزيد من المال وحاجة الشركة للمزيد من الإنتاج والأرباح، وفي المثال الثاني كان يمكن أن يتفق الطرفان على تقسيم المواد الخام بينهما على نحو منصف يضمن استمرارها في الإنتاج.
مما سبق يتضح لنا: أن الميل لتبني الحلول الوسط هو الأساس الذي يرتكز عليه التفاوض المؤدي لفوز كلا الطرفين.
خمس كلمات فقط:
وبالعودة إلى التعريفات التسعة التي ذكرناها سابقًا لعملية التفاوض نرى أنه تركز على كلمات خمسة تمثل عناصر عملية التفاوض الناجحة وهي:
عملية ـ الاتصال ـ مقبول ـ بدائل ـ حلول.
ومن خلال هذه الكلمات يمكن أن نصل إلى تعريف عملي وواقعي للتفاوض بعيدًا عن التعريفيات اللغوية والأكاديمية الرصينة، وهو تعريف الدكتورة جوديث فيشر حين تقول أن التفاوض هو (عملية اتصال بين شخصين، أو أكثر يدرسون فيها البدائل للتوصل لحلول مقبولة لديهم، أو بلوغ أهداف مرضية لهم).
الجميع يجلسون على المائدة:
كثيرًا ما يظن البعض أن التفاوض مهارة تخصها السياسين، ربما هذا ما يغلب على أذهاننا حينما نسمع كلمة التفاوض، ولكن ما رأيك في تلك المشاهد المتكررة:
المشهد الأول:
الأم: أحمد، حان وقت النوم يا بني.
أحمد: فقط 10 دقائق يا أمي وتنتهي حلقة الكارتون الذي أحبه.
الأم: لن أعيد ما قلته لك مرة أخرى، هيَّا إلى النوم.
أحمد: أمي أرجوكي، 10 دقائق فقط.
الأم: هل سنكرر هذا السيناريو كل يوم؟ سأخبرك والدك، وربما تتعرض للعقاب.
المشهد الثاني:
الزبون: بكم هذا الثوب لو سمحت؟
البائع: 750 درهم.
الزبون: ولكن هذا السعر غالٍ جدًا، ما رأيك ب 650 درهم؟
البائع: لا يا سيدي، هذا السعر نهائي وغير قابل للتغيير.
الزبون: ولكنه غالٍ جدًا، لابد أن تخصم جزء من السعر
المشهد الثالث:
مدير المبيعات: نحتاج منك أن تورد لنا 1000 كيسًا من الأسمنت لبدء مشروع بناء الفرع الجديد للشركة، بكم ستبيع الكيس الواحد؟
المورد: 2000 درهم.
مديرالمبيعات: ولكن هذا السعر مبالغ فيه، اعتقد أننا سنشتري منك كمية كبيرة، هل لنا من تخفيض؟
المورد: إذًا 1750 ما رأيك؟
مدير المبيعات: إنها 1000 كيس يا عزيزي، وتخفض لنا 250 درهم في الكيس الواحد؟
المورد: ولكنك تعلم أنني لو خفضت أكثر من ذلك فسأخسر، فماذا عساي أن أفعل؟
المشهد الرابع:
الوزير: وزارتنا تحتاج 10 مليار درهم كميزانية للسنة المالية؟
رئيس الوزراء: ولكن هذه الميزانية لا يمكن توفيرها، لابد من التقليل منها.
الوزير: ولكن يا سيدي، هناك مجموعة من المشاريع الهامة في برنامج الوزارة لهذه السنة ولابد من تخصيص تلك الميزانية لإنجازها.
رئيس الوزراء: حاول أن تقلل من الميزانية المطلوبة حتى تصل إلى 7 مليار فقط.
أظنك أدركت الآن بيقين أن مهارة التفاوض لا يحتاجها السياسيون فحسب، بل يحتاجها المحامي، الطالب الجامعي، مدير الشركة، الأزواج، العملاء، الأصدقاء، العائلات، الدول، القادة، الأبناء الأطفال والمراهقين، الآباء، المشترين، البائعين، المرؤوسين.
وانطلاقًا من تعريفنا العملي للتفاوض فإن كل فرد في القائمة المذكورة يقوم بالتفاوض في وقت ما، ومن ثم فبإمكانك القول بكل ثقة إن كل الناس يجلسون على مائدة التفاوض.
أهم المراجع:
1.   فن إدارة الإختلافات دليل المفاوض الفعّال، د. جوديث أي فيشر.
2.   التفاوض مهارات واستراتيجيات، د.ثابت عبدالرحمن إدريس.
3.   التفاوض الفعال في الحياة والأعمال، د.صديق محمد عفيفي.

4.   المفاوض المثالي، كيفين كين