اعرض نفسك على أنواع الصبر وسد مواطن الخلل نِعْمَ المنزلة هي منزلة الصبر، ونِعْمَ الخلق هو خلق الصبر، ونِعْمَ الأهل هم أهل الصبر، فالصبر طريق الجنة، ولا يمكن أن تستقيم حياة العبد إلا به، ولا ينبغي أن يستغني عنه بأي حال من الأحوال. فلا بد له من أن يصبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، ويصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، ويصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها. وهذه الأنواع الثلاثة هي التي لا ينفك عنها الإنسان: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة. فالأولان كما يقول ابن القيم رحمه الله صبر على ما يتعلق بالكسب والثالث صبر على ما لا كسب للعبد فيه. فالقسم الأول: أن يصبر الإنسان على طاعة الله عز وجل لأن النفس بطبعها تستثقل التكاليف، فلا بد له من مجاهدتها حتى تستقيم على أمر الله. يقول الله عز وجل: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا(65)سورة مريم ، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ أي اصبر نفسك عليها وجاهدها وقم عليها خير قيام. والصبر على الطاعة له ثلاثة أحوال: أولا : قبل الطاعة بتصحيح النية وطرد شوائب الرياء. ثانيا: حال الطاعة أن لا تغفل عن الله فيها ولا تتكاسل عن أدائها وتراعي واجباتها وأركانها. ثالثا: بعد الفراغ منها بأن لا تكشف ماعملت وتعجب به وتسمع به في المجالس، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)سورة محمد. أما القسم الثاني : وهو الصبر عن محارم الله بحيث يكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه، لأن النفس بطبعها تضعف أمام الشهوات والمغريات، فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا تقع في شباكها، وهذا يحتاج إلى مجاهدة ويحتاج إلى كف النفس والهوى. يقول جل وعلا: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) سورة النازعات. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) رواه الإمام مسلم في صحيحه. أما القسم الثالث : فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة، لأن أقدار الله عز وجل كما يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله ملائمة ومؤلمة. الملائمة: تحتاج إلى الشكر والشكر من الطاعات، فالصبر عليها من النوع الأول. والمؤلمة: بحيث لا تلائم الإنسان فيبتلى في بدنه أو ولده أو ماله، لكن عليه ألا يجزع ولا يسخط بل يصبر ويحتسب حتى ينال بذلك الأجر والثواب الذي وعد الله به الصابرين بقوله عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)سورة البقرة، والصبر على البلاء يكون بتجرع مرارته من غير عبوس ولا تقطيب ولا اشمئزاز ولا كراهية. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وأن يجعلنا من الصابرين الذاكرين الشاكرين إنه ولي ذلك والقادر عليه.