أصبحت جملة تاريخية، ولم يعد لها موقع أو ذكر فى قاموس الشتائم العصرى! أيُعقل فى هذه الأيام أن ينفعل أحد وتحمر عيناه وينظر للآخر بتحدٍّ قائلاً: "احترم نفسك يا أستاذ!"؟ تذكرت أيضًا يومًا مر عليه ما يقرب من نصف القرن، حينها سمعت جدى يقول لجدتى (يرحمهما الله): "أنت أصبحت لا تطاقين!"، فردت دون تردد: "وأنت جُننت!". غادر المنزل، ولما التقيا على مائدة الغداء تصرفا بمودة وكأن شيئًا لم يكن! عشنا طفولة ترسخ لعفة اللسان والتعامل الودود، ونشأنا على احترام الآخرين وتقدير حرياتهم الشخصية.. عرفنا معنى الجيرة، وأخلاق الطريق والأسواق، وقيم العدل والحق والخير والجمال؛ كانت حياتنا مليئة بالبهجة والانطلاق فى ظل إدراك كامل للحكمة الشعبية: "ما عيب إلا العيب".. لعبت الآداب والفنون دورًا كبيرًا فى تشكيل وجداننا وتعميق ثقافتنا. مضى عصر "احترم نفسك!"، وتدهورت الألسنة تباعًا حتى أصبحت التحية مصحوبة بجرعة خفيفة من السباب!! حمدت الله، ودعوت لوالدىّ بالرحمة لحرصهما الشديد على تهذيبنا، فصمدنا أمام التغيرات السائدة، وتخلفنا –إن شئتم- عن ركب التطور السبابى! إنها حقًّا قيمة كبيرة أن يحترم المرء نفسه، والأجمل من هذا أن احترامك لنفسك أمر لا يملك أحد أن يسلبك إياه. كلام مجانين ربما، ففى ظل معاناتى من الهجمات الشرسة التى تعرضت لها عقابًا لى على استمرارى فى الجمعية التأسيسية.. توصلت إلى اكتشاف عظيم.. وهو أنك يمكن أن تفقد حب بعض الناس أو كلهم، ويمكن أن تفقد احترام بعض الناس أو كلهم.. يمكن أن يحدث هذا رغمًا عنك، سواء كنت مظلومًا أو كنت مستحقًّا لعقابهم وغضبهم.. يمكن أن يسبوك، ويمكن أن يقذفوك بالطماطم أو بالطوب.. يمكن أن يحدث هذا كله مهما بذلت من محاولات لتوضيح موقفك! للأسف ممكن، ولكنه ليس بوسع أحد أن يسلبك احترامك لنفسك، ستظل أنت وحدك صاحب الحقوق الحصرية فى احترام نفسك أو التنازل برضاك عن هذا الاحترام. لا شك أن حب الناس واحترامهم نعمة من نعم الله التى أكرمنى بها، فكانت طاقتى التى أعيش بها، وأجتهد قدر استطاعتى، وفى حدود تقديرى المتواضع للأمور والمواقف. أحترم نفسى لأنى لم أتوانَ أو أتقاعس عن أداء واجبى، ولم أتعالَ على الإنصات للآخرين والتعلم من كل مصدر قابلنى أو سعيت إليه.. ما زلت أشعر بقدر غير قليل من طاقة الحب والاحترام، ولكن شكى فى نفادهما جعلنى أفتح مخزون احترامى لنفسى، فوجدته عامرًا والحمد لله. أدعو للتسامح، وأقدر الاختلاف والتنوع.. أحترم الآراء المخالفة لرأيى، وأسعد باكتشاف أى خطأ حتى أتحول للصواب؛ إنها حصيلة تربية أُحمّل كل أب وكل أم مسؤولية أدائها بأمانة؛ عندها لن يجد أحد صعوبة فى احترام الآخرين، وتقدير نعمة الاختلاف بمودة. هل أطمع ألا تسبنى؟!! بقلم : عبد المنعم الصاوى