رغيد أيوب
"مخيف..." "لا يصدق..."، كانت هذه الكلمات يصاحبها نظرات ذهول واستغراب ممزوجة برعب هي أغلب انطباعات الأشخاص الذين خاضوا تجربة قراءة الأفكار من قبل "دايف" الذي استطاع من خلالها أن يخبرهم بأدق التفاصيل عن حياتهم الشخصية، ولكن هذه الدهشة لم تكن بسبب قدرات قارئ الأفكار الخارقة، ولكن بسبب تنبههم إلى أن هذه المعلومات الشخصية موجودة على الإنترنت على صفحاتهم في المواقع الاجتماعية والمتاحة للجميع.
فدايف ما هو إلا ممثل مشارك مع مجموعة من الهاكرز المختبئين خلفه الذين يمدونه بالمعلومات عن طريق سماعة مخفية في أذنه في إعلان تلفزيوني لصالح هيئة مالية بلجيكية تدعى "فيبلفين" هدفها من الإعلان توعية الجمهور لمخاطر مشاركة المعلومات الشخصية خصوصا المالية عبر الإنترنت.
إن هذا المثال على انتهاك الخصوصية ما هو إلا قمة جبل الجليد، فانتهاك الخصوصية من قبل الأفراد أمر قليل الحدوث نسبيا إذا قورن بحالات انتهاك الخصوصية من قبل الشركات والحكومات عن طريق سياسات العضوية والقوانين التي تضعها هذه الشركات لضمان حقها في الاستفادة من المعلومات الخاصة بالمستخدم.
وليس أدل على هذا من القضية الأخيرة التي كانت بطلتها شركة إنستاغرام الأميركية المملوكة لفيسبوك، وسعيها لتغيير سياستها بشأن حماية الخصوصية، بحيث تسمح لنفسها ببيع صور مستخدميها للمعلنين قبل أن تتراجع لاحقا إثر الضغوط الكبيرة من قبل المستخدمين والإعلام لتترك الكثير من الجدل حول هذا الموضوع الذي فتح الباب على قضية الخصوصية من جديد. فمن أعطى هذه الشركات هذا الحق لانتهاك الخصوصية؟
انتهاك الخصوصية "أنت تمنحنا ترخيصا دوليا غير حصري قابلا للنقل وللترخيص من الباطن وغير خاضعٍ لأي رسوم امتياز لاستخدام أي محتوى خاضع لحقوق الملكية الفكرية تنشره على فيسبوك أو له صلة به".
تلك كانت فقرة من فقرات كثيرة تنتهك خصوصيتنا وافقنا عليها لدى فتح حساباتنا على الموقع الشهير فيسبوك، وهي تشكل الغطاء القضائي لهذه الشركات للتعامل مع معلوماتنا الشخصية, طبعا هذه القوانين وغيرها لا يتم التنبه لها أو قراءتها من قبل شريحة كبيرة من المستخدمين، خصوصا غير الناطقين باللغة الإنجليزية، ولكن ما حاجة هذه الشركات لمعلوماتنا الشخصية؟
في اختبار أجرته جامعة ماسيتشوتس العام الماضي قام مجموعة من التلاميذ باختبار ما يقارب أربعة آلاف حساب على فيسبوك لزملاء لهم في الجامعة، واستطاعوا عن طريق المعلومات الموجودة على صفحاتهم الشخصية توقع ميول زملائهم الجنسية بنسبة نجاح وصلت 78%. وكانت المعلومات التي استعان بها هؤلاء عبارة عن أغاني زملائهم المفضلة والممثلين والممثلات, والأفلام المفضلة, والأصدقاء المرتبطين بهم ونشاطاتهم.
أما في عالم الأعمال فهذه المعلومات لا تقدر بثمن، هذا ما أثبتته شركة نيتفلكس المشهورة بتأجير الأفلام عندما قامت برصد جائزة مقدارها مليون دولار لمن يستطيع عمل لوغاريتمية لتحليل وتوقع سلوك المستأجرين تجاه الأفلام لتمكينهم من اقتراح الأفلام التي يفضلها الزائر لموقعهم, وطبعا المعلومات التي تغذي هذه اللوغاريتمية موجودة على الإنترنت.
إن المعلومات الشخصية المتوفرة على الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي تعد منجم معلومات يُمَكِّن علماء الحاسوب والإحصاء من تكوين خريطة اجتماعية خاصة للأفراد تكون جزءا من حياة هؤلاء الأفراد ويستطيع العلماء من خلالها معرفة كل شيء حول أنماط سلوكهم. ولكن لماذا لا تقوم الحكومات والدول بحماية الأفراد من هذه الممارسات غير الأخلاقية؟
الجهات الحكومية في يناير/كانون الثاني 2011 تفجرت قضية رفض موقع تويتر إعطاء معلومات خاصة لجهات حكومية حول بعض المشتركين الذين لهم صلة بقضية ويكيليكس، وقد كشفت هذه القضية أن الجهات الأمنية والحكومية تقوم هي الأخرى بانتهاك الخصوصية، ونحن نتكلم هنا عن الدول الكبرى التي تحافظ على حقوق مواطنيها.
طبعا المبرر المعروف لهذه الجهات هي الأمن القومي ومحاربة ما يصفونه بالإرهاب. وبغض النظر عمن انتصر في نهاية القضية، استطاعت تويتر -على الأقل بالإضافة لكشف هذا الأمر- أن تحصل على الحق بإخبار المشتركين لديها أنه جهات معينة طلب معلوماتهم. طبعا لا يمكننا تخيل ما تستطيع دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية عمله بهذا الكم الكبير من المعلومات حول شعوب دول بأكملها.
إن سلاحنا الوحيد كأفراد في مقابل هذا الانتهاك الصارخ على خصوصيتنا هي المعرفة والتوعية، فالأفراد يجب أن يتعرفوا هذه المواقع وقوانينها أكثر، للتصرف حسبما يرون أنه مناسب من حيث الاشتراك في هذه المواقع، أو كمية المعلومات التي يودون أن تنشر عنهم، وتوعية عائلاتهم وأصدقائهم بالحذر فيما ينشرونه عنهم خصوصا ما يصنف شخصيا أو سريا.
من المخيف أن تجلس مع شخص لديه القدرة على قراءة أفكارك، ولكن المرعب حقا أن تكون حياتك وحياة عائلتك الشخصية ملك الجميع بمجرد نقرات على الحاسوب وأنت لا تعلم, وكما جاء بنهاية الإعلان البلجيكي "حياتك الشخصية موجودة على الإنترنت, وقد تستخدم ضدك, فكن يقظا".