كيف نعلم أطفالنا الصدق والصراحة ..؟ أ / الاستاذ والبرفوسور والاخصائي الاجتماعي عمر العتيبي إنَ العملية التربوية تتطلب من المربين أن يهتموا بأطفالهم بصورة جيدة، وتعليمهم القيم الأخلاقية النبيلة، كالاستقامة، والأمانة، والتعاون، والمحبة، والتسامح، والمرونة في التعامل، والابتسامة في
مقابلة الآخرين، والصدق، والصراحة، وهذه القيمة الأخلاقية الأخيرة هي موضوع مقالنا الحالي، نظراً لأهمية الصدق والصراحة في حياة الصغار والكبار، لأن هذه القيمة وغيرها من القيم الإيجابية تخدم
المجتمع، وتحفز الطاقات للتطوير الإيجابي، وتجاوز كل معرقلات النمو والتطور، الناشئة عن القيم المشوهة من الكذب، والحسد، والنميمة، والعدوانية، والخداع، والانتهازية، وكافة الممارسات
والأخلاقيات السلبية الأخرى، وكل هذا لن يتأتى إلا بالتربية الإسلامية، والاقتداء بالهدي النبوي الكريم، والأبناء ينظرون إلى الآباء كقدوة حسنة لهم، لذا من الضرورة بمكان إثبات قيمة الصدق والصراحة
خلال الممارسة العملية، فمثلاً إذا كان الوالد يكذب على من يخالطه أمام أبنائه، فإن الأبناء لن يتعلموا الصدق والصراحة، طالما أنهم يجدون آباءهم يكذبون أمام مرآهم ومسمعهم!
فالتربية السليمة يجب أن تكون مقرونة بالممارسة الصادقة الموضوعية، ولا ننسى أنَ هناك الآن اتجاهاً تربوياً في العالم يدعو إلى تربية الآباء قبل الأبناء، وهذا يأتي كناحية هامة وضرورية لأن
تصرفات الآباء السلبية تنعكس سلباً على أخلاق وتربية أبنائهم، ولكي ننمي قيمة الصدق والصراحة علينا أن نبين من خلال التعليم، والتربية، والقصص والحكايات والأمثلة الواقعية مدى خطورة الكذب،
ولو تأملنا النصوص الشرعية لوجدناها قد رفعت من شأن الصدق، وحذرت من خطورة الكذب وبينت عقوبته، قال تعالى: يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة:119). وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب من علامات المنافقين فعن عبد اللّه بن عمرو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: « أربعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كان مُنافِقاً خالصاً، وَمَنْ كانتْ فيهِ خَصْلةٌ
مِنهنَّ كانتْ فيهِ خَصْلةٌ مِنَ النفاقِ حتى يَدَعَها: إذا ?ؤْتُّمِنَ خان، وإذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غدرَ، وإذا خاصمَ فَجَرَ».(1)
وقد قال صلى الله عليه وسلم : « إنَّ الصدقَ يَهدِي إلى البِرّ، وإن البرَّ يَهدي إلى الجنَّة، وإن الرجلَ لَيَصدُق حتى يكونَ صدِّيقاً. وإن الكذبَ يَهدِي إلى الفجور، وإن الفجورَ يَهدِي إلى النار، وإن الرجلَ لَيَكذِب حتى يُكتبَ عند اللهِ كذّاباً».(2)
وعن عبد الله بن عامر، أَنَّهُ قالَ: « دَعَتْنِي أُمِّي يَوْماً وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ في بَيْتِنا، فقالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : « وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ قالَتْ أُعْطِيهِ
تَمْراً، فقالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : « أُمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كُتِبَتْ عَلَيْكَ كَذِبَةٌ».(3) فهذا توجيه نبوي للآباء والأمهات للاتصاف بصفة الصدق في التعامل مع الأبناء، وكم نحتاج لوقفات
مع هذا اللفتة التربوية من النبي صلى الله عليه وسلم ، خصوصاً أن الكثير من الآباء يَعِدُ أبناءه بهدية ونحوها ثم لا يصدق، فيتربى الأبناء على الكذب والسلوكيات الخاطئة، التي سيجني ثمارها الآباء! ثم نحن نقول لماذا أبناؤنا يكذبون !؟
ولا ريب أن أسلوب القصة والحكاية في بيان أهمية الصدق وخطر الكذب من الأساليب المؤثرة في تعليم الأبناء وتربيتهم، ويمكن سرد قصة" الراعي الكذاب " الذي ادَعى بهجوم الذئب عليه وعلى قطيعه،
ولكن بعد أن خرج الناس في القرية من منازلهم على صراخ الراعي واستغاثته لمعرفة ماذا حدث فوجئوا بأن الراعي يكذب وليس هناك ذئب! وكرر الراعي هذه الاستغاثة الكاذبة مرة أخرى... فانقسمت
القرية على فئتين، فئة لم تخرج من منازلها ولم تبال باستغاثة الراعي بسبب كذبه في المرة الأولى، وفئة أخرى رأت أن تتبين الأمر فقد يكون الراعي صادقاً هذه المرة – المرة الثانية - ولكنهم وجدوا أن
الراعي قد كذب مرة أخرى، ولكن في المرة الثالثة هاجمه وقطيعه الذئب حقيقة إلا أنَ أحداً لم يخرج من سكان القرية، نظراً لسوابق الراعي في الادعاء الكاذب بهجوم الذئب عليه وقطيعه، إذ لم يعودوا يثقوا فيه فكان مصيره ومصير قطيعه الموت والهلاك.
إذن سرد مثل هذه القصة أمر لا يخلو من الفائدة التربوية الكبيرة، لأنها أمثلة موحية ومعبرة وتعطي للأبناء مؤشرات عواقب الكذب والكذابين، وكذلك هناك ناحية أخرى في هذا الموضوع وهو عندما يوعد
الوالد - أو توعد الوالدة – الطفل بشيئ ما.. قيمة مادية أو لعبة أو رحلة سياحية فإن على الآباء تنفيذ وعودهم، وفي حال عدم القدرة على تنفيذ هذه الوعود فإن عدم المبادرة بطرح الوعود أفضل من
طرحها، لأن الطفل يشعر – في حال عجز الآباء عن تنفيذ وعودهم – بأنه تم الكذب عليه من قبل والده أو والدته، وهذا بحد ذاته يفضي إلى سلوك أساليب مشابهة لوالديه من خلال التعامل مع أقرانه، وهذا
التصرف- سلوك الآباء- يشكل سلبية يلجأ إليها الآباء في تعاملهم مع أبنائهم. وعندما يسأل الطفل والده أو والدته عن شيء يجهله، فعلى الآباء عدم الكذب عليهم أو إعطاء أجوبة
خاطئة أو غير مقنعة، وإنما يجب التعامل بحسب مرحلة الطفل العمرية، فإن كان صغيراً يسأل أسئلة تفوق مستواه المعرفي، فإنَ على الآباء التعامل بحذر وحساسية شديدة بإعطاء أجوبة مختصرة
وموحية بحيث لا يشعر الطفل أن والده أو والدته يلجآن إلى الكذب أو التحريف في أجوبتهما. ولابد للآباء من الحوار الهادئ مع الطفل وإشعاره أنه شخص ذو قيمة، وعدم التهرب من الأسئلة
المحرجة، وإعطاء أجوبة تناسب مرحلته العمرية،ومحاولة إخراجه من المنزل إلى زيارات تعريفية على معالم المدينة، حتى يستطيع اكتساب المعلومات بنفسه والاستفسار عن ما يستصعب فهمه واستيعابه.
وختاماً فالصدق والصراحة قيمة أخلاقية نبيلة، يجب على الآباء والمدرسين وكل المشاركين في العملية التربوية أن يغرسوها في أفئدة وعقول أبنائهم،لأن قيمة الصدق والصراحة هي الوسيلة الرئيسية للولوج إلى حديقة المعرفة والثقافة والتنمية والتطور والرقي الحضاري، وحتى نبني جيلاً صادقاً قوياً صالحا.