في مداخلة له على قناة الحكمة صرح فضيلة العلامة الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله: الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذه القناة المباركة إنّما انطلقت يوم انطلقت بعد أحداث الدانمارك والتي لا أظن أنّ أحدًا ينساها حتى الآن، ولأنّ كان الشتم جاءنا من خصومنا فهذا شيء متوقع، لكن أن يأتي الخبثُ ويأتي الزغلُ من داخل صفوفنا فهذه هي المشكلة الكبيرة. إنّ الذي سمعته بالأمس عن هذا الكتاب الفاضح الذي يتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لهو المصيبة العظيمة والداهية الدهياء والفاقرة الكبيرة، الذين يتساءلون دائمًا لماذا ضُرِبَ الضنكُ علينا؟ أقول: ضُرِبَ الضنكُ علينا بوجودِ أمثالِ هؤلاء بيننا ليس لهم رادعٌ شرعي ولم نجد أحداً يعني إقتصَ من هؤلاء حتى يرتدع الآخرون. أنا لا أنسى يوم كتب مجرمٌ سابق أسوء عشر شخصيات في الإسلام على رأس هذه الشخصيات عائشة رضى الله عنها، وعلمنا من الجرائد أنّ شيخ الأزهر رفع قضيةً على هذا المجرم ثم إختفت المسألة إختفاءً نهائيًا، ولازلت أتحسس المسألة حتى بلغني ـ وأرجو أن يكون الخبر كاذبًا ـ أنّ هذا المجرم الصحفي المجرم قطع الله يده ويد أمثاله عمل مصالحة مع شيخ الأزهر وانتهت المسألة بالإعتذار. أنا أقول: المسألة هذه لا يملكها لا شيخ الأزهر ولا من هو أعلى من شيخ الأزهر، هذه المسألة عِرض الصحابة فضلاً عن عِرض النبى صلى الله عليه وسلم لا يملكه أي أحدٍ كائنًا من كان. إنّ المذهب الذي عليه جماهير أهل العلم أنّ من سبّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو استهزء به، أو قال كلاماً ينال من مقامه الكريم فإنّ حدّه القتل ولو تاب. هذا هو المذهب الذي عليه جماهير أهل العلم، وطبعاً بداهةً الذي يُباشر قتله هو ولي الأمر وليس آحادُ النّاس ولكن حدّه القتل حتى لو تاب. الذي يسبّ الله سبحانه وتعالى أو يستهزء به إن أظهر التوبة قُبِل منه، لكن الذي يَسُبّ النبي صلى الله عليه وسلم وإن أظهر التوبةَ لا تُقبلَ منه ويُقتل. وطبعا ربّما يتعجب بعض المستمعين من هذا فيقولون: كيف تُقبل توبةُ من سب الله عز وجل ولا تُقبل توبةُ من سب النبي صلى الله عليه وسلم؟ أقول: إنّ الأمر واضحٌ عند أهل العلم، أنّ الله عز وجل لا تلحقه مَعَرَةُ السبِّ ولو سبّهُ بنو آدم جميعاً لأنّ له الأسماء الحسنى والصفات العلى. أمّا بنو آدم فتلحقهم معرةُ السبّ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف فإنّه آذى الله ورسوله»، وأمر بقتلِ أبي رافع، ولما شبب الشاعر عمر بن أبي عزة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبنساء المؤمنين، طلبه، فظفر به، فاعتذر إليه وقال: كنّ خَيرَ آَخِذ ولا أعود فعفا عنه، فلما رجع مرة آخرى وفعل هذا ظفر به النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر إليه وشددّ في أنّه لن يعود، فلما عاد الثالثة ليؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطلبه، فقال: كُنّ خَيرَ آَخِذ، قال: لا لا أدعُك تمشى في طرقات مكة وتقول خدعت محمداً مرتين، «لا يُلدغُ المؤمن من جحرٍ مرتين» وأمر به فقُتِل. فمعرةُ السبّ تعودُ على بني آدم، أمّا معرةُ سبَّ الله عز وجل فإنّ الله عز وجل لا يلحقه شيء من ذلك، ولذلك نقل شيخ الإسلام ـ رحمة الله عليه ـ فى كتاب (الصارم المسلول على شاتم الرسول) نقل مذاهب أهل العلم من كتبهم، هؤلاء الذين يسُّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسُّبون أعراض أصحابه كثروا في ديار المسلمين وشتمهم متنوع. يوم الأربعاء الماضي جريدةٌ من الجرائد نشرت صفحةً كاملة لرجلٍ مخبول، ـ العجيب في المسألة أنّ كلَّ من يريد أن يتكلم يتكلم ولا رادعَ له ـ يذكر أنّ صحيح البخاري فيه عشرات الأحاديث المكذوبة ويذكر أنّ البخاري يطعن على النبى صلى الله عليه وسلم إلى آخر هذه المسائل التي لازلنا نسمعها ونراها في ديارِ المسلمين. أنا أتكلم في منتهى الصراحةَ والوضوح، أين دور المؤسسة الرسمية في هذه المسألة؟ المؤسسة الرسمية المتمثلة في الأزهر أين دورها؟ نحن ما سمعنا لها حسًا ولا خبرًا. يعني تأتي المصائب تتلاحق وتتلاحق وتتواتر كأمواج البحر ومع ذلك هذه المؤسسة غائبة، أنا لا أدري أين هي؟ وما هو الدور الحقيقي الذي ينبغي أن تقوم به؟ أنا لا أنسى في معرض الكتاب الدولي في القاهرة منذ عدة سنوات وعلى مرأى ومسمع من العشرات عُرِضَ على مسئولٍ كبير ـ هو أفضى إلى ما قدم ـ وصار الآن بين يدي ربّه تبارك وتعالى، وكان مسئولاً كبيراً عن الكتب في معرض الكتاب الدولي وكان فيه كتاب يشتم الرسول عليه الصلاة والسلام فلما قال له بعض النّاس: هذا كتاب يسُّب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا مصادرةَ لأي كتابٍ إلاّ بمرسومٍ قضائي!!!". ياسبحان الله، مرسومٌ قضائي! يعني يُسَّب النبي صلى الله عليه وسلم سبًّا صريحًا في كتاب يُنشر ويُباع في المعرض ثم يُقال: "لا مصادرة لأي كتابٍ إلاّ بإذنٍ قضائي". لا.. إنّ منصب النبي صلى الله عليه وسلم بيننا لا يُوضع في مقابله شيء، لا أرض ولا عِرض، كل هذا يهونُ بجانب عِرضهِ. لو أُخِذت أرض المسلمين من تحت أقدامهم شبرًا شبرًا حتى لم يبق بيدهم سنتيمتر واحد على الأرض لكان أخف من سب النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم عينٍ تطرف. إنّ الله تبارك وتعالى لم يُسلِم رسوله صلى الله عليه وسلم في مسألةٍ جزئية وهي مسألة المغافير التي نعرفها جميعًا، والتي نزلت سورة التحريم بسببها {يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [سورة التحريم: من الآية 1]، لما في قصة المغافير المشهورة أنّ عائشة وحفصة رضي الله عنهما تمالآتا على النبي صلى الله عليه وسلم، فحرّم النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأكلة على نفسه وفاءً لزوجاته. فعاتبه الله في ذلك، ثم قال لعائشة وحفصة كلاماً عربياً مُبِيِنَاً واضحاً فى قصةِ المغافير، قال: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [سورة التحريم: 4] أي: لو آذيتموه أقل أذىٍ يُذكر حتى لو كان في قضيةِ مغافير، فإنّ الله لن يُسلِمَهُ لكم، بل هو تبارك وتعالى وكفى به ناصراً وجبريل وصالح المؤمنين يُظاهرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه القضية الجزئية. فكيف لو كان الأمر سبًّا له صريحاً وسبًّا لزوجاته لاسيما عائشة رضي الله عنها وطعناً على النبي صلى الله عليه وسلم في أنّه لم يتزوج على خديجة خشيةَ أن يفقد مالها وقد كانت تنفِقُ عليه، سبحان الله.. أيُكتب هذا الكلام ويُنشر في ديار المسلمين ثم يُقال في الغلاءِ الطاحن، ويُقال فى الضنك المضروب {أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة آل عمران: من الآية 165]. وللهِ در حسان بن ثابت لمّا كان يقول كلاما هو أشد من رشق النبل في قريش فقال لأبي سفيانَ ومن معه: هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه وعند اللهِ فى ذلك الجزاءُ هجوتَ محمداً برًّا تقياً رسولَ اللهِ شيمته الوفاءُ فإنّ أبي ووالده وعِرضي لعرضِ محمدٍ منكم وِقاءُ وأقول كما قال أبو نصرمدَ رضي الله عنه في أبياتٍ كان بن عباسٍ يزوره فيها ليتعلمه قال: نُعادي الذي عادى النّاس كلهم بحقٍ ولو كان الحبيب الموافىَ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «والذي نفسي بيده ليأتين على أحدكم يومٌ لأن يراني ثم لأن يراني أحبُ إليه من أهلهِ وماله معهم». وفى لفظ مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أشد أُمّتي لي حباً ناسٌ يكونون بعدي يودُّ أحدهم لو رآني بأهلهِ وماله». وأُشهدُ الله تبارك وتعالى أصالةً عن نفسي أنّني واحدٌ من هؤلاء الذين لو بذلتُ مالي وأهلي لأرى صفحة وجههِ صلى الله عليه وسلم لما كان كثيراً. إنّنا نقول: أنّنا سنقف على الرَصَد وسنقاتل هؤلاء إلى آخر رمقٍ في أنفسنا وآخر قطرةٍ من دماءنا، نحن على الحدودِ واقفون وسنطاردهم بالمنقول والمعقول حتى يأتي أمرُ الله عز وجل، وإنّ الله تبارك وتعالى ناصرٌ جندهُ وهو ولينا وحسبنا ونعم الوكيل. وأعتذر لكم عن حرارة الأنفاس، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإيّاكم من جنده الغالبين وحزبه المفلحين إنّه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.