انهزام داخلي.. داء ودواء!

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : أميمة بنت أحمد الجلاهمة | المصدر : www.islamway.com

أدري ما الذي سيخلّفه هذا الانهزام الداخلي الذي يحاول بعضنا تمكينه في نفوس الشبيبة، ولا أدري هل سيترك خلفه توجّهاً سلبي المنحى، أم سيقع منا موقع التحفيز، فنبرع كما لو لم يبرع غيرنا؟!

 

لقد تحدّث الغرب بعظيم التقدير عن إنجازات حاول بعضنا تهميشها.. إنجازات حضارة استمدت قوتها من كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، بالتالي لم يكن من الممكن أن أتغاضى عن تلك المحاولات التي تعمل على النيل منها، مهاترات تكرر ظهورها بشكل مقزز عبر إعلامنا على اختلاف قنواته، وقد اخترت وضع دفة الحديث بين يدي الإنسان الغربي لعل شهادته في حق هذه الحضارة الموسوعية والعالمية تكون أوقع للمصابين بانهزام داخلي، لعل ذلك الإنسان يحدثهم بما لا يعلمون!

 

قال الدكتور (فيليب حتي): "خلال القسم الأول من القرون الوسطى لم يساهم شعب من شعوب الأرض بقدر ما ساهم به المسلمون في التقدم البشري، وظلت اللغة العربية هي لغة العلوم والآداب والتقدم الفكري لمدة قرون في جميع أنحاء العالم المتمدن آنذاك، وكان من آثارها أيضا أنه فيما بين القرنين التاسع والثاني عشر الميلاديين - الثالث والسادس الهجريين - فاق ما كتب بالعربية عن الطب والتاريخ والإلهيات والفلك والجغرافيا كل ما كتب بأي لسان آخر".

 

أما العلاّمة (جورج سارتون-1884-1995م) فقد قال: "إن شرّاح الثقافة الغربية كثيراً ما يهملون ما قام به الهنود والصينيون من تطوير للرياضيات، ولكن إهمال ما استحدثه العرب المسلمون من تطوير في هذا الجانب من شأنه أن يفسد مفاهيم كاملة ويجعلها غامضة. لقد كانت اللغة العربية هي لغة الرياضيات بما لم تبلغه أي لغة - سوى الإغريقية - ولن تبلغها أي لغة أخرى".

 

كان طبيعيا أن يذهب علامة كجورج سارتون إلى هذا وهو يدرك تماما أن المسلمين هم من أوجدوا علم الجبر على يد العلامة المسلم محمد بن موسى الخوارزمي، وعن طريق مؤلفاته أدخلت الأعداد العربية إلى أوروبا بما فيها الأعداد التي ما زال الغربيون يتعاملون بخطها.. أما الصفر الذي كان لوجوده ثورة في علم الرياضيات، فلا أحد ينكر أنه نتاج للحضارة الإسلامية.

 

كما قال البروفيسور جورج سارتون عن الحضارة الإسلامية: "إن القدرة على إبداع حضارة عالمية وموسوعية بهذا الحجم، في أقل من قرنين من الزمان أمر يمكن وصفه ولكن لا سبيل إلى تفسيره تفسيراً كاملا".

 

كما تحدث البروفيسور سارتون أيضا عن تفوّق مدارس الطب في عهد الحضارة الإسلامية فقال: "إن مدارس الطب في العالم الإسلامي أنشئت في العصر العباسي، وكانت تلك المدارس تنتهج المنهاج النظري ثم العملي".

 

وهو النظام الذي ما زال معتمداً من قبل أعظم الجامعات العالمية، بل إن التاريخ المدوّن من قبل الغرب يؤكد أن المدارس الطبية في الأندلس كانت الوحيدة في أوروبا التي تخرّج أطباء مؤهّلين في الجراحة. بل إنهم يؤكدون أن الطب الأوروبي الحديث مستنبط من بدايته من الطب العربي الإسلامي، وأنهم أول من أنشأ صيدلية عرفها التاريخ. لقد كانت العقاقير الإسلامية ترسل للشرق كما للغرب، فوصلت شرقاً إلى بلاد الهند والصين، كما وصلت إلى أوروبا عبر البندقية، التي ازدهرت في القرون الوسطى تجارياً بسبب تجارتها في العقاقير الإسلامية.

 

 

كما ذكرت (زيغريد هونكة): "قبل 600 عام، كان لكلية الطب الباريسية أصغر مكتبة في العالم، إذ لم تكن تحتوي إلا على كتاب واحد كان للطبيب المسلم أبي بكر الرازي، وكان هذا الأثر العظيم ذا قيمة كبيرة بدليل أن ملك الفرنجة لويس الحادي عشر اضطر إلى دفع مبالغ طائلة لقاء استعارة هذا الكنز الغالي رغبة منه في أن ينسخ له أطباؤه نسخة منه، يرجعون إليها إذا ما هدد مرض أو داء صحته أو صحة عائلته.

 

(زيغريد هونكة ) في كتابها (شمس الله تستطع على الغرب) قالت: "اهتم العرب بالجراحة، فقاموا بعمليات جراحية كثيرة في البطن، كما نجحوا في شق القصبة الهوائية ووقف نزيف الدم بربط الشرايين الكبيرة، وهذا الإنجاز العلمي الكبير ادّعى تحقيقه الفرنسي (امبراواز باري) عام 1552م، في حين أن الطبيب المسلم أبا القاسم الزهراوي في قرطبة والذي توفي عام 1013م قد اكتشفه قبله بستمائة سنة، وذكره في مؤلفه (التصريف لمن عجز عن التأليف) أي قبل (باري) بستة قرون.

 

لقد تملّك العجب ملك الفرنجة شارلمان وحاشيته من رؤيتهم الساعة التي كانت ضمن هدايا هارون الرشيد رداً على الهدايا التي وصلت له مع وفد جاء من قبل شارلمان، والهادفة لتوثيق العلاقات بين الدولة الإسلامية وفرنسا، لقد اعتقد الملك شارلمان وحاشيته أن هذه الساعة سحر، فقد كانت تدق كل ساعة بسقوط كراتها النحاسية على قرص معدني. مهارات المسلمين الميكانيكية كانت سحراً عند هؤلاء!"

 

 

يؤكد ويل ديورانت: "أن ابن سيناء أعظم من كتب في الطب في العصور الوسطى، وأن الرازي أعظم أطبائها، والبيروني أعظم الفلكيين فيها، والإدريسي أعظم الجغرافيين فيها، وابن الهيثم أعظم علماء البصريات، وجابر بن حيان أعظم الكيميائيين فيها، وأن العلوم العربية نمت في علم الكيمياء بالطريقة التجريبية العملية، وهي أهم أدوات العقل الحديث، وأعظم مفاخره"، بل أكد ديورانت أن روجر بيكن الذي أعلن هذه الطريقة في أوروبا، اكتشفها جابر بن حيان قبله بخمسمائة عام -خمسة قرون-.

 

ولأن الهندسة من أبرز ظواهر الحضارة الإنسانية، لذا سأذكر هنا هذه القصة:

عندما سمع الإمبراطور الروماني (آليون) أن المسلمين قد بنوا مسجدا في دمشق، اعتبر أكبر معجزة في عصره لم يصدق ذلك، فشكّل بعثة من المهندسين والمعماريين الرومان، وقال لهم: إن المسلمين قد غلبونا في حروب البر.. ثم غلبونا في حروب البحر، ولكن أن يستطيع رعاة الغنم وسكان الخيام أن يغلبونا في فن العمارة فهذا لا أصدقه أبدًا! فاذهبوا إلى دمشق وزوروا المسجد الأموي وأخبروني بحقيقة الأمر.

 

وتقول القصة إن المعماريين الرومان عندما شاهدوا الرسوم التي وضعها المسلمون للمسجد لم يصدّقوا أنه بالإمكان تنفيذها، إلا أن الذهول كان نصيبهم عندما زاروا المسجد، ووقفوا على روعة الفن والعمارة الإسلامية، بل إن رئيس المعماريين الرومان شهق شهقة عالية أمام هذا الإبداع الإنساني".

 

 

وكل ما آمله من المعدّين والقائمين على المقابلات الحوارية، هو القيام بواجباتهم على أكمل وجه؛ فالثقافة المتعلقة بعظم الحضارة الإسلامية متوفرة بشكل كبير، ولا يستغرق الإلمام بها إلا عدة أيام! فمن المهم للمحاور ليكون مقنعاً أن يكون ملمّاً بموضوع الحوار.

 

فمع الأسف تبيّن من خلال بعض البرامج الحوارية، أن القائمين عليها لا يبذلون الجهد الكافي لذلك، فالرغبة والغيرة على الحضارة الإسلامية لا تكفي لإقامة الحجة على من يدعي معرفة أسرار الكون، على من بهرته القشور، فأصبح يغرّد على آثارها.

 

الحضارة الأوروبية والأمريكية لا يمكن لعاقل أن ينكرها إذا ما قورنت بمعطيات عصرها، ولكنه من غير المستبعد أن تقدم لنا الحضارة اليابانية أو الصينية أو الهندية، بل والإسلامية ما يفوقها تقدما وتطورا في المستقبل القريب. وعليه فمن الإجحاف إنكار الحضارة المعاصرة وتقليص معطياتها مقارنة بما سيستحدث من غيرها مستقبلاً، فهي في عصرها الحالي متميزة، ولكنها ليست فريدة وموسوعية وعالمية كحال الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى، فهي بشهادة علماء الغرب، ظهرت وتربعت وبقيت متفردة خلال ستة قرون.

 

لا أدري ما الذي سيخلّفه هذا الانهزام الداخلي الذي يحاول بعضنا تمكينه في نفوس الشبيبة، ولا أدري هل سيترك خلفه توجهاً سلبي المنحى، أم سيقع منا موقع التحفيز فنبرع كما لو لم يبرع غيرنا.

 

إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.