الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين أما بعد: عقب أزمة نشر الرسوم المسيئة والساخرة بمقام نبينا صلى الله عليه وسلم، كان التعاطي معها متفاوتاً. خلال الآونة الأخيرة تزايدت الدعوات للحوار، وحتى لا يساء الفهم، فإن الحوار هو المسلك الأول والأعظم مصداقاً لأمر الله عز وجل { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } لكن رفع شعار الحوار اليوم بحجة أن من نشر هذه الرسومات إنما أقدم عليها لتمام جهله بمقام هذا النبي الكريم، ولو كان يعلم ذلك لما أقدم عليه؛ هذا التعميم البريء يتصادم مع العقل والنقل لا سيما في هذه المسألة بالتحديد. أما من جهة النقل: فإن القرآن بإبرازه لحقيقة المعاندة من قبل المشركين يردّ المزاعم -الصادرة بحسن نية- والتي تريد امتصاص النقمة ومحاصرة المشكلة. لكن هذا الأسلوب السطحي غير المعمّق ولا المؤصّل قد يعقد المشكلة ولا يحلها؛ وإليك إطلالات قرآنية تسلط الضوء على هذه المشكلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 1- يقول الله عز وجل { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ } [البقرة:146].. سبحان الله! ما أدلّ هذه الآية الكريمة على مسألة نحاول إخفاءها؛ ظناً أنها ستطفئ نار صراع الحضارات. ليس كل معاند أو كافر برسول الله صلى الله عليه وسلم دافعه لذلك الجهل، بل إن الله وصف هؤلاء بأنهم يعرفون النبي كما يعرفون أبناءهم، ولا شك أن هذا الأسلوب غاية في البيان لتمام معرفة الوالد بولده بكل مراحل حياته أكثر من معرفة الابن بأبيه بما لا يخفى ولا يسع المقام لبيانه. 2- الجحود والاستهزاء ليس دائماً ينتج عن الجهل بل هناك الإباء والاستكبار { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى } [طه:116]، { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ } [النمل:14]. 3- هل يوجد أحد يعرف النبي أكثر من عمه أبي لهب؟! ومع ذلك كان يحارب دعوته ويحذر الناس منه، بل قال له أمام الملأ "تبت يداك"، فأنزل الله في القرآن سورة تتلى إلى قيام الساعة { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد:1]. إذاً، إذا أردنا أن نحلل قضية لعلاجها، لا يجوز أن نغفل عن نظرة القرآن والسنة. ألم يكن المشركون يلقّبون الرسول بالصادق الأمين؟ ومع ذلك كذّبوه في دعوته. فعلينا إذاً أن لا نستبعد من احتمالاتنا هذا الأمر. ويصدق هذا واقعاً عملياً "من جهة العقل" الذين أقدموا على هذه الجريمة وتاريخهم، ودوافعهم، والمواقف المشابهة لذلك، ومواقفهم السيئة رغم كل الاحتجاجات والضغوطات. كل هذا يكذب ادعاءهم أنهم أقدموا على ذلك عن غير قصد ولا معرفة. * فقد عرض عليهم عام 2003 رسومات ساخرة بعيسى عليه السلام، فلم ينشروها وعللوا ذلك بأن نشرها مسيء. * نشروا الرسومات عن سابق إصرار وترصّد وتعمّد، يدل على ذلك ظروف النشر ووقته وأسلوبه وطريقته وما واكب ذلك من تخطيط كبير وتشاور فيما بينهم. وأعظم ذلك المقال الذي صاحب نشر الرسومات، وفيه التصريح بأن الاستهزاء بمقام نبينا صلى الله عليه وسلم مقصود، وأنه علينا أن نقبل ذلك مهما كان قاسياً علينا. * علينا أن لا ننسى كلام خبير دانمركي في تاريخ الديانات أنه قد طلب منه المشورة قبل نشر الرسومات، فبيّن لهم أن نشرها سوف يحدث انتفاضة، ومع ذلك أصّروا. أيعقل بعد ذلك أن نعاملهم ببساطة لا متناهية، نسدي لهم خدمة لإخراجهم من مأزقهم دون تحقيق أي مكتسب، ونقول لهم أنتم لا تعرفون ولذلك أقدمتم على هذا النشر. * لو تأمّلنا إصرارهم وعنادهم على مواقفهم رغم كل الضغوطات التي حملتهم على الكذب ليخرجوا من أزمتهم. كل ذلك ليس لأن هناك تعارضاً بين قيمتين "حرية الرأي" و"احترام التدين". بل لأن مفهوم حرية الرأي عندهم لا يعني إلا ازدراء الدين تحقيقاً لعلمانية مطلقة وإقصاء للدين عن مسرح الحياة. لذلك أنا أهيب بعالمنا الإسلامي بكل رجالاته ومفكريه وعلمائه وإعلامييه أن يتنبهوا لخطورة الموقف، فإن الذين أقدموا على هذا العمل الشنيع ومن وراءهم متعنّتون وما دعوتهم للحوار إلا ظناً منهم أن ذلك سيطوق المشكلة. وأرى أن محاورة الشعب على أهميته إلا أنه ليس حلاً للمشكلة نفسها. فنحن مسلمو الدانمرك أعلم بواقع البلد من الدعاة العظام في بلادنا الإسلامية، وإن كنا لا نبرئ أنفسنا من التقصير إلا أننا عملنا وما زلنا وسنعمل دائماً لنوصل فكرنا وإبلاغ الدعوة. لكن المشكلة ليست هنا بل هي عند مجموعة لها أجندة معينة تسعى لها فعلينا أن نطوقهم باكتساب أصدقاء لنا لا أن نبالغ في نقد الذات لمستوى يشعر بتبرير عمل الغير، لأن المؤشرات كلها تدل على أن الجريدة لها علاقات وطيدة مع اليمين المحافظ الأمريكي. فأرجو أن يتنبه علماءنا الكرام والدعاة الأفاضل، وأرجو أن يظهر في خطاباتهم وخططهم، وإن كان معلوماً لديهم لكن إظهاره يدل على وضوح الرؤية ويطمئن المسلمين إلى جدوى هذا العمل. وهنا لا بد من التنبيه أنه لمصلحة القضية وليحافظ رد الفعل على مستواه، ولتتواصل بل تتكامل الجهود نرجو التنسيق الكامل مع مسلمي الدانمرك المتابعين للقضية من كل جوانبها وظروفها وملابساتها، لنحقق أمر الله عز وجل { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة:2]، فنحن هنا خير سفير لكم ولما قدمنا إلى عالمنا الإسلامي لنطلعه، بل لنشركه بعملية الإنكار -بل الإصلاح- وما زلنا عند هذه الرغبة، بل الوضع يستدعي تدخل سريعاً، إلا أننا نحب من عالمنا الإسلامي أن يبادلنا نفس المشاعر ونفس العمل، فيكون عمله وطرحه في الدانمرك عبرنا ومن خلالنا، وبالتنسيق الكامل فيما بيننا، لعلمنا أن الإعلام الذي أقدم على هذا العمل لا يتورّع عن شيء، وقد لمسنا لمس اليد التحايل وعدم المهنية، وللأسف يوجد في عالمنا الإسلامي من يسوّق لمثل هذه الحيل والألاعيب بحسن نية أو بغيرها. ونحن لأننا في قلب الحدث أولى الناس بعكس الواقع ونقل الصورة، وبذلك تتضافر الجهود وتتوحد المواقف، وتتناغم الرؤى وتثمر الخطوات. ختاماً: نحن كنا وما زلنا وسنبقى مع الحوار ولكن ما نخشاه أن يستخدم الحوار ليجهض هذه الهبة العارمة، ونخرج بعد كل هذه الانتفاضة الكبرى العارمة ولم نحقق شيئاً، وعلينا أن نستذكر جميعاً أن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، فإلى مزيد من التعاون والتنسيق.