أم عبد الرحمن محمد يوسف
ما هي أزمة منتصف العمر؟
يمكننا أن نعرف أزمة منتصف العمر على أنها "ظاهرة طبيعية تنتشر لدى الذكور ولكن يختلف توقيت حدوثها من فرد إلى آخر.. وينتاب هذه المرحلة العمرية التغير وعدم الاستقرار.. وهي مرحلة البحث عن الهوية، إذ يتعرض الرجل فيها الى مراجعة دقيقة عن انجازاته، وتقييم عام لخطوات حياته.. وتعتبر أزمة منتصف العمر مرحلة معاناة شخصية في مختلف جوانب حياة الانسان، وسوء توافق الفرد مع التغيرات البيولوجيةو الشخصية والمهنية يجعل المجال مفتوحا ـ بالنسبة للبعض على الأقل ـ لتراكم المشكلات والصعوبات والإخفاقات، وبالتالي تقدير المرء المنخفض لذاته, ومن ثم تعرضه لهذه الأزمة [أزمة منتصف العمر – دراسة مقارنةعبر مرحلة الرشد د/ مايسة أحمد النيال ص 11 -14 باختصار].
أزمة وليست مرض :
وأزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضًا، ولكن مضاعفاتها يمكن أن تكون مرضًا كالقلق والاكتئاب والأعرض النفسجسمية.
متى تحدث؟
وهذه الأزمة تحدث تقريبًا بين الأربعين والخمسين من العمر، وقد تحدث قبل ذلك أو بعد ذلك في بعض الرجال، فوقتها ليس محدد تمامًا، وفي هذه الأزمة يقف الرجل ويجري عملية محاسبة لنفسه عن ماضيه وحاضره ومستقبله، وقد تبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل، فهو غير راض عما تحقق فيها، ويشعر أنه فشل فشلًا ذريعًا في تحقيق أحلامه على كل المستويات وأنه كان يجري وراء سراب، وبحسابات الحاضر هو أيضًا خاسر، لأنه ضيع عمره هباءًا ولم يعد يملك شيئًا ذا قيمة فقد أنهكت قواه وذهب شبابه وضحى بفرص كثيرة من أجل استقرار أسرته، ومع هذا لا يقدر أحد تضحياته، ولذلك يشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميه.
حتى المبادئ والقيم التي عاش يعلي من قيمتها أصبحت تبدو الآن شيئًا باهتًا، فلم يعد يرى لها نفس القيمة، ولم يعد متحمسًا لشيء ولا مهتمًا بأي شيء ذي قيمة في المستقبل فقد خارت قواه وانطفأ حماسه واكتشف أن الناس لا يستحقون التضحية من أجلهم، وأن المبادئ التي عاش لها لم يعد لها قيمة في هذه الحياة، وأن رفاق الطريق قد تغيروا وأصبحوا يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم بأي شكل وتخلوا عن كل مبادئهم وشعاراتهم التي رفعوها إبان فترة شبابهم، ولم يعد يخفف عنه آلام هذه المشاعر غير الوقوف بخشوع في الصلاة وقراءة القرآن.
أحيانًا يشعر الرجل أنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته، ولكن ذلك يستلزم الابتعاد عن الزوجة والأولاد والتحرر من قيودهم، وبالفعل يبدأ يتغيب كثيرًا عن المنزل ويرتبط بمجموعة من الأصدقاء الجدد الأصغر سنًا فتحوا أمامه أبوابًا متعددة للمتعة وقضاء الأوقات، وقد أحس معهم أن شبابه قد عاد، وبدأ يهتم بنفسه، ويبالغ في ذلك الاهتمام حتى اتهمته زوجته في يوم من الأيام بأنه متصابي.
نعم هو يشعر أنه يعود مراهقًا من جديد، ويفرح أحيانًا بهذا الشعور، ولكنه يفزع حين يشعر أن الأمر ربما يخرج عن سيطرته، فقد أصبح ضعيفًا أمام الجنس الآخر أكثر من ذي قبل وأصبح يتمنى أشياءًا لا تناسب سنه، إنه يشعر أنه ظمآن وضعيف أمام أي قطرة ماء تلوح له في الأفق خاصة وأن الساقي الأصلي (الزوجة) أصبحت تضن عليه بقطرة الود والحنان، وأحيانًا يشعر بالاشمئزاز من نفسه فيهمل مظهره ويفضل العزلة بعيدًا عن الناس ويفقد الاهتمام بكل ما حوله.
وفي لحظات أخرى يميل إلى الزهد في الحياة فيقبل على الصلاة والصيام وقراءة القرآن فيستعيد صفاءه وتوازنه من جديد ويرضى بما قسمه الله له، ويعترف بأنه فقد أشياءًا كثيرة كرجل شاب ولكنه اكتسب أشياء أخرى كأب وكقيادي في عمله.
ثم تدور الأيام دورتها ويفكر مرة أخرى في اللحاق بالفرص الأخيرة للحياة قبل أن يغادره شبابه وتألقه ووسامته ويلقي في غياهب النسيان والإهمال، فيفكر في الزواج من فتاة صغيرة تعيد إليه شبابه ويبدأ معها حياة جديدة، ولكنه يعود فيتذكر أبناءه وبناته وما ينتظرهم من معاناة حين تتهدم الأسرة بسببه.
ولكن ما هي أسباب الأزمة؟
هناك مسببات لهذه الأزمة في حياة الرجل منها
1. عدم الشعور بالرضا عن الحياة الزوجية :
وفيها المحاور الآتية :
ـ زوجتي لم تعد تفهمني
ـ علاقتي بزوجتي يسودها التوتر والقلق حاليا
ـ أشعر ان اختياري لزوجتي لم يكن حكيما
ـ غير راضي عن حياتي الزوجية في هذه المرحلة من حياتي
ـ أشعر بحالة من الضياع تدفعني للبحث عن بداية جديدة في حياتي الزوجية والعائلية والاجتماعية
2. عدم الثقة بالنفس والنظرة القاتمة نحو المستقبل :
ـ لم أعد قادرا على مواجهة المشكلات.
ـ ينتابني حاليا احساس بالضعف وقلة الحيلة.
ـ أشعر أنني لا أستطيع تحقيق أهدافي لأنني لن أعيش قدر ما عشت .
ـ الحياة لا جدوى لها والمستقبل يحمل لي أشياء مخيفة.
ـ أشعر بالأسى والحزن لأنني لم أحقق طموحاتي التي كنت أريد تحقيقها .
ـ أشعر باليأس كلما تقدمت في السن والندم على ما سبق من أحداث.
3. قلق الموت :
تحت سن الأربعين يعتقد في فكرة الموت للآخرين وليس له هو، وبعد سن الأربعين يعرف أن الموت سيكون له أيضًا، فيقول لنفسه أن العمر قد سرق منه وعليه أن يتدارك ذلك لتحقيق ما يريد بسرعة.
ـ وتسيطر عليه فكرة التعرض للموت المفاجئ، وأن الحياة قصيرة
4. الإحساس بانخفاض القوى الحيوية للصحة والجسم:
ـ لم أعد أتمتع بالنشاط و الحيوية الذين كنت أتمتع بهما من قبل.
ـ أخاف من اصابتي بأي مرض في هذه المرحلة من عمري وأقلق على صحتي.
ـ أنزعج من مظهر جسمي الذي تغير بصورة كبيرة.
5. الإحساس بكبر السن وإدراك الزمن :
ـ لم يبق في العمر بقية لأحقق أهدافي.
ـ توحي ملامح وجهي بتقدم عمري .
أشعر باليأس والقنوط كلما تقدمت في السن.
6. الفجوة بين الطموحات ومحاولة البحث عن منطلقات جديدة :
ـ الشعور بالرغبة في تعديل مسار حياتي الاجتماعي.
ـ عدم الرضا عن مكانتي الاجتماعية ومكانتي المهنية.
ـ الحياة تسير على وتيرة واحدة وأشعر بالملل والروتين والتكرار في الحياة.
ـ البحث عن ذاتي أكثر من أي وقت مضى.
هذه هي أسباب أزمة منتصف العمر ولكن السؤال الآن كيف نواجه هذه الأزمة وما هي الحلول المقترحة؟